الأولى
الحبس في قضايا الشيكات... إلى متى؟!
السبت 24 سبتمبر 2022
30
السياسة
* النيابة العامة سجلت 9 آلاف و199 قضية خلال 5 سنوات بمعدل 5 قضايا يومياً * قانونيون: الشيك يعدُّ الجريمة الأعلى انتشاراً ويُكلف الدولة الكثير في التوقيف والتقاضي والحبس* حيدر: الشيكات أصبحت قضية الساعة وأغلب القضايا بسبب شراء مواد استهلاكية * قضايا الشيكات قفزت إلى 1864 في 2021 بزيادة 114 عن 2020 بنسبة %6.5 * الواوان: المُشرِّع بالغ في العقوبة ولجأ إلى إجراءات قمعيّة بهدف استيفاء الديون من أجل الدائن * القطان: الإحصائيات تُنذر بالخطر وأعداد القضايا تكشف استفحال الظاهرة في المجتمع كتب ـ ناجح بلال وجابر الحمود وأحمد فتحي: في أبريل 2022 أقرَّ مجلس النواب الأردني تشريعاً يلغي عقوبة الحبس ضمن ما تسمى بـ"الحماية الجزائية"، في قضايا إصدار الشيكات من دون رصيد. وقالت الحكومة في المذكرة الايضاحية للقانون: إن إلغاء عقوبة السجن سيكرس استخدام الشيك كوسيلة للوفاء وليس للائتمان. (راجع صـ6ـ7)هذه الخطوة من جانب الأردن، كانت قد سبقتها إليها الإمارات، ففي ديسمبر 2017 دخل حيز التنفيذ نظام جديد يستبدل بالسجن، الغرامات، لعدد من الجنح مثل الشيكات المرتجعة بقيمة لا تزيد عن 200 ألف درهم.أما في الكويت فلايزال الحبس ثلاث سنوات، بانتظار مصدر الشيك من دون رصيد، وهي العقوبة، التي جاءت تخفيفاً بعد موافقة مجلس الامة في 2003 على مشروع قانون بشأن تخفيضها من خمس إلى ثلاث سنوات، رغم رفض الحكومة واعتراضها آنذاك على التعديل، بينما أكد النواب أن الشيك من دون رصيد ليس جريمة وإنما معاملة تجارية. منذ ذلك الحين، وحتى الآن لايزال الجدل دائراً ومحتدماً بشأن عقوبة الشيك من دون رصيد مع الإصرار على اعتباره أداة وفاء وليس أداة ائتمان، ورغم تعالي الأصوات المطالبة بإلغاء الشق الجزائي بعد اكتظاظ ساحات المحاكم بالمطلوبين في قضايا الشيكات ووجود المئات خلف القضبان على نحو يستدعي إعادة النظر في التشريع وإلغاء العقوبة الجزائية، إلا أن كلَّ هذه النداءات والمطالبات ذهبت أدراج الرياح.ويؤكد خبراء القانون والاقتصاد أن إلغاء العقوبة لن يؤدي إلى أي مشاكل اقتصادية، فالشيك أداة وفاء باستطاعة المستفيد منها التأكد من ملاءة الشخص المالية عن طريق التصديق عليه. تكتسب دعوات هذا الفريق أهمية بالغة في ضوء الاحصائيات الأخيرة، التي تؤكد ارتفاع معدل جرائم اصدار شيكات من دون رصيد خلال السنوات الـ5 الماضية، اذ سجلت النيابة العامة نحو 9 آلاف و199 قضية، بمعدل 5 قضايا يوميا.وكشفت الإحصائية التي حصلت "السياسة" عليها الخاصة بقضايا الشيكات أمام النيابة العامة خلال عام 2021 ان عدد الشكاوى الواردة لها بلغ 1864 شكوى،بينما كان عدد الشكاوى المنظورة أمامها 2087 شكوى وقد تم التصرف بـ2073 شكوى بإحالة 1489 إلى المحاكم للنظر فيها وبحفظ 584 شكوى. وأوضحت أن قضايا الشيكات في2021 ارتفعت عن عام 2020 بفارق 114 قضية أي بنسبة 6.5%، حيث ورد لها عام2020، 1750 قضية، بينما في عام 2021 بـ1864 قضية.وتبين أن عدد المتهمين مرتكبي قضايا جنح الشيكات خلال 2021 بلغ 1994 متهماً تصدرها الكويتيون بـ832 متهما، وتاليا المصريون 262 متهماً، ثم السوريون 216 متهماً، وفي الترتيب الرابع اللبنانيون بـ52 متهماً، وأخيراً الهنود بـ42 متهماً.في السياق ذاته، طالب قانونيون ومحامون بتعديل قانون الشيكات والغاء عقوبة الحبس وتكريس استخدام الشيك كوسيلة للوفاء لا للائتمان، مؤكدين أن الشيك بلا رصيد يمثل الجريمة المالية الجزائية الاكثر انتشاراً في الآونة الاخيرة، ويكلف الدولة الكثير من الوقت والجهد والمال في مراحل التوقيف والتقاضي والحبس.وأشار المحامون، الذين استطلعت "السياسة" آراءهم، إلى "مغالاة المشرع الكويتي في تغليظ عقوبة الشيك". وقال المحامي علي الواوان: إن "العقوبة الجزائية أدت الى كوارث اجتماعية بسبب الاساءة في استخدامها"، مشيرا الى أن المشرع بالغ في العقوبة بإجراءات قمعية ضد المتسبب بهدف استيفاء الديون من أجل الدائن، مع أنه لا يوجد أي مبرر.واضاف: إن "العقوبة أخذت منحنى غريباً وعجيباً باصدار عقوبات مقلوبة أوجدها القانون الجزائي؛ إذ إن هناك 90 في المئة من القضايا المنظورة أمام المحاكم عبارة عن كفالات مالية مقاولات، وعمليات تمويلية".بدورها، أشارت المحامية انعام حيدر الى أن "الشيكات بدون رصيد أصبحت قضية الساعة لأهميتها"، مشيرة الى أن "أغلب قضايا الشيكات من دون رصيد تأتي على خلفية شراء مواد استهلاكية". وطالبت حيدر مجلس الأمة بـ"رفع الحماية الجزائية والغاء العقوبة من أجل انقاذ المتورطين"، مبينة أنه "خلال أربعين عاماً والسوق يرضع من دم البشر وعليهم أن يبحثوا عن مصادر أخرى".وضم المحامي عبدالمحسن القطان رأيه إلى المطالبين بالغاء الشق الجزائي لقضايا "الشيكات دون رصيد" مواكبة للتطور. وأضاف القطان: إن الاحصائيات تنذر بالخطر لاسيما أن أعداد القضايا خلال السنوات الخمس الأخيرة تكشف استفحال الظاهرة.من جهته، قال الخبير الاقتصادي محمد رمضان: إن الكويت تأخرت في تغيير القوانين والتشريعات التجارية مقارنة بباقي الدول الخليجية، موضحاً أن الدول المجاورة عدلت العقوبات على قضايا الشيكات من "جناية" إلى "جنحة" وهو أمر مطلوب خصوصا مع ارتفاع عدد الشيكات المرتجعة بسبب عدم وجود رصيد.ولفت رمضان إلى أن بعض دول العالم مثل الولايات المتحدة الأميركية لا تعد الشيكات بدون رصيد جريمة من الأساس، فلا هي جنحة أو جناية. على الصعيد الاجتماعي، طالب رئيس مجلس ادارة جمعية التكافل د.مساعد مندني بتخفيف عقوبة قضايا الشيكات واستبعاد الحبس.وأضاف: إن جمعية التكافل تدفع فقط عن الغارمين، محذرا من تزايد حالات الضبط والاحضار التي وصلت لآلاف الحالات. من جانبه، اكد أستاذ علم النفس د.أحمد سلامة ان قضايا الشيكات من دون رصيد، تؤدي في حالات كثيرة الى طلاق الزوجين بعد سجن الأب، ومن هنا يتم تدمير أسرة بأكملها بسبب تورط إنسان في تحرير شيك دون رصيد ولم يتمكن من الوفاء به.