الأحد 22 سبتمبر 2024
32°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الحالمونَ لا يفشلونَ أبداً (2 من 2)
play icon
كل الآراء

الحالمونَ لا يفشلونَ أبداً (2 من 2)

Time
الثلاثاء 03 أكتوبر 2023
View
105
السياسة

الحالمون هم الخارجون على أفكار السائد، والشائع، والعادي والمتعارف، إنهم من خلال ذلك يؤكدون بجمالية واثقة، على أن في موقفهم المستقل والحر هذا، تقدير مستحق لحق الإنسان أولاً وأخيراً في أن يتخذ موقفاً، يعزز به من خلاله أحقيته الكاملة في الحرية والاستقلالية، والحب، والرغبة والحلم، لكنهم في الوقت ذاته، يعتقدون دائماً أن أفكارهم وأساليبهم قابلة للنقد والمساءلة والحوار.
فالقيمة الحقيقية في فلسفتهم، إنما تنطلق من الشغف الكامل بحرية العقل والتفكير والقلب، ودائماً ما تحظى فلسفتهم بميزة التحرر من الأحكام واليقينيات النهائية، وتجاوز استحكامات الأسبقيات الذهنية، وعدم التأسيس على عقلية المقدس، التي تحصر الحياة والأفكار في اتجاه واحد ومحدد.
فالحلم والشغف والرغبة في أفق المعرفة لديهم، يرتكز على التجربة الدائمة، والحرية المستنيرة، والإبداع الملهم، والتنوع الخلاق، والجمال في الفهم.
إنهم دائماً ما يتركون الحقيقة طليقةً وحرةً في سؤال العقل، وفي رحابة الشعور، وفي أفق التجربة، ولذلك لا يمكن أن تفشل أحلامهم، لأنها تؤمن بالفكر والحب والمحاولة، سبيلاً إلى الفهم والإبداع والبهجة.
فالحقيقة كما يريدونها، تبقى أبداً تتخلق في حرية السؤال، وفي تعبيرات الشعور، وفي التماعات التجربة، ولذلك لا تختنق بانسدادات الأجوبة، ولا تقمع بالكبت والانغلاق والقهر، ودائماً ما تتجلى وتنمو مراراً بالمحاولة، فهي في كل رغباتهم وأحلامهم تعتلي مدارج الحب والسؤال والمعنى، وقد تأتي من زحام الأفكار هنا وهناك.
لكن ليس فيها شيء من التعلق الواهم بأوهام الأفكار السائدة واليقينيات الشمولية.
إنهم يمضون، وفي كل مسافة من رحلتهم في أسفار الحلم والرغبة والشغف، قد يتوقفون ويتساءلون: إلى أين عليهم أن يمضوا؟ ولكي يجتازوا سؤال التوقفات هذا بمهارة، ويواصلوا مجدداً رحلتهم هنا وهناك، يستعينون دائماً بذاكرة الوعي، الذاكرة التي لا تتوقف عن أن تمدهم بتنورات الخبرات والتجارب والأفكار والتساؤلات.
وكم يتجلى الحب ناصعاً في جوهر الأفكار، التي تتأسس على الفعل المتحرر من التقيد بأثقال الاكراهات الماضوية والتوارثية، لأنها الأفكار التي لا يمكن لها أن تحصر الحب في انغلاقات المفاهيم الخانقة، السالبة لحق الإنسان في حرية الشعور والعاطفة والحلم.
فأقسى ما يعانيه الإنسان، أن يبقى يدافع عن حقه في حرية الشعور والعاطفة، أمام مجتمع يتغاضى جهلاً عن حقه في هذه الحرية، ولذلك يتمسك الحالمون بحقهم الكامل في حرية الشعور والعاطفة والحلم، كأساس لوجودهم في جوهر إنسانيتهم.
فالحب هنا في هذه الحرية، يستجلي في الإنسان أجمل ما يمكن أن يمتلكه إنسانياً ومشاعرياً وعاطفياً، وهو الحب الذي يحقق انتصاره الأكيد على كل الانغلاقات والاكراهات والفروضات الدينية والاجتماعية.
ففي شؤون القلب والحب ليس أجمل من أن يثق الإنسان بمشاعره وعاطفته، وهي تخبره كم يصبح جميلاً حين يستطيع أن يتخلى عن توحش الأنانية المفرطة، وكم يصبح حراً في مشاعره وأحلامه حين يستطيع أن يتخلى عن التحيزات الهوياتية العدائية والأدلجات اليقينية الخانقة.
الحالمون عادةً ما يجدون في استبصار العقل والفكر، طريقاً إلى قلوبهم المترعة باشتهاءات الحلم، فالعقل في ميزان الحب يتحرى عن دوافعه في الحكمة والاتزان والنبل والتفكر، والحب في ميزان العقل مدفوع بشغف المحاولة ووعي الرغبة وبصيرة الحلم، وكلاهما في ذات الإنسان الحالم، يتكاملان توقاً وشوقاً وفهماً إلى إدراك الوجود موضوعاً حقيقياً للتفكير والإلهام والإبداع والبهجة، إنهما يتظافران هنا في صناعة الذات التي تسعى في كل محاولة لها إلى هزيمة الجهل والانغلاق والكراهية.
لكي تستطيع في المقابل أن تقترب أكثر في كل خطوة لها، إلى معرفة الحقيقة من وجودها على قيد الحب والحلم والمبادرة والانفتاح والتنوع والجمال.
إنها هنا لا تتملق الجامد والخانق والمنغلق من الأفكار والتوجهات، ولا تشارك في حفلات النفاق الجمعي، ولا تسعى إلى أن تحظى بالأضواء الزائفة، ولا تبارك ثقافة التقديس البليدة، وليس من طبيعتها أبداً أن تساير الأوهام وأكاذيب القطيع، بل تبقى كما هي دائماً، فكراً وحباً طليقاً في جوهر الحرية، تتفانى في ابتكار الإبداع والبهجة والضوء والألق، وتتبنى ما توصلت إليه في اخلاصها الأجمل لمعنى الوجود الإنساني، في أن يستطيع الإنسان أن يشعر دائماً بوجوده وحاضره، وكأنهما كل رصيده الوافر لديه أبداً، يستلهم من خلاله جمال حضوره في بقائه حراً وسعيداً وعاشقاً ومتفكراً ومتفلسفاً وحالماً ومحباً ومتفانياً.

كاتب كويتي

محمود كرم

[email protected]

آخر الأخبار