الخميس 10 أكتوبر 2024
36°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

الحب... بعد الستين

Time
الأربعاء 03 أكتوبر 2018
View
90
السياسة
القاهرة – مي مجدي:

الحب بعد الستين، علاقة عاطفية تنكرها مجتمعاتنا الشرقية وتخجل منها، في حين يؤكدها المتخصصون، ويثبتها العلم، حيث كشفت إحدى الدراسات الإننليزية، أن أكثر من 30بالمئة ممن أتموا الستين يشعرون بالسعادة والتفاؤل ولديهم استعداد للدخول في قصة حب جديدة وملتهبة. وفي بحث آخر بريطاني، وجد أن الحب يكون أكثر إشباعا لدى الرجل والمرأة في سن الـ60 بسبب الخبرة التي اكتسباها من الحياة فهما يعرفان جيدا ما يريدان ويستكشفان أبعاد حياتهما الجنسية.
عن حقيقة هذا الحب في المرحلة المتأخرة من العمر، ومدى تواجده في مجتمعاتنا، وأهميته للرجل والمرأة، وكيفية التعامل معه، كان لـ «السياسة» هذا التحقيق.
ترى الدكتورة هبة عيسوي، أستاذ الطب النفسي بكلية طب عين شمس، أن الحب إحساس داخلي يشعر به الفرد تجاه الآخر، ولا ينتهي عند عمر معين، ولكل مرحلة عمرية شكل ونوع معين من الحب، فالطفل عندما يولد يوجه حبه وعاطفته تجاه والدته، لأنها مصدر الحنان والعاطفة بالنسبة له، وعندما يكبر ويدخل في مرحلة الشباب يتحول هذا الحب إلى رغبة جنسية، فيبدأ بالبحث عن شريكة حياته، لتكوين أسرة يكون هو قائدها ويتحمل مسؤوليتها، وعندما يصل إلى مرحلة الشيخوخة يتحول هذا الحب إلى مشاعر حب أخرى، تتلخص في المودة والعطف من قبل الأبناء والأحفاد. مثل هذا الحب هو الذي باستطاعته أن يملأ الفراغ الذي يصاحب هذه المرحلة العمرية، ونتيجة هذه الفراغ الذي يصيب الفرد في مرحلة الشيخوخة ينتج عنه نوع من التخبط في بعض الأحيان يجعله يعود إلى مرحلة عمرية معينة يريد أن يعيش فيها أو يحن لذكريات الماضي، من دون إدراك لعمره الحقيقي في ذلك الوقت، لذلك يبدأ الكثيرون عندما يصلون لهذه المرحلة في البحث عن بدائل لإشغال وقت فراغهم مثل ممارسة الرياضة بدلاَ من البحث عن حب لا يتناسب مع عمرهم، فهذه المرحلة العمرية المتقدمة، تحتاج رعاية خاصة للزوج من قبل الزوجة، إذا لاحظت علامات غريبة مثل رغبته في ممارسة العلاقة الجنسية بشكل مكثف، والتحدث مع المراهقات، في هذه الحالة على الزوجة احتواء زوجها، وتوجيهه إلى أشياء أخرى تتناسب مع مرحلته العمرية، وتشاركه حياته ولا تدعه للفراغ الذي يقوده لمثل هذه الأفكار.
تضيف: على الزوجة أن لا تسخر من زوجها في هذه المرحلة، ولا توبخه أوتصرح لأبنائها عن هذه الأعراض، لأن الرجل في هذه المرحلة لا يريد الاعتراف بشيخوخته، بل يعلن مكابرته وعدم اعترافه بعمره الحقيقي، فدائما يعلن للجميع بشبابه الدائم، وميله الدائم لارتداء ملابس شبابية، مع لجوئه في بعض الأحيان لتناول العقاقير التي تزيد من قدرته الجنسية، والتحدث مع الفتيات الصغيرات، لكي يؤكد لنفسه أنه مازال شخصاَ مرغوباَ فيه، وهو الأمر الذي يلاقي اعتراضا من الأبناء، هذا على عكس المرأة التي تعترف بسن اليأس مع وصولها لهذه المرحلة.

دوافع مختلفة
تؤكد الدكتورة زينب مهدي، استشاري الصحة النفسية ومعالج نفسي وأسري، عدم امكانية حسم الأمر بأن العلاقة بعد سن الستين، تقع تحت بند النزوة، فقد تكون بالفعل نزوة، وقد تكون احتياجا، خصوصا أن هناك شريحة من الرجال والنساء غير مستقرين عاطفياَ، ومن المحتمل وقوعهم في قصص حب عند بلوغهم هذا السن، أو عدم وقوعهم. وهناك سببان يدفعان الرجال والنساء للانجراف وراء مشاعرهم بعد الستين، أولهما: عدم فهم المشاعر التي يمرون بها، فلكل فرد تجارب عاطفية، بعضها انتهى بالزواج، والبعض الآخر فشل، وما زال يبحث عن حب كامل، والسبب الآخر: المراهقة المتأخرة وهي تأتي بعد بداية الأربعين وحتى نهاية الـ60، ودوافعها تختلف من شخص لآخر، بمعنى أن كلا من المرأة والرجل يشعر بالتمرد على الواقع الذي يعيشه، ويريد أن يعيد شبابه مرة أخرى، وفي مخيلته أنه تقدم في العمر، من دون أدنى استمتاع بالحياة، وبالتالي نجد الرجل يصل إلى هذه السن ويقع في حب فتاة من عمر أحفاده، ويشعر بمشاعر جياشة تجاهها، بينما المرأة تحب أن تسمع كلمات المدح والثناء التي تشعرها بالأنوثة أكثر من الوقت السابق، وكلا الجنسين يشعر بأن المسؤولية الملقاه على عاتقه قد منعته من الاستمتاع بحياته.

إشباع عاطفي
تقول الدكتورة دعاء راجح، المستشارة الاجتماعية والأسرية: درجة الإشباع العاطفي هي السبب الأول في بحث الرجل أو المرأة عن الحب بعد الستين، حيث يوجد كثير من الأزواج والزوجات لم يصلوا إلى الإشباع العاطفي طيلة حياتهم، أو ربما يكونون مجبرين على حياتهم بحكم الأولاد التي بينهم أو ما شابه ذلك، وطالما الإنسان لم يصل إلى درجة الإشباع العاطفي التي يرغبها، فسوف يبدأ في رحلة البحث عن الحب في أي وقت وأي مرحلة عمرية، وقد تنتهي هذه الرحلة بنهاية إيجابية وشرعية بالزواج أو تنتهي بالفشل، فهناك فتيات يقبلن بالزواج من رجل متقدم في العمر، مثل الفتاة التي تبحث عن والد لها، أكثر منه زوجا،أو أنها رأت فيه الزوج المثالي لها. في المقابل يوجد شباب يقبل بالزواج من نساء أكبر سناَ، المهم أن يكون الزواج من هذا أو ذاك غرضه الاستقرار وليس المتعة الوقتية فقط.

العمر والحب
تقول الدكتورة نسرين بغدادي، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس: العمر النفسي لا يرتبط بفئة عمرية معينة، فهناك من يكون في مرحلة المراهقة، ولكنه يتصف بحكمة وموعظة الستيني والأربعيني، فالحب إرث مشترك بين الشاب والرجل العجوز والمرأة، إذا ما أخلص أي منهم في حبه لشخص معين، وقد يكون كبار السن على دراية وحكمة أكثر في الحب، لأن تجاربهم التي مروا بها طيلة حياتهم، جعلتهم من أهل الخبرة، بالإضافة إلى حاجتهم لملء الفراغ النفسي الذي يشعرون به، فيكون الحب في هذه المرحلة أسمى وأنبل من حب الشباب المراهق.
تتابع: الرجل يتعرض لضغوط نفسية وحياتية، لا يستطيع التعبير عنها في هذه المرحلة العمرية، بل يفضل التكتم على مشاعره إلى أن يصاب بالاكتئاب، على عكس المرأة التي تستطيع التعبير عما بداخلها بالحديث أو البكاء، وهذا يرجع إلى طبيعة التربية الشرقية التي تمنع الرجل من التعبير عما بداخله لأن هذا الأمر ينقص من رجولته، لهذه نجده ينجرف وراء مشاعره الجياشة ويميل إلى كلام الفتيات الصغيرات الممزوج بالعاطفة ويصدقه، حتى ولو كان يدرك أنه كذب، فهو دائما يسعى لأن يكون محط نظرات الإعجاب لكي يتناسى سنوات عمره الحقيقية، وهرم جسده، وضعفه الجنسي في مقابل كلمة حلوة من فتاة عشرينية تصغره بكثير من السنوات.
الزواج في عمر متأخر سواء للرجل أو المرأة، موجود في أغلب العائلات ولا يرتبط بمنطقة أو مجتمع معين، فهو يحدث نتيجة الفراغ الذين يعيشه الشخص، ابتعاد الأبناء عنه، وانشغالهم في حياتهم الخاصة، ولا يستطيع أحد أن ينكر أنه زواج شرعي، لا يوجد عليه اختلاف ديني، رغم أنه يواجه هجوما كبيراَ من قبل المجتمع، وينظر إليه نظرة سلبية لما يسببه من إحراج للأبناء، خصوصا إذا كان هناك فارق كبير في العمر بين الزوجين، بالإضافة إلى المشكلات التي تنتج عنه مثل، الخلاف على الإرث، والإنجاب في هذا العمر، ورفض الأبناء الاعتراف بهذا المولود.
تقول الدكتورة بسمة جمال، استشارية العلاقات الزوجية والأسرية: زواج المرأة أو الأم في سن متقدمة من العمر، أمر يرفضه المجتمع أكثر من زواج الأب، حتى في حالة موت الزوج، أو طلاقها منه، رغم حقها القانوني والذي حلله الدين والشرع، إلا أن طبيعة مجتمعاتنا الشرقية، لا تعطي المرأة هذا الحق، بل تعتبره من الممنوعات بسبب الأعراف الخاطئة والعادات والتقاليد المتوارثة، أو الخوف من كلام الناس وضياع الإرث.
وتتساءل: لماذا هذا التفكير المتحجر من المجتمع؟ فالابن لابد أن يضع نفسه محل والدته أو والده في هذا الفراغ الذي يعيش فيه من دون النظر إلى المظهر الاجتماعي، والدخول في مشكلات وتجنب الصراعات، مطالبة باتخاذ لغة الحوار وسيلة للتفاهم بين الأجيال، لمعرفة أسباب لجوء الأب أو الأم للزواج في هذا العمر، مع توضيح السلبيات التي قد تنتج عن هذا الزواج، أبرزها إهمال الزوجة الأولى والأبناء، في حالة زواج الأب، وغالبا ما يكون الجانب المادي هو الأهم من قبل الأبناء الذين يرفضون زواج والدهم، إذا كان ميسوا، كما أن هناك ضررا نفسيا يقع على الأبناء نتيجة التكهنات من قبل الآخرين إذا كان هناك فارق مادي وعمري بين الزوجين.
أكد الدكتور محمد حسن، أستاذ أمراض الذكورة، جامعة عين شمس، أن مرحلة سن اليأس لا تقتصر على المرأة فقط، فالرجل أيضاً يمر بهذه المرحلة في سن ما قبل الخمسين أو الستين، حيث يصاب بالضعف الجنسي وضعف هرمون الذكورة نتيجة التوتر والاكتئاب، وفي الغالب يتم تحضير المرأة نفسياً وجسمانياَ لهذه المرحلة، على عكس الرجل الذي يرفض الاعتراف بها، وبالتالي ينعكس هذا على حياته الزوجية، حيث يبدأ بإلقاء اللوم على زوجته، حتى لا يشعر بالعجز، خصوصا أن العادات والتقاليد الخاطئة التي تربى عليها، تجعله يرى أن وصوله لهذه المرحلة «عيب» يجب ألا يظهره، ولا يحاول أن يعالجه في وقت مبكر، من خلال الذهاب إلى طبيب مختص وخلافه، ومن هنا تبدأ المشكلات الزوجية وتنهار العلاقة بين الزوجين، في هذه الحالة على الزوجة احتواء زوجها، وأن لا تشعره بعجزه، بل تصل به إلى مرحلة التوازن النفسي والقبول بالوضع الجسماني والصحي الذي فرضته عليه هذه المرحلة العمرية.
آخر الأخبار