الأحد 22 سبتمبر 2024
37°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الحالمونَ لا يفشلونَ أبداً (1 من 2)
play icon
كل الآراء

الحالمونَ لا يفشلونَ أبداً (1 من 2)

Time
السبت 30 سبتمبر 2023
View
148
محمود كرم

أولئك الساعون إلى أن يمنحوا الحياة بريقاً من فنون البهجة، والحلم والجمال والشغف والإبداع والألق، قد لا يفشلون أبداً، لأنهم في الأصل تواقون إلى البحث عن كل ما يجعلهم يعشقون طريقتهم في صناعة تلك الحياة.
ولأنهم أيضاً تواقون إلى منح الحب لغيرهم، ذلك لأنهم في الأساس يحبون أنفسهم، وإنهم قد يشعرون بالخسارة هنا وهناك، لكنهم يعرفون جيداً أن ذلك لا ينتقص من قيمتهم، بقدر ما يمنحهم أفقاً جديداً في التعلم والإدراك والمثابرة.
ويعرفون أن ما يُبقيهم خلاقين ومبدعين على قيد التنوع والفن والتجدد، هو أنهم يعيشون خيارهم هذا بوصفه أسلوبهم الأجمل في تبني حريتهم العقلية والفكرية، لذلك يدركون عميقاً أن أجمل الحاضرين في حياتهم، هو أكثرهم إلهاماً في هذا الاتجاه، ويجدون في جمال هذا المسعى لذةً في الفهم، لأن الكثير من الإدراك المعرفي إنما يتجلى وضوحاً، في كونهم يتقصدون دائماً البحث عن المعنى الفلسفي لطريقتهم في الحياة، ومدى تأثيرهُ الجمالي على رغباتهم وأفكارهم وأساليبهم وإبداعاتهم.
إن ما يفعله الإنسان يستطيع التحكم به في أغلب الأحيان، لكن ما يشعر به، لا يستطيع أن يجعله رهن إرادته دائماً، لذلك كم يعاني حين يريد أن يجعل الفعل والشعور في وفاقٍ دائم، وقد يستحيل التوافق بينهما، ذلك لأن طبيعة الإنسان مليئة بمختلف التناقضات والتصادمات.
وقد لا يعني هذا أبداً أنه يفقد السيطرة على تناقضاته، لأنه في الأخير يملكُ أن يسترشد بتفضيلاته وأولوياته في بقائه سيداً على شعوره وفعله.
ومن هنا قد تكمن قدرة الإنسان العاقل في التحكم بشعوره وفعله، بما يتناسب مع إنسانيته في تحقيق الأفضل له ولغيره، فالأصل لديه أن ينطلق الفعل مفعماً بشعور الحب.
الشعور الذي من غيره يفقد الإنسان إنسانيته ووجوده أيضاً، ذلك لأن شعور الحب، هو الأصل في وجود الإنسان على قيد الفعل، الذي من خلاله يسعى شغوفاً ومغرماً، إلى إثبات إنسانيته المتطلعة للحلم والألق والإبداع والبهجة والسعادة.
وإذا ما كان في سعي الإنسان الحالم الشغوف ثمة حقيقة، فإني أراها تتجلى جمالاً ولمعاناً في قدرته الإبداعية على خلق ايقاعه الفكري، الذي يتناغم توافقاً مع أجمل المعاني التي يوجدها، تحقيقاً لرغبته في ملء فضائه الذاتي بالتطلع الحميمي، نحو ترسيخ وجوده إنسانياً، في البقاء حراً ومتفلسفاً ومبدعاً وشغوفاً.
إنه في هذا السعي الخلاق دائماً ما يأتي من الغد، ولذلك أحسبه يذهبُ دائماً إلى أجمل الآمال الشاخصة في عقله وقلبه، وإلى كل ما يتعالق معه جمالاً وحلماً وألقاً، بالقدر ذاته من الحميمية والرغبة والشغف.
وإنه في كل ذلك يبقى ملتصقاً بأحلامه التي يريدها أن تكون طريقاً إلى الحياة التي يرى فيها فضاءً يتسع للحلم والسعادة والمبادرة والحرية والحب.
ولذلك يستطيع أن يملك من عقله وشعوره ما يجعله متسائلاً وناقداً ومبصراً، وشغوفاً في الوقت ذاته بطريقته التي لا تبعدهُ أبداً عن استخدام عقله وتفكيره وبصيرته.
فالإنسان الحالم في كل ذلك، إنما يسعى إلى أن يجد في حريته أبعاد إنسانيته، ومن ثم يملكُ أن يمنحها وجوداً في عقله ومشاعره، وفي آماله وتأملاته، ويستطيع في الوقت ذاته أن يستلهم منها جمال التنوع والتجديد والخلق.
ولذلك لم يعد مهووساً بحتمية النهايات، لأنه أصبح يرى في البدايات دائماً نقطة الارتكاز نحو مزيدٍ من البدايات الجديدة، فالشغفُ بالبدايات دائماً ما تكون مفعمة بالوثبة الخلاقة نحو التجديد والإبداع والمبادرة والحلم والتخطي والرحابة.
بينما التعلق بالنهايات عادةً ما تطفىء في الإنسان شغف المحاولة والتجدد والاستمرارية، وتجعله مكتفياً بما لديه، على العكس من الشغف بالبدايات، حيث تجعله دائماً في مدار الرغبة المتجددة وفي تخلقات المثابرة والسعي والتقدم.
ما أجمل استقصاد المعنى من مرصد الفهم، ذلك هو ما يجعل الحالمون المفكرون المغرمون، يعون تماماً ضرورة انفتاح الذات على تجربتها المعرفية في التوافق الخلاق مع انشغالاتها الفكرية والثقافية، طريقاً إلى تبني فلسفتها الملهمة.
الفلسفة التي ترى في اللذة منتهى التحرر من معيقات الأفكار الاستلابية الهادمة، والفلسفة التي ترى في الحلم والحب والبهجة، قدرة الإنسان على التخلص من أثقال التراجع والجمود والتعاسة والخوف والانغلاق.
وهي الفلسفة ذاتها التي ترى في الإبداع قداسة الذات المفكرة والحرة، وهي الفلسفة التي تؤسس للتعالق المبدع مع تحولات الإنسان، ومع قلقه وأسئلته وأفكاره، بناءً على تجربته المعرفية في تحقيق ذاته الحرة، والمفكرة، والحالمة والعاشقة، وهي الفلسفة التي تضع الإنسان أمام مسؤوليته التفكيرية في اختيار حريته وعقله وقراره، سبيلاً إلى تمكين قدرته الذاتية على التفلسف والتفكر، وهي الفلسفة التي ترى في كل ذلك التوافق الجمالي بين تجرية الإنسان المعرفية وانشغالاته الفكرية والتفكيرية، انتصاراً للذات الحالمة في أفق الفهم، وهي تتقصد المعاني الملهمة في أفكار الحرية والشغف والرغبة والجمال.

كاتب كويتي

محمود كرم

[email protected]

آخر الأخبار