منوعات
الحطيئة... اتّخذ الهجاء وسيلة للانتقام
الاثنين 11 مايو 2020
150
السياسة
الساخرون على مائدة رمضانإعداد – نسرين قاسم: يرى النقاد المحدثون أن الحطيئة هو أول الأدباء الساخرين في الأدب العربي فلم يعثر على السخرية في كتابات قبله أبدا وهو ممن أدرك الجاهلية وأسلم في زمن الصديق وكان كثير الهجاء حتى إنه هجا نفسه وأمه وأباه وأمه. ومما قاله في السخرية من نفسه: "أبتْ شفتايَ اليوم أن تتكلما * بشرٍ فما أدري لمن أنا قائله.. أرى ليَ وجها شوّهَ الله خلقه * فقبحَ من وجهٍ وقبحَ حاملهْ".ومن باب الوقوف عند حديثه وأثره في المجتمع، فقد كانت قبيلة "أنف الناقة" تخجل من اسمها، فذهبوا للحطيئة ليقول فيهم شعرًا مقابل المال، ففعل وبعدها أصبحت مثار فخر باسمها بين العرب، حيث قال: "قوم هم الأنف والأذناب دونهم.. فمن يسوي بأنف الناقة الذنب".اسمه ونسبه اسمه جرول بن مالك بن جرول بن مالك بن جوية بن مخزوم بن مالك بن قطيعة بن عيسى بن مليكة، الشاعر الملقب بـ"الحطيئة".اختُلف القوم في سبب تسمية الحطيئة، فقال البعض إنّه لقّب بذلك لقصر قامته؛ فقد جاء في معجم لسان العرب أنّ الحطيئة هي تصغير حطأة، وهي الضرب بالأرض أو الرجل القصير، وقيل سمي بذلك لدمامته.لسانه بالآلاف كان لسخريته تأثيرها الكبير في المجتمع الإسلامي، حتى أنه حبس أكثر من مرة ولم يرجع عن سخريته وهجائه وقد شكاه الناس إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فأحضره وحبسه، وقد ذاعت عنه القصة الشهيرة مع الزبرقان بن بدر الذي شكاه لعمر لأنه هجاه بقوله: "دع المكارم لا ترحل لبغيتها.. وأقعد فأنت الطاعم الكاسي". فأمر أمير المؤمنين بإحضاره ثم حبسه، ولكن الحطيئة بدهائه ومعرفته بشخصية عمر بن الخطاب ورغم شدته على الحق ولكن قلبه ليّن وشديد البكاء فاسترحمه أن لديه أطفالاً صغارًا لا يجدون من يعيلهم، وطلب منه الصفح فقال فيها: "ماذا تقول الأفراخ بذي مرخٍ.. ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة.. أنت الإمام الذي من بعد صاحبه.. زغب الحواصل لا ماء ولا شجر.. فامنن عليك سلام الله يا عمر.. ألقت إليك مقاليد النهى البشر". وما أن قرأ عمر بن الخطاب هذه الأبيات، حتى أخرجه، وقال له: "والله لولا أن تكون سُنة لقطعت لسانك"، ثم نهاه عن هجاء الناس واشترى منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم، وأخذ منه عهدًا، ففعل الحطيئة طيلة حياة "عمر"، وبعد وفاته عاد إلى طبعه.وسيلة انتقامنشأ الحطيئة في بيئة لم تساعده على تحقيق ذاته واستكمال إنسانيّته، فقد عانى نفسيًا، واجتماعيًا، وإنسانيًا، كما كان قبيح المنظر، وعلى ذلك فكانت هذه العوامل سببًا في جعله ساخطًا على الحياة والنّاس، وقد اتّخذ الهجاء وسيلة للانتقام من كلّ ما يعترض طريقه أو يمنعه من تحقيق مرادهدخل الحطيئة الإسلام مع من دخل، وقد كان إسلامه متقلّبًا ضعيفًا؛ فكان كثيرًا ما يخرجُ عن حدود الدّين والأخلاق، ويتّبعها أحيانًا أخرى، وبعد وفاة الرسول (ص) بفترة وجيزة، ثار الحطيئة على أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، وقال: "أطعنا رسول الله إذا كان حاضرًا.. فيا لهفتي ما بال دين أبي بكر أيورثها بكرًا إذا مـات بعـده.. فتلك وبيت الله قاصمة الظهر". وفي مجال خوف الناس من لسانه قال الحرمي بن أبي العلاء: حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي قال: "قدم الحطيئة المدينة فأرصدت قريشٌ له العطايا خوفاً من شره، فقام في المسجد فصاح: من يحملني على بغلين".