الخميس 14 أغسطس 2025
39°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الدولية

الحراك السياسي العربي... تطلعٌ إلى الحرية والاستقلال من بوابة النهضة

Time
الاثنين 14 أكتوبر 2019
السياسة
حسين عبدالقادر المؤيد


من المبالغ فيه، الحديث عن فكر سياسي عربي، في العقود التي سبقت الحرب العالمية الأولى، إنما يمكن الحديث عن الحراك السياسي العربي في تلك الفترة، والذي يجب أن ينظر إليه كمظهر من مظاهر النهضة العربية الحديثة، التي تفتحت بشكل واضح منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وجاء تفتحها انعكاسا لتأثيرات النهضة الأوروبية التي لاقت أرضية خصبة تتفاعل معها.

البداية من مصر
يمكن ان نجعل البرنامج الذي تبناه محمد علي باشا في مصر، بداية نهضة عربية انفتحت على المشروع الحداثي الغربي، فقد أدرك محمد علي باشا، أن الشرق لن يبقى معزولا عن النهضة الأوروبية التي حققت تحولا غير مسبوق في أوروبا، سيغير مجرى الحياة في المجتمعات البشرية، وأدرك -وهذا هو المهم- أن النهضة الأوروبية نقلة نوعية إيجابية في حياة الإنسانية، ويجب الاستفادة منها والانفتاح على منجزاتها واللحاق بركبها، فانطلق مشروعه ليستفيد من هذه النهضة في كل مجالاتها الممكنة.
وكانت أهم مفردة ستراتيجية في برنامج محمد علي باشا، هي بناء جيل مصري متعلم، يكتسب خبرات الغرب، لينهض بالبلاد، فكان ارسال البعثات الى حواضر النهضة في أوروبا، فذهبت أولى البعثات الى ايطاليا سنة 1819 لدراسة العلوم العسكرية وتقنية بناء السفن ودراسة الهندسة وكذلك الطباعة.
اعقب ذلك ارسال بعثة الى فرنسا وانكلترا، وكان من آثار ذلك تأسيس مطبعة بولاق سنة 1821، والتي أسسها نقولاي مسابكي، ثم توالت البعثات، فكانت بعثة 1826 لدراسة العلوم العسكرية والإدارية، والطب والزراعة، والتاريخ الطبيعي والمعادن والكيمياء والهيدروليكا، ثم بعثة 1826 إلى فرنسا، ثم بعثة 1829 إلى فرنسا والنمسا وبريطانيا، ثم بعثة 1844 إلى فرنسا.
وتزامن إرسال البعثات مع افتتاح المدارس والمعاهد والتي نهض بها فيما بعد خريجو البعثات، وللمرة الاولى يقوم رفاعة الطهطاوي، وهو رائد النهضة العربية الحديثة، بعد عودته من بعثة إلى فرنسا ضمته مع 44 طالبا، بتأسيس مدرسة "مدرسة الإدارة" لتدريس العلوم السياسية.
وقد حدثت، بعد وفاة محمد علي باشا وتولي الخديوي للحكم، أحداث سياسية واقتصادية داخلية، تفاعلت معها النخب المتعلمة والمثقفة بثقافة التنوير الأوروبي، فتأسست جمعية مصر الفتاة سنة 1879، وهي أول تنظيم سياسي في مصر والبلاد العربية، يعتبر من مظاهر الحراك السياسي للنهضة العربية الفتية.
لقد بدأ تأثر النخبة المصرية ذلك الوقت بأوروبا واضحا في عنوان تنظيم جمعية مصر الفتاة، المأخوذ من جمعية إيطاليا الفتاة التي أسسها الفيلسوف والسياسي الايطالي الوطني ماتزيني الذي لقب بـ"روح إيطاليا" نظرا لجهوده التي أفضت الى قيام الدولة الإيطالية الحديثة المستقلة عن القوى الخارجية، وكما ساهم أيضا في ترسيخ قيم الديمقراطية الشعبية في أوروبا.
لم يكن تأثر جمعية مصر الفتاة بـ"ماتزيني" وجمعية إيطاليا الفتاة، مقتصرا على العنوان والاسم فقط، إنما امتد للبرنامج السياسي الذي تبنته جمعية مصر الفتاة، والتي دعت الى نظام سياسي يقوم على توزيع السلطات واستقلال القضاء والمساواة "المواطنة" وصيانة الحريات الشخصية، مضافا الى الاصلاح الاقتصادي وإعادة تنظيم الجيش.
ونلحظ في هذا التنظيم السياسي وجود نخبة من التنويريين من مختلف الأديان، ففيها المسلم و المسيحي واليهودي، وفيها المصري الاصل والإيطالي المتمصر، ونتحدث عن أسماء لامعة في الحياة المصرية والعربية، كعبد الله النديم وأديب اسحق وغيرهما.
ويبدو أن جمعية مصر الفتاة، كأول تجربة حزبية تنويرية، لم تستطع ان تتغلب على النزعات الدينية، الأمر الذي كان أحد أسباب انشقاق عبدالله النديم وجماعة معه عن أديب إسحق، وانضمام النديم الى جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية.
لم تدم جمعية مصر الفتاة سوى فترة قصيرة حيث تأسس الحزب الوطني في السنة ذاتها أي 1879 الذي بدأ باسم الحزب الوطني الأهلي، وضم العديد من الشخصيات اللامعة التي وقعت على العريضة الوطنية التي طالبت بحل أزمة الدين الخارجي لانقاذ البلاد من التدخل الأجنبي المخل باستقلالها، وبنظام نيابي دستوري تنبثق منه حكومة مسؤولة أمام البرلمان. نشط الحزب المصري هذا في أيام الخديوي اسماعيل، وتعرض للملاحقة الشديدة.
لعب الحزب دورا أفضى إلى قيام الثورة العرابية -وقد كان أحمد عرابي من شخصيات هذا الحزب، وبعد الثورة العرابية قدم الحزب برنامجا سياسيا، تضمن فقرات مهمة تعبرعن ثقافة التنوير التي استقتها النخبة المصرية من النهضة الأوروبية، فقد نص على أنه حزب سياسي لا ديني، يضم رجالا من مختلف العقائد "فهو لا ينظر لاختلاف المعتقدات ويعلم ان الجميع اخوان وحقوقهم في السياسة والشرائع متساوية" ونص على "إطلاق الحرية السياسية التي يعتبرونها حياة للأمة".
ويلفت النظر ما ورد في البرنامج السيياسي للحزب "وللمصريين اعتقد في دول أوروبا التي تمتعت ببركة الحرية والاستقلال أن تمتعهم بهذه البركة".
لم يقتصر الحراك السياسي في مصر آنذاك، على التنظيم السياسي، وإنما لعبت الصحافة التنويرية دورا كبيراً في الحياة السياسية، فقد كانت صحيفة مصر القناة، لسان جميع مصر الفتاة، وكانت صحيفة (مصر) وصحيفة "التجارة" معبرتين عن التيار الوطني وتوجهات الحزب الوطني، وبعد اغلاقهما، كلف الحزب أديب إسحق باصدار جريدة "القاهرة" في باريس لتكون لسان الحزب الوطني.
لقد أوجد هذا الحراك تيارات سياسية في مصر، فيها ما ركز على كراهية الاحتلال، فيها ما ركز على الاصلاح السياسي والاقتصادي.
لقد كان عام 1907 نقلة في الحياة السياسية المصرية، فقد حمي وطيس الحراك السياسي ليتمخض عن تشكيل عدة أحزاب تعمل بشكل علني من أبرزها:
1- حزب الأمة، الذي تبنى الفكر الليبرالي ودعا إلى ديمقراطية في إطار نظام دستوري، ويعتبر أحمد لطفي السيد الذي يوصف بأنه أبو الليبرالية في مصر، أبرز مفكري الحزب. وكانت صحيفة "الجريدة" هي الواجهة الإعلامية للحزب وأفكاره.
ومن يعرف شخصية أحمد لطفي السيد، وأثره التنويري والسياسي، سيعرف دور حزب الأمة المصري واتجاهه السياسي.
لقد نادى أحمد لطفي السيد بالقومية المصرية، ورفض ربط مصر سياسيا بالعرب أو تركيا أو العالم الإسلامي، وهذا ما انعكس على أدبيات حزب الأمة المصري الذي رفع شعار "مصر للمصريين"، وكان لطفي السيد من دعاة احترام الحريات الفردية وتقليص رقابة الدولة مطالبا بتمتع الفرد المصري بالحرية التي يتمتع بها الفرد الأوروبي، ونادى بتعليم المرأة، وفي الجانب السياسي، فقد كانت ينادي بالديمقراطية والنظام السياسي القائم على العقد الاجتماعي. وقد تبنى حزب الأمة هذه الافكار التي توضح اتجاهه السياسي والفكري.
2- حزب الاصلاح على المبادئ الدستورية الذي أسسه الشيخ عغلي يوسف صاحب جريدة "المؤيد" وقد كان مواليا للخديو عباس حلمي الثاني، فيعتبر حزبه من أحزاب الموالاة، وقد انتهى الحزب بوفاة الشيخ علي يوسف.
3- الحزب الوطني الذي أسسه مصطفى كامل صاحب جريدة"اللواء"وكان يمثل التيار الوطني المناويء للاحتلال البريطاني ويطالب بالاستقلال. لكن مصطفى كامل توفى سنة 1908 وخلفه علي قيادة الحزب محمد فريد الذي استمر على نهج مؤسس الحزب، لكنه اهتم بمنظمات المجتمع المدني كالنقابات والتعاونيات، وأدى نشاطه الى مضايقات اضطراته للهجر الى الخارج متنقلا بين تركيا وسويسرا، لكنه بقي يقود الحزب وهو في الخارج حتى وفاته في 1919.
4- الحزب الوطني الحر والذي سمي فيما بعد بحزب الأحرار إثر اصداره لصحيفة "الاحرار" سنة 1908، ويعتبر هذا الحزب مواليا لبريطانيا، وكأنه تأسس لمواجهة الحزب الوطني وزعيمه مصطفى كامل الذي كان يعادي المحتل البريطاني بشدة.
وقد انتهى هذا الحزب سنة 1910 بعد الحكم على مؤسسة محمد وحيد بك الأيوبي بالسجن بتهمة تبديد أموال.
5- الحزب الاشتراكي المبارك والذي أعلن عن تأسيسه سنة 1909 ورأسه الدكتور حسن فهمي جمال الدين. نادي بتنظيم العلاقة بين الفلاحين وكبار الملاك، وتحسين أوضاع الفلاحين والضمان الاجتماعي للعجزة والمرضى منهم.
6- الحزب الجمهوري وهو حزب صغير من مجموعة من المثقفين والصحافيين نادى بإنهاء حكم أسرة محمد علي باشا، وإقامة نظام جمهورية باعتباره في نظر الحزب الأقرب إلي تحقيق العدالة، لكنه لم يستمر طويلا وانتهى.
لقد كانت هذه الاحزاب معبرة عن توجهات وتيارات في الحياة السياسية المصرية تلك الفترة، ولكن لم يسيطر على الساحة منها سوى حزب الأمة والحزب الوطني، وقد كان الاقوى حضورا واستمر الى ما بعد الحرب العالمية الاولى، ولم تكن بين هذه الاحزاب في تلك الفترة أحزاب قومية عربية، فالاولوية التي كانت محط اهتمام النخب المصرية والشارع المصري، هي للاستقلال وجلاء الاحتلال البريطاني، واصلاح الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمصريين، ولم تكن فكرة الوحدة العربية قد تبلورت لدى المصريين في تلك الفترة والى قيام الحرب العالمية الأولى.
لم تقع مصر تحت الحكم العثماني وبالتالي لم يذق المصريون مرارة سياسة التتريك التي اتبعها حزب الاتحاد الترقي وعدم احتكاكها المباشر بالطورانية كان من العوامل التي اخرت تفاعل المصريين مع فكرة القومية العرقية.
منذ وقت مبكر بدأ في بلاد الشام سورية ولبنان حراك سياسي تزعمه المكون المسيحي الذي كان يشعر بالتمييز الديني في ظل الحكم العثماني ويتطلع الى لعب دور في المجتمع وعلى جميع الاصعدة على قدم المساواة مع المكون المسلم وقد كان هناك تفاعل مع افكار وقيم النهضة الاوروبية من المسيحيين العرب.
وكانت هناك نقمة من ادارة الحكم العثماني للولايات العربية الخاضعة له فكانت عاملا استفز العرب مسلمين ومسيحيين.

الجمعية العلمية السورية
في 1847 انشأت في بيروت الجمعية العلمية السورية ضمت مجموعة كبيرة من الشخصيات العربية من المسيحيين والدروز، وكان لها مجلة شهرية بعنوان مجموعة العلوم، تنشر مقالات علمية وادبية واجتماعية واقتصادية وكان من ابرز رجالات الجمعية بطرس البستاني وناصيف اليازجي والامير محمد ارسلان وحسين بيهم وعالي سميث ووليم طومسون، كانت الجمعية تدعو الى نهضة عربية، وذكر بعض الباحثين انها اول من اطلق صيحة الثورة العربية الكبرى في اجتماع سري عقده بعض اعضائها منها ابراهيم اليازجي الذي دعا العرب الى التوحد ضد الاتراك بقصيدته التي يقول في مطلعها:
تنبهوا واستفيقوا ايها العرب فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب
في سنة 1875 تأسست جمعية بيروت السرية التي ضمت نخبة من الشباب المثقف المتفتح من المسيحيين والدروز والمسلمين وفتحت فروعا في دمشق وطرابلس وصيدا وكانت تقوم بتوزيع اعداد من المنشورات التي تهدف الى بعث الشعور العربي القومي في المجتمع ورفض الحكم العثماني وسياسات القمع والكبت والبطش التي كانت قائمة حينذاك وكان سياسيا تنادي بالحكم الذاتي للعرب في سورية وجبل لبنان واقرار اللغة العربية لغة رسمية في البلاد، ورفع القيود عن حرية التعبير وعدم استخدام المجندين العرب في خارج البلاد العربية ونشر التعليم.
لقد ذكر جورج انطونيوس في كتابه يقظة العرب ان هذه الجمعية كانت اول منظمة لبعث الحركة العربية القومية.
وفي حلب نشط عبدالرحمن الكواكبي نشاطا فكريا وسياسيا فكانت مقالاته النقدية لولاة الدولة العثمانية ولاستبداد الخليفة العثماني.
بعد ان كان يكتب في جريدة الفرات الرسمية اصدر صحيفة الشهياء عام 1877 وكانت اول صحيفة تصدر باللغة العربية ولم تتحمل السلطة المنحى النقدي الذي اتخذته الصحيفة الامر الذي ادى الى اصدار الكواكبي لصحيفة اخرى باسم الاعتدال عام 1879 ولم تستمر وتوقفت عن الصدور وكان كتابه طبائع الاستبداد 1899 اهم ما انتجته النهضة العربية من تنظير سياسي ضد الديكتاتورية ومساوئ الاوتوقراطية ثم كتابه ام القرى 1898 وهو كتاب سياسي نادي بالجامعة الاسلامية بقيادة خليفة هاشمي وهو هنا يدعو لاقامة خلافة اسلامية ووحدة اسلامية ويشترط ان يكون الخليفة عربيا هاشميا.
لم تتبلور في بلاد الشام التنظيمات الحزبية كأحزاب سياسية الا في بدايات القرن العشرين فكان حزب اللا مركزية الادارية الذي تأسس سنة 1913 على يد مجموعة من الشباب السوري ال متواجد انذاك في القاهرة بقيادة حقي العظم، وكان حزبا اصلاحيا يطالب باللا مركزية الادارية.
واما الاحزب الاخرى فقد تأسست بعد الحرب العالمية الاولى ابتداء بحزب الاتحاد السوري وحزب الاستقلال السوري الذي انبثق سنة 1919 من جمعية العربية الفتاة وحزب الاستقلال العربي 1919.

بلاد الشام
من الواضح ان الحراك السياسي في بلاد الشام كان حراكا نهضويا اتجه لرفض الحكم العثماني والمناداة بالقومية العربية والمطالبة ببعض الحقوق والحريات.
لا نجد في الحراك السياسي في بلاد الشام في تلك الفترة اتجاها سياسيا ليبراليا، الامر الذي يعني عدم تحقق ارضية خصبة له هناك في تلك الفترة، والاولوية كانت لبعث الفكرة العربية القومية في مواجهة الحكم العثماني القائم على الخلافة وسياسة التتريك القومية ولم تتوفر لبلاد الشام من فرص الانفتاح والتواصل مع الغرب ونهضته الحديثة مثلما توفر في مصر.

جمعية الفتاة
اثر تولي حزب الاتحاد والترقي السلطة في تركيا وانتهاجه لسياسة التتريك وتنامي العنصرية ضد العرب تأسست، وكرد فعل على ذلك، الجمعية العربية للفتاة سنة 1909.
وهي جمعية سياسية انشأها مجموعة من الطلاب العرب في باريس ولعبت دورا سياسيا مهما جدا فقد اهتمت في بلورة اتجاه قومي عربي ومهدت للمؤتمر العربي الذي انعقد سنة 1913 وكانت من عوامل انطلاق الثورة العربية الكبرى سنة 1916.
لقد كان المؤسسون لهذه الجمعية لفيفا من عدة دول عربية منهم توفيق السويدي من العراق، وجميل مردم بك من سورية ومحمد عزة دروزة من فلسطين، ومحمد البعلبكي من لبنان فكانت بهذا المزيج تمثل تنظيما سياسيا قوميا.
وهي وان كانت في البداية تطالب بالحقوق الاجتماعية والقومية للعرب تحت الحكم العثماني لكنها بعد ذلك طالبت بالحكم الذاتي للعرب ثم توجت مطالبها بالمطالبة بالاستقلال التام للبلاد العربية كافة. وفي سنة 1913 اسس مجموعة من الضباط العرب الذين كانوا في الجيش التركي جمعية باسم جمعية العهد بقيادة عزيز المصري وكان تواجد الضباط العراقيين فيها كثيفا مثل نوري السعيد وجميل المدفعي وعلى جودت الايوبي وياسين الهاشمي وطه الهاشمي ومولود مخلص كما كان فيها عدد غير قليل من الضباط السوريين مثل امين الحافظ وسليم الجزائري وضباط فلسطينيون مثل علي النشاشيبي. وكانت هذه الجمعية تطالب بالحقوق العربية والاستقلال الداخلي. لقد كان انعقاد المؤتمر العربي الاول في باريس من 18-23 حزيران 1913 حدثا مهما في الحراك السياسي العربي، وقد تبنى المؤتمر تحليلا سياسيا يقوم على ان الدولة العثمانية هي التي يمكن ان تقف بوجه الغزو العسكري الاوروبي للبلاد العربية، ولذلك لا مصلحة للعرب في اضعافها او التمرد عليها ولكن على الدولة العثمانية ان تقوم بتحويل نظام الحكم الى اللامركزية ليتسنى للعرب تحقيق حقوقهم القومية وشخصيتهم القومية في كيان سياسي يجسد الحكم الذاتي.
كان الحضور متنوعا من الكثير من البلاد العربية كالعراق وسورية ولبنان ومصر وفلسطين وانتهى المؤتمر الى مقررات مهمة منها: مطالبة الدولة العثمانية باجراء اصلاحات عاجلة والمشاركة العربية في الحكم، ومنح الحكم الذاتي للبلاد العربية واعتبار اللغة العربية لغة رسمية وان تكون الخدمة العسكرية للعرب محلية، ودعم المؤتمر مطلب الارمن العثمانيين باللا مركزية الادارية.
الملفت للنظر ان العراق لم يشهد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والى الحرب العالمية الاولى حراكا سياسيا عن حالة وطنية او قومية او اتجاها سياسيا يحذو حذو التوجيهات السياسية التي تبلورت في النهضة الاوروبية.

النخبة العراقية
لقد كان هناك نحو من الحراك السياسي الذي يعبر عن انقسام النخبة العراقية بين مؤيد للاتحاد والترقي واخر مويد للائتلافيين وكان هناك حراك يمثل انعكاس الخلاف الحاد بين "المشروطة والمستبدة" في ايران والذي ادى الى انقسام في العراق بين من يؤيد المشروطة وكان هذا هو حال الغالبية من النخبة العراقية ومن يقف ضد المشروطة وربما كان هذا حال الغالبية من عوام الشيعة. ان النوعين المتقدمين من الحراك لا علاقة لهما بتوجيهات وتطلعات وطنية او قومية للعراقيين وانما حصل الاول بحكم خضوع العراق للحكم العثماني، وتأثير الخلاف بين الاتحاديين والائتلافيين على رجالات الحكم العثماني ومؤسساته في العراق، وحصل الثاني نظرا لان النجف تحولت ذلك الوقت الى ساحة صراع بين انصار المشروطة وخصومها بحكم تدخل مراجع النجف من الايرانيين وتأثيرهم في الوسط الشيعي في العراق.
على الرغم من وجود شخصيات عراقية شاركت في الحراك السياسي العربي كما تقدم الا اننا نفتقد في تلك الفترة وجود تيارات او تنظيمات سياسية عراقية، ولم تشهد الحياة السياسية في العراق مثل ذلك الا بعد الاحتلال البريطاني للعراق ثم قيام الدولة الوطنية العراقية.
ان تأثير النهضة الفكرية الاوروبية في الوسط العراقي في تلك الفترة كان ضعيفا على الرغم من الاصلاحات التي قام بها بعض الولاة العثمانيين كمدحت باشا ونامق باشا الا انها كانت اصلاحا فيما يتصل بالعمران ولم يكن هناك انفتاح على ثقافة النهضة الاوروبية لقد كان المجتمع العراقي بشكل عام محافظا منغلقا، ولذا نجد على سبيل المثال الموقف الشديد من جميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي في دعواتهما التجديدية.
ان حالة الجمود السياسي والثقافي في العراق في تلك الفترة بحاجة الى بحث تحليلي مستقبل لانها بكل تأكيد حالة عارضة وليست متسقة مع طبيعة الانسان العراقي ولذا نجد ان العراق بعد قيام الدولة الوطنية الحديثة تبوأ موقع الريادة بين الدول العربية في النهوض والرقي والتفاعل مع الحضارة الحديثة.
كل ماتقدم كان اطلالة على الحراك السياسي العربي منذ انبثاق النهضة العربية الحديثة والى الحرب العالمية الاولى، وقد تناولنا الحراك في المشرق العربي، ذلك ان الحراك السياسي في المغرب العربي يحتاج الى مقال اخر لكن على العموم حقبة النصف الثاني من القرن التاسع عشر الى الحرب العالمية الاولى مطبوعة في المغرب العربي بطابع الاحتلال الاجنبي في كل من تونس والجزائر وليبيا والمغرب وكان النضال العربي متركزا على مقاومة الاحتلال لنيل الاستقلال، وكان الصراع مع قوى الاحتلال الفرنسي والايطالي والاسباني والتأكيد على الهوية الوطنية والعربية والاسلامية حاجزا امام الانفتاح على فكرة النهضة الاوروبية والتفاعل معه ايجابيا.

مفكر وسياسي عراقي



صورة للتجهيزات العسكرية في بغداد قبيل الحرب العالمية الاولى


جنود أتراك في استعراض عسكري خلال الحرب العالمية الاولى


السلطان العثماني عبدالحميد الثاني

آخر الأخبار