الثلاثاء 01 أكتوبر 2024
32°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الافتتاحية

الدولة الأموية سقطت بتقريب العدو وإبعاد الصديق

Time
الأحد 11 يونيو 2023
View
7
السياسة
حين يتعمَّدُ الحكامُ مواربة الأمور، وتركها لغير أهلها الحكماء، تسقط الدولُ، وتُصبح عبراً، من يعقلها يُمكنه تغييرُ مصير أمته، ومن يتجاهلها يُحكم عليها بالخراب.
هذا ما يُمكن استقاؤه من التاريخ، خصوصاً الدولة الأموية، التي لعبت بها الأهواء الشخصية للحكام، وولاة الأقاليم، بعدما تحوَّلت ملكاً عضوضاً، وساد فيها الظلم والجور، ولكي يحافظ الخلفاء على ملكهم اتجهوا إلى العتو والقهر، فأولوا أمرهم إلى الصغار، لهذا قال أبوجعفر المنصور عن أسباب سقوط دولتهم: "أمور كبيرة أوليناها للصغار، وأمور صغيرة أوليناها للكبار، وأبعدنا الصديق ثقة بصداقته، وقربنا العدو اتقاءً لعداوته، فلم يتحول العدو صديقاً، وتحول الصديق عدواً".
يومذاك كانت القلاقل الأمنية والسياسية تعمُّ أرجاء الدولة الإسلامية، وخرج بعض الولاة على الخليفة، وبدأت تشتعل فيها الثورات، فخلال 80 عاماً شهدت نحو خمس منها، ولم تستقر أوضاعُها إلا مع الخليفة عمر بن العزيز، الذي استطاع في غضون عامين وبضعة أشهر أن يعيد للدولة قوتها، ويفرض العدل على الناس.
هذا الوضع تغيَّر بعد موته بمؤامرة من بعض بني أمية الذين ساءهم وقف الامتيازات عنهم، ومساواتهم بالمواطنين الآخرين، وضعف الخلفاء من بعده، ومحاولاتهم استقطاب الأعداء، خصوصاً الذين كانوا يطمعون بالحكم، حتى جاء الخليفة الأخير مروان الثاني المُلقب بالحمار.
في عهده اشتدت دعوات الأحزاب والجماعات، والأموال الطائلة التي بذلها رؤساؤها، وقد انتشر رجالها في أنحاء البلاد ينالون من بني أمية، فيما في المقابل لم يتعاضد الأمويون في مواجهة الأزمة الصعبة والمخيفة، بل راحوا يثيرون روح العصبيات، ويتحالفون مرة مع هذا، ومرات مع أولئك، وهو ما سهَّل عليهم المكائد، فعصفت بهم ريح الفوضى.
يومها كان أمير خرسان نصر بن سيار، الوحيد الذي استشفَّ مستقبل الدولة، قد حذر من المصير المحتوم، لذلك بعث رسالة إلى مروان بن محمد، كتب فيها بعض أبيات من الشعر كي يستدرك الحاكم الأمر، فكتب:
"أرى خلل الرَّماد وميض نار
ويوشك أن يكون لها ضرامُ
فإنَّ النار بالعودين تُذكى
وإنَّ الحرب أولها كلامُ
فإن لم يُطفها عقلاءُ قوم
يكون وقودَها جثثٌ وهامُ".
في الواقع ينطبقُ هذا الدرسُ المؤلم، اليوم، على دول عدة، التي وضع حكامُها من ليس مؤهلاً في موضع القرار، ومنحوا المستشارين والمُتمصلحين والمُرتشين السلطة، فعبث أولئك بأمور الدولة، ووزَّعوا المؤسسات والمناصب على الطوائف والقبائل والعائلات، وقربوا العدو، وأبعدوا الصديق، فيما هم تفرَّغوا للهو وجمع الأموال، ولم يعملوا على بناء دولهم، وإقامة علاقة طيبة مع شعوبهم، ولا سعوا إلى حل مشكلات الناس.
مصائر الدول تتشابه؛ لأنَّ الأصل فيها الحكم الرشيد القادر على إدراك ما قاله نصر بن سيار: "وإن الحرب أولها كلام"، وما أكثر وميض النار تحت الرماد، وهذا لا يوقفه إلا العمل الحازم، والقرار الحاسم، فإما يكون حكم أي دولة كما في سيرة عمر بن عبدالعزيز، وإما لا يستدرك النهاية كما في سيرة مروان الحمار، وحينها على الدول السلام، وليس المرء بحاجة إلى أمثلة من التاريخ، فالواقع العربي يزدحم بالنماذج الحاضرة اليوم.

أحمد الجارالله
آخر الأخبار