اقتصاديون لـ"السياسة": "بريكس" تكتل سياسي اقتصادي للحدّ من هيمنتها
محمود شندي
يشهد الاقتصاد العالمي العديد من الازمات منذ ظهور"كورونا" في 2020 خصوصا الاقتصاد الامريكي الاكبر في العالم والذي يحارب التضخم الذي تفاقم بالسنوات الاخيرة وهو ما دفع الفيدرالي الاميركى لتبني سياسة التشدد النقدي ورفع الفائدة لمستويات تاريخية وعلى مدار 11 مرة خلال عامي 2022-2023، وادت تلك السياسة لقوة الدولار لارتفاع عوائدة ما ادى الى خسائر فادحة للاسواق الناشئة عقب هروب الاستثمارات منها الا ان الخبراء يرون ان ازمة ديون اميركا قد تدفع الدولار للانخفاض عقب انتهاء دورة التشدد النقدي وتوقف الفيدرالى عن رفع الفائدة بعد تراجع التضخم الامرالذي قد ينعكس سلبا على اقتصادات دول الخليج التى تحتفظ بجزء كبير من احتياطياتها بالدولار، بالاضافة لكون ايراداتها النفطية بالدولار. وقد تواجه دول الخليج والكويت ازمة حال تراجع الدولار لاسيما لان معظم اصول صناديقها السيادية بالدولار، بالاضافة الى استثماراتها الكبيرة في اميركا ،وعلى الرغم من ظهور تجمع "بريكس" الا ان الخبراء يؤكدون ان عملة "البريكس" لن تستطيع ان تحل محل الدولار لتغلل الدولار في التعاملات المالية العالمية الا انها قادرة حال اصدارها على الحصول على حصة من التجارة العالمية.
لا بديل عن الدولار في الاقتصاد العالمي وسط سيطرته على التجارة الدولية واحتياطيات الدول الكويت مطالبة بوضع خطط استثمارية لمواجهة الأزمات العالمية واحتمالية تراجع الدولار الطواري : أي حلول بديلة للدولار تعد نظريات غير واقعية… وأزمات الدولار ستلقي بتداعياتها على العالمرمضان : يجب عدم تغيير سياسات الكويت للتعامل مع الدولار رغم تراجع هيمنته لعدم وجود بديلعصام الطواري محمد رمضان يرى خبراء لـ "السياسة" ان الكويت رغم فك ارتباطها بالدولار بشكل رسمي في 2007 واتباع سياسة سلة العملات الا ان الدولار مازال صاحب الحصة الاكبر بالسلة كما ان صادرات النفط الكويتية بالدولار، ويمثل الدولار 90 % من الصادرات الكويتية الكلية وبالتالي لاغنى عن الدولار، الا ان الكويت مطالبة بايجاد بدائل لاستثماراتها او على الاحرى تنويع سلة استثماراتها لتجنب اى ازمة للدولار وقد تكون عملة البريكس فرصة جديدة، الا انها تحتاج بعض الوقت لاختبار التجربة والتأكد من قدرتها على النجاح. الأصول الكويتية واضاف الخبراء ان الكويت لابد ان تتابع التطورات الاقتصادية العالمية لتستطيع ان تمتلك السرعة والمرونة في تغيير استثماراتها في الوقت المناسب لتجنب أي تهديد أو أزمات في الاقتصاد العالمي. واشار الخبراء الى ان تراجع سعر صرف الدولار بشكل كبير، سيؤثر على ميزان المدفوعات وعجز الميزانية وتضخم الأسعار وقيم الأصول وعوائد الاستثمار للكويت، وستكون البلاد أمام سيناريوهات عدة فإذا انخفض سعر الدولار مقابل الدينار بينما أسعار النفط ثابتة، ستستمر الكويت بالحصول على نفس كمية الدولارات مقابل نفطها ولكنها دولارات ذات قيمة أقل بالعملات الأخرى، والأخطر هو أنها ستحصل على كمية أقل من الدنانير للصرف الداخلي ،الا ان انخفاض سعر صرف الدولار بشكل حاد ستنخفض القيمة الرأسمالية للاستثمارات الكويتية المقوّمة بالدولار. ويظل السؤال الأبرز، هل سيتحقق سيناريو انخفاض الدولار بشكل كبير إلى الحد الذي يشكل هزة قوية في الأسواق أم أن الاقتصاد الأمريكي أقوى ما يتوقع البعض وسيحافظ الدولار على هيمنته العالمية رغم انخفاض قيمته أو ارتفاعها بهوامش بسيطة، لاسيما وأن حصة الدولار في احتياطيات النقد الأجنبي خلال 2022 سجّلت 58.36 في المئة من تلك الاحتياطيات؟
الشركاء التجاريون من جانبه، قال المدير الشريك في شركة "نيوبيري" للاستشارات، عصام الطواري، إن ربط بنك الكويت المركزي للدينار بسلة عملات مرتبط بالشركاء التجارين وأهمهم الصين واليابان والامارات والسعودية وأميركا، ولكن تبقى أغلب صادرتنا مقومة بالدولار، لذا فاعتمادنا الاساسي في سلة العملات على الدولار، مبيناً أن "المركزي" لا يعلن نسبة الدولار في سلة العملات إلا أن بعد التقارير تحدثت عن تراوحها ما بين 65 إلى 75 في المئة. وأشار الطواري إلى المركزي قام برفع سعر الخصم أكثر من مرة لمواكبة المتغيرات التي يقوم بها الفيدرالي الأمريكي، وذلك في إطار سعيه لاستقرار السياسة النقدية بالكويت، فضلا عن الحفاظ على السيولة داخل البلاد وعدم هروبها للخارج، وللحفاظ على مستوى الفروقات بين الدولار والدينار، وحتى لا يضطر المستثمر لتحويل أمواله إلى الدولار في حال زيادة هذه الفروقات. وأكد الطواري على أن عدم استعجال "المركزي" برفع الفائدة بنفس مستوى رفع "الفيدرالي" سببه استقرار الأوضاع الاقتصادية بالكويت وعدم وجود ضغوط تضخمية، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الضغوط الحالية كلها "مستوردة" من الخارج، خاصة ان الكويت مستوردة للعديد من السلع، وبالتالي فإنها مضطرة لاستيراد تلك السلع بتكلفتها المرتفعة، ما يؤكد أن التضخم الحالي مستورد وليس محليا. وحول امكانية حدوث أزمة ديون سيادية في أميركا وتأثيرها على الاقتصاد الكويتي قال الطوارى إنه إذا حدثت مثل هذه الأزمة فستكون تداعياتها على العالم ككل، وذلك لأن أغلب احتياطات الدول بالدولار، وليست الكويت فقط، لذا إذا حدثت الأزمة فالعالم كله سيعاني منها.
أزمة الديون وأضاف أن أزمة الديون الحالية ليست في أميركا فقط ولكنها شملت العديد من الاقتصادايات، موضحاً أن أزمة الديون في بريطانيا أعلى من مثيلتها في أميركا ولكن الحديث لا يتم إلا عن الأزمة الأميركية، مشيراً إلى أن البيانات الأمريكية الأخيرة تدعو إلى التفاؤل مع انخفاض البطالة وتراجع التضخم وارتفاع نسبة مبيعات العقار. وأفاد الطواري بأن أي حلول تتكلم عن بديل للدولار هي نظريات غير واقعية (في الوقت الحالي)، لكنها من الممكن أن تتغير تبعاً للظروف الاقتصادية والسياسية في العالم، موضحاً أن تجمع "بريكس" هو تكتل سياسي اقتصادي للحد من الهيمنة الأمريكية على العالم ولكنه أقرب إلى ورقة تفاوض أكثر من أن يكون تجمع اقتصادي حقيقي بعملة موحدة. وبين أن الاتحاد الأوروبي لديه بعد جغرافياً مشترك وهناك أقطاب اقتصادية كبيرة تهيمن عليه مثل ألمانيا وفرنسا، بالإضافة لبريطانيا سابقاً، لذلك فهو متماسك وذو أهداف واضحة وقابلة للتحقق، مشيراً إلى أن دول الخليج أيضا قادرة على الوصول إلى الاتحاد الخليجي وذلك للتقارب الجغرافي، موضحاً أن نسب نجاح تكتل "بيركس" منخفضة، لعدم وجود حدود جغرافية مشتركة، إضافة لعدم واقعية استخدام عملات الدول فيما بينها، مع احتياج هذه الدول للدولار المهيمن على التجارة العالمية.
هيمنة الدولار من جانبه، قال الخبير الاقتصادي محمد رمضان إن هيمنة الدولار لا تشمل الاقتصاد الكويتي فقط ولكنها هيمنة على كل الاقتصادات العالمي، مشيراً إلى أنه قبل إطلاق اليورو سنة 1999 كانت هيمنة الدولار تفوق نسبة الـ70 في المئة من الاحتياطيات النقدية حول العالم، بينما انخفضت هذه النسبة حالياً إلى أقل من 59 في المئة. ولفت إلى أنه مع إعلان دول مجموعة البريكس BRICS، التي تضم كلاً من البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا، عن نيتها تقليل اعتمادها على الدولار، أصبحت هناك العديد من المخاوف حول مستقبل الدولار كالعملة الرئيسية في العالم للتداولات والاحتياطيات النقدية. وحول تأثير الدولار على دول المنطقة المصدرة للنفط، لاسيما الكويت أوضح رمضان أن دول الخليج تعتمد بشكل كبير على الدولار في تصدير النفط وفي الاحتياطيات النقدية وفي الاستثمارات الخارجية، مبيناً أنه على الرغم من استمرار تراجع هيمنة الدولار، إلا أنه لا يفترض أن يكون هناك أي تغيير في سياسات الكويت للتعامل مع الدولار، وذلك لأنه لا يوجد بديل آخر للدولار حالياً، فلا اليورو ولا اليوان الصيني ولا غيرهما من العملات يمكن أن يحتل مكانة الدولار.