الأحد 04 مايو 2025
31°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

الجاحظ... سخر من نفسه وفضح "البخلاء"

Time
السبت 25 أبريل 2020
View
70
السياسة
الساخرون على مائدة رمضان

إعداد – نسرين قاسم:

هو أبو عثمان عمرو بن بحر، والملقب بـ"الجاحظ" لجحوظٍ في عينيه، وكان أسمر البشرة ذا وجه ذميم كما روت كتب السير والأخبار، شديد النقد حاد اللسان لاذع القول بلغت سخريته كل شيء حتى سخر من نفسه كما أورد في هذه الحكاية راويا عن نفسه "أنه كان واقفاً أمام بيته، فمرت بالقرب منه امرأة حسناء، فابتسمت له، وقالت: لي إليك بحاجة. فقال الجاحظ: وما حاجتك؟ قالت: أريدك أن تذهب معي. قال: إلى أين؟ قالت: اتبعني دون سؤال، فتبعها الجاحظ إلى أن وصلا إلى دكان صائغ، وهناك قالت المرأة للصائغ: مثل هذا، ثم انصرفت. عندما سأل الجاحظ الصائغ عن معنى ما قالته المرأة، فقال له: لا مؤاخذة يا سيّدي! لقد أتتني المرأة بخاتم، وطلبت منّي أن أنقش عليه صورة شيطان، فقلت لها: ما رأيت شيطاناً في حياتي. فأتت بك إلى هنا لظنّها أنّك تشبهه".
لقد كانت السخرية عند "الجاحظ" من أبرز السمات الشخصية فيه، فهو ذو طابع مرح وتميزت كتاباته بهذا الطابع، كما كان يعالج المشكلات بالضحك والسخرية، خاصة في مواجهة خصومه، ومنها ما رواه سخرية من أهل بلدة مرو عاصمة خراسان بقوله: "يقولون للزائر إذا أتاهم، وللجليس إذا طال جلوسه: تغديت اليوم؟ فإن قال: نعم، قالوا: لولا أنك تغديت لغديتك بغداء طيب، وإذا قال: لا. قالوا: لو كنت تغديت لسقيناك، فلا يصير في يده على الوجهين قليل ولا كثير".
وفي نادرة أخرى نذكر قوله: "وكنت في منزل ابن أبي كريمة، وأصله من مرو، فرآني أتوضأ من كوز خزف، فقال: سبحان الله! تتوضأ بالعذب، والبئر لك معرضة؟ قلت: ليس بعذب، إنما هو من ماء البئر. قال: فتفسد علينا كوزنا بالملوحة، فلم أدر كيف أتخلص منه".
عُرف عن "الجاحظ" المولود في البصرة سنة 159 هـ منذ سنه المبكرة أنه محب ونهم للقراءة وإقباله الشديد على طلب العلم، فجمع بذلك مختلف أشكال الثقافة والمعرفة في زمانه، رغم أنه نشأ فقيرًا يتيمًا يتقلب في أحياء البصرة، وتعرف خلال رحلته على الكثير من الكتب المترجمة بعد تعلمها عن لغات وثقافات منوعة مثل الفارسية واليونانية والهندية وغيرها، ثم سطع نجمه، وذاعت شهرته بين أهل العلم فانتقل إلى بغداد، وتصدر للعمل بالتدريس، وتردد عليه طلّاب العلم من كل مكان، حيث كان موسوعة كبرى في جميع العلوم والمعارف، كما عاش عمرًا طويلًا حتى سنة 255 هـ، ليعاصر تسعة من خلفاء العباسيين، فيكون بذلك شاهدًا على العصر الذي بلغت فيه الحضارة العربية ذروة ازدهارها في جميع الجوانب العلمية والفكرية.
كتب "الجاحظ" نحو 360 كتابًا في كل فروع المعرفة في عصره، ويعد كتاب "البخلاء" من روائع "الجاحظ" لأنه كتاب أدب وعلم وتاريخ وفكاهة، وهو من أنفس الكتب التي يتنافس فيها الأدباء والمؤرخون، وتفوق به على كل ما كتب وظهرت فيه روحه الخفيفة وتجلى فيه أسلوبه العذب، وبيانه القوي، وفي هذا الكتاب صور البخلاء الذين قابلهم في بيئته الخاصة كما في بلدة مرو، تصويرًا واقعيًا نفسيًا فكاهيًا، فأبرز لنا كل حركاتهم ونظراتهم وحياتهم القلقة أو المطمئنة ونزواتهم النفسية، وفضح أسرارهم وخفايا منازلهم و أحاديثهم، وكشف نفسياتهم وأحوالهم جميعاً.
ومن ذلك ما ذكره الجاحظ أن "ديكة مرو تنهب الحبة من منقار الدجاجة، قال: "فعلمت أن بخلهم شيء في طبع البلاد وفي جواهر الماء، فمن ثم عم جميع حيوانهم"، ومن أظرف حكايات هذا الباب ما جرى لجماعة من الأصحاب الخراسانيين الذين ترافقوا في منزل وقرروا الاشتراك في مصباح، ولكن واحداً منهم أبى الاشتراك في تكلفة الزيت، فعمدوا إلى شد عينيه بمنديل عندما يشعلون المصباح لئلا يستفيد من نوره، ثم يفكون المنديل عن عينيه عندما يطفئون المصباح".
آخر الأخبار