السبت 26 أبريل 2025
32°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة   /   كل الآراء

الديكتاتور العادل

Time
الأحد 09 أبريل 2023
View
70
السياسة
أحمد الدواس

الحكم الديكتاتوري مرفوض تماماً، إلا أنه موجود في بعض الدول على أي حال، وقد نفع بلاده كثيرا فقد تغيرت للأفضل.
سنختصر الحديث بشدة، ونقول: ان الديكتاتور العادل يفرض بالقوة مجموعة من القيم والمبادئ التي تسهم في بناء الدولة.
أي يجمع بين الديكتاتورية في الحكم والعدالة مع الشعب، وبناء البلد، وعلى المواطنين أن يتنازلوا عن جزء من حرياتهم لصالح حاكم مستبد، لضبط الفوضى وبناء الدولة، كما حصل في سنغافورة، فعندما أصبح لي كوان يو رئيساً للوزراء (1959) كان البلد أخطر مكان في العالم، وتسوده الفوضى والفساد، ومعاش المواطن نحو 320 دولارا سنوياً (أي نحو 97 دينارا)، ويعاني نصف الشعب من الأمية والبطالة.
لم يعتمد السيد لي سياسات شعبوية لكسب ود الناس الآني على حساب مستقبلهم، بل فرض قوانين صارمة تتضمن عقوبات قاسية حتى على المخالفات البسيطة، وأصبحت عقوبة المخدرات أو الفساد هي الإعدام، وفي النهاية كانت النتيجة هي:
أصبح الدخل الفردي 60 ألف دولار سنويا، وانخفض معدل البطالة، وارتفع الناتج المحلي الإجمالي للدولة الى 300 مليار دولار سنوياً، كما ارتفع متوسط الأعمار إلى 83 سنة، أما مستويات الفساد والجريمة فهي الأقل على مستوى العالم، وعندما حقق الكثير لشعبه قدّم استقالته طوعاً، وترك الحكم عام 1990.
وهناك ديكتاتور عادل آخر قيد الحريات العامة، لكنه استثمر موارد البلد من أجل الشعب، كما فعل مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا (1981) الذي نجح في نقل ماليزيا من دولة زراعية فقيرة إلى دولة صناعية متقدمة، فزاد دخل الفرد السنوي من ألف دولار إلى 16 ألف دولار سنوياً، وارتفع حجم الصادرات، وأصبح ربع الموازنة السنوية للتعليم، وانخفض عدد الفقراء، وفي عام 2003 قرر بإرادته ترك الحكم.
ومثال ثالث هو بارك تشونغ هي، الذي استولى على السلطة في كوريا الجنوبية عبر انقلاب (1961) لكنه فعل التالي: زاد معدل الدخل الفردي من 82 دولارا إلى 27 ألف سنوياً، خصص للتعليم ربع الميزانية السنوية، فارتفع حجم الصادرات، وكذلك معدل الأعمار. والمثال الرابع هو بول كاغامي في رواندا، الذي تسلم بلداً مدمراً بفعل الحرب الأهلية (1994) لكنه أعاده للحياة، حيث تضاعف نصيب دخل الفرد 30 مرة، وتراجع معدل الفقر، وانخفضت نسبة الأمية، واستبدل المناهج الورقية بمنصات إلكترونية، وكان في البلد كله جامعة واحدة فقط فأصبحت 29 جامعة، وانخفض معدل الفساد في الدولة، فيما صنفت الأمم المتحدة العاصمة كيغالي بأنها من أكثر المدن جمالاً في العالم.
يوجد الكثير من الأمثلة على الديكتاتور العادل، مثل دنغ شياو بنغ في الصين، لكن من يثير الإعجاب أيضا كرئيس مستبد عادل، مخلص لوطنه، رئيس تنزانيا جون ماغوفولي، ففي إبريل 2019 أقال مسؤولين بارزين، من بينهم رئيس هيئة مكافحة الفساد، وقلص عدد الوزراء من 30 وزيرا في الحكومة الى 19، وطرد عشرة آلاف موظف بتهمة التزوير، وفرض على جميع الوزراء الكشف عن أرصدتهم وممتلكاتهم، وهدد بإقالة أي واحد لا يكشف عن حسابه.
وفي زيارة مفاجئة لمستشفى الدولة الرئيسي، وجد المرضى يفترشون الأرض، والأجهزة الطبية معطلة، فعزل جميع المسؤولين في المستشفى، وأعطى مهلة أسبوعين للإدارة الجديدة، فأصلحت كل شيء خلال ثلاثة أيام فقط.
أرسل ماغـوفولي رئيس وزرائه لتفتيش مفاجئ لميناء دار السلام، واكتشف وجود اختلاسات في العائدات، فأمر باعتقال رئيس الديوان في تنزانيا مع خمسة من كبار مساعديه، وباع جميع السيارات الحكومية الفارهة في مزاد علني، وعوض المسؤولين بسيارات "تويوتا" متواضعة الحجم.
وهكذا، فالحكم الحازم العادل يحفظ البلد، ومستقبل الشعب من الأخطار المحتملة، بلدنا يعاني مشكلات داخلية كثيرة، رغم انه صغير يمكن إدارته بسهولة بسواعد الرجال، ذوي الضمائر المخلصة... فهل وصلت الرسالة؟

سفير كويتي سابق

[email protected]
آخر الأخبار