

الخليفة الحكيم وفقه التدرج
قصص إسلامية
كان عمر بن عبد العزيز معروفاً بالحكمة والرفق، وفي يوم من الأيام دخل عليه أحد أبنائه، وقال له: "يا أبت لماذا تتساهل في بعض الأمور، فوالله لو أني مكانك ما خشيت في الحق أحداً"؟
فقال الخليفة: "لا تعجل يا بني، فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين، وحرمها في المرة الثالثة، وأنا أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة فيدفعونه، أي أخاف أن أجبرهم عليه مرة واحدة، فيرفضونه فتكون فتنة".
فانصرف الابن راضياً بعد أن اطمأن الى حسن سياسة أبيه، وعلم أن حكم أبيه ليس عن ضعف، لكنه نتيجة حُسن، فالتروي والأناة من أساس العدل، والرحمة بين الناس.
فإن تحريم الخمر مرَّ بمراحل متعدِّدة؛ مراعاة لأحوال الناس، فقد جاء الإسلام والناس يشرَبون الخمر، والقرآن ينزل أعوامًا متتالية، ولم يأمر بالتحريم؛ إذ لا بد من إعداد النفوس؛ لأن للخمر سلطانًا على العقول، فلا بد أن يكون سلطان الدين أقوى من سلطان الخمر.
ثم كانت مرحلة الإعداد النفسي، ومرحلة التضييق في أمر الخمر، حتى كان الإلزام والتحريم النهائي، فلما قال الله تعالى لهم:" فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ"؟ (المائدة: 91)، قال المسلمون: انتهَيْنا يا رب.
وعن أثر التدرج في قبول التشريعات تُحدِّثنا السيدة عائشة (رضي الله عنها)، فتقول:"إنما نزل أول ما نزل منه - أي: من القرآن الكريم - سورة من المفصَّل فيها ذِكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام، نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندَع الزنا أبدًا".
وقال الأستاذ الدكتورمحمد أبو الفتح البيانوني: "فقد كان منهج القرآن البَدْء بتفصيل أمور العقيدة وتثبيتها، ثم ببيان الأحكام الشرعية شيئًا بعد شيء، حتى نزل قوله تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"(المائدة: 3)، فقد كمل الدين وتمت النعمة، بما نزل من أحكام في القرآن، وبمنهج التدرج الذي نزل به، ولو نزل دفعةً واحدة، لشق الأمر على الناس، وصعب عليهم امتثال أحكامه، وفي هذا درسٌ بليغ للدعاة ؛ ليتدرَّجوا في مناهجهم، ويكونوا عونًا للناس على تطبيقها وامتثالها".
إمام وخطيب
محمد الفوزان