القاهرة - رشا ماهر: حينما يمرض البعض أو يصيبهم مسا من الجن، يلجأون لبعض الطقوس الغريبة، منها ما هو موروث عن الاجداد، ويعد " الزار " أحد هذه الطقوس، يتم خلاله تحضير الجان على الحالة المصابة وصرفه. يقوم بهذه الطقوس مجموعة عمل متكاملة، تترأسها "الكودية"، المسؤولة عن قيادة الزار، "الفرقة" التي تعزف وتغني، " المعزومين" الأشخاص الذين تتم دعوتهم، تشجيعا للحالة واستبراكا بما يدور في حلقة " الزار "، الأضاحي التي تذبح.للتعرف على أسرار هذه الحلقة الغريبة، صاحبت "السياسة"، احدى المريضات ورصدت كل ما يدور داخل حلقة " الزار " في هذا التقرير.تقول السيدة " ل.م "، أعاني شللا نصفيا منذ أكثر من ثلاث سنوات، ذهبت لأكثر من طبيب بحثا عن علاج دون فائدة، لم أعد أستطيع القيام بمهامي المنزلية وخدمة أبنائي، انهارت نفسيتي تدريجيا، بدأت أشعر أنني عالة على الجميع، كنت أقضي الليالي لا يقرب النوم من عيناي، لا أدري سببا لذلك. فقدت الأمل نهائيا في الشفاء، خاصة بعد ظهور آلام في ساقاي وأسفل ظهري، حتى أخبرتني جارتي عن صديقتها التي عالجها "الزار"، فطلبت منها الذهاب للعلاج به، اتفقت مع الحاج "م. م"، الذي أتي لي بصحبة امرأة ينادونها "الكودية"، ومعها عدد من النساء يحملن بعض الآلات الموسيقية.بدأت الكودية، منذ المساء وحتى صباح اليوم التالي، تؤدي طقوسها بمصاحبة باقي السيدات، خلال ذلك بدأت اشعر بالحركة في ساقاي وتمكنت من السير على قدماي من جديد. ورغم أنها كانت تجربة مرهقة وصعبة جدا، الا أنني صبرت على الطقوس رغم ما بها من ذبح وحركات متعبة، لكن بالنهاية يكفي أن الله تعالى من على بالشفاء، رغم تخوفي في البداية من ارتكاب أمر حرام الا أن أحد الشيوخ أكد لي أنه حلال، فتوكلت على الله، واستعنت به وحده كما طلب مني الشيخ.طقوسيقول "م.م"، مسؤول الزار: لهذا النوع من العلاج، أنواع عديدة، أكثرها انتشارا الذي يقام في المنازل للمرضى بسبب الجن، يليه الزار الذي يعقده شيخ طريقة كل عام، أما طقوسه فأولها وأهمها ذبح الذبائح، تبعا لكل نوع من الجن، فكل نوع له طقس معين في الذبح، أما " المعزومين" من النساء فيكن من كافة الطبقات الاجتماعية، بينما تؤدي الفرقة الأناشيد والأغاني الخالية من الطلاسم نهائيا. ويشتمل الزار على "دقتين"، دقة النهار، الخاصة بالنساء، دقة الليل الخاصة بالرجال، دقة النهار تبدأ قبيل صلاة الظهر، عندما تكتمل الحلقة تدخل الكودية بالبخور، يتم " تنقيطها " ببعض المال، أيا كانت فئته، حسب مقدرة القائم بالزار، لا يسمح لأحد من المعزمين بالدخول إلى جلسة الزار الا اذا نقط فوق البخور، تبدأ الفرقة بالانشاد، عندها يظهر الجن على جميع المصابين حتى وان كن من "المعزومين". أما دقة الليل فتكون بعد العشاء اذ تذبح فيها الذبائح، لا ينصب الكرسي سوى في دقة الليل، يظل الدق مستمرا حتى الواحدة فجرا، اذ تبدا مهمة الشيخ، مسؤول الزار، في تحضير الجن العلوي المؤمن المساعد، اذ يدخل إلى داخل الجسد ويسري منه مسري الدم ثم يفك عقدة الجن الذي يسبب الشلل للجسم، من خلال المخ، عن طريق القبض عليه، تقييده، من ثم اخراجه من الجسد. لافتا إلى أنه لا يسمح لأي جن كافر، كتابي، عاصي، حضور الحلقة، لأن من يقدم منهم على الدخول، يحرقه الجن المؤمن على الفور، ولا تقتصر حلقة الزار على صغار الجان، ففي بعض الأحيان تضم الحلقة بعض من أمراء وملوك الجن المؤمن، مشايخ روحانيين، وغيرهم من الجن الذين ارتقوا بعلمهم الديني إلى مرحلة عالية من النورانية، يستطيعون معها العلاج والمساعدة في أعمال الخير .يتابع: يبدأ الطقس بنصب كرسي وحوله الشموع الطويلة التي تشبه شموع حفلات السبوع، حلوي " الملبس "، عملات معدنية، تستمر الحالة المرضىة في الرقص لساعات حتى تسقط أرضا بعد أن تخور قواها، بذلك يكون الجن قد خرج من جسدها، يتم الذبح حسب نوع الجن فمنهم ما يناسبه الجمال، البعض خراف، البعض طيور، البعض الأبقار، توضع الذبيحة على الكرسي حيث تحضر جميع طوائف الجن لتحوم حول المكان، ثم تبدأ الفرقة في العزف على الطبلة، الطنبورة، الدهلة، الدفوف، الناي، الأرغول، مع غناء أناشيد معينة، مثل، سيدي عبد السلام الأسمر، اللورا باشا، الركوشا، الصعيدي، يتخلل كل هذا مديح للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، استبراكا به. بعد ذلك يتم جمع الذبائح التي ذبحت باسم الله ويدعوا الجميع الله قائلين، " اللهم تقبل منا الذبائح محررة لك أنت"، حيث لا تكون الذبائح محررة سوى لله فهو المنجي بأمره، تحريرها لغير الله يعد شركا كبيرا، لأن بعض الجهلة يقيمون الذبائح للجن، ثم تأتي آخر مرحلة بنوم الحالة إلى جوار الكرسي بعد دقة الليل وحتى صباح اليوم التالي، في الصباح يفك الكرسي تدهن الحالة بالدم فيما يسمى "رضوي الجان"، بمعنى ارضائهم.جنس جماعيتقول "أم ياسمين" كودية الزار: أحمل الاختصاص أنا وأخرى داخل حلقة الزار، أعتبر أنا المسؤولة عن دقة النهار، يشترط وجود امرأة أخرى اختصاصها " الوساطة" بين الحالة والجني الملتبس بها، وبين الجن النوراني المعالج، رغم صعوبة ما أقوم به الا أنني أتربح من هذه المهنة، اذ أقتسم معهم جزء من الذبائح، وأحصل على بعض المال الذي يقدم كنقوط على البخور. كما يوجد بعض المعزومين من الأثرياء الذين يتسابقون في النقوط بمبالغ كبيرة ظنا منهم أن تلك الأموال، تمثل قرابين لـ "الأسياد"، فيطلبون منهم بتلك القرابين الحماية منهم ومن ضررهم، أما ما يتردد عن أن حلقات الزار "حفلات جنس جماعي"، يستقطب فيها مسؤول الزار النساء ليتم معاشرتهن من جانب الرجال في دقة الليل، فهذا غير صحيح ولا يتم أبدا.الزار والجنيقول الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي ورئيس لجنة الصحة النفسية بالمجلس المصري لحقوق الانسان: يعد الزار عملية تفريغ نفسي، جميع المدارس الطبية لا ترفضه على الاطلاق، تعتبره تنفيسا عن الروح، اخراج للطاقة السلبية من الجسم، كل ما هو مكبوت داخل الفرد وعقله الباطن. لكن اذا أخذنا بقولهم أنه تحضير للجن، فكل مصادر الطب النفسي تنفي وجود الجان، يفسر على أنه اضطراب نفسي، يكون الشخص في هذه الحالة لديه شعور أن قوة غامضة أو غريبة مسيطرة على مداركه ومشاعره، يطلق عليه عند العرب جن، عند الغرب أشباح، تختلف المسميات باختلاف الموروثات الثقافية.يتابع: أعتقد أن تجربة الزار مشابهة في علم النفس لما يسمى بالكراينج، الشاوتنج رووم، غرفة البكاء، التي يدخل فيها المريض يبكي ويصرخ بعض الوقت حتى يشعر أنه أخرج كل الطاقة السلبية الموجودة داخله. تشبه أيضا الرقص على الموسيقى الميتاليك ذات الصوت العالي، اذ يرقص الولد أو البنت على أنغامها فتخرج الطاقة السلبية عن طريق الرقص، لذا فان كل هذه الفصائل تتبع ميكانيزما واحدة، أما الذبائح فتعتبر أحد الصور الخرافية التي يضفيها "الدجال" على الزار ليأخذ طابع الحقيقة.موروث ثقافيتقول الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم الاجتماع، جامعة القاهرة، أن الزار يعد ممارسة أصيله في ثقافات عديدة، أهمها ثقافات بلاد جنوب افريقيا مع الفارق لميولهم الدينية ومعتقداتهم، الا أن الطقوس تتشابه، ففي جميع الثقافات تذبح الذبائح وتقام الرقصات، كل دولة تجتذب وتقتبس من الموروث الأقرب لها، ففي مصر يقتبسون من الزار السوداني، في بلاد الخليج من الزار في جنوب شرق آسيا، أما في المجتمعات الغربية فيمارسونه عبر حلقات الرقص الصاخب لطرد ما يسمى بالأشباح.و اتجاه البعض إلى حلول علاجية كالزار سببه قلة تعليمهم وثقافتهم التي يؤدي إلى افتقادهم للحلول السليمة وأسلوب التفكير السليم، فيجد نفسه يتجه لحلول ناتجة عن موروثات ثقافية وتراثية قديمة بدون ادراك للأساليب العلمية، كما أن أغلب رواد الزار دائما ما يكونون من الطبقات الفقيرة، حتى رواده من الأغنياء يكونون من الذين جنوا أموالهم عن طريق المخدرات أو أي سبيل غير مشروع. وعلى الجانب الآخر فالمناخ الثقافي الذي يعيشه كودي الزار ومشايخه يدفعهم للسيطرة على عقول رواد حلقاتهم، أما الزار بحد ذاته كمضمون منفصل، فهو موروث ثقافي مشابه لموروثات أخرى، مثل، ما يسمى برقصة الزومبا وغيرها من الحركات شديدة الوطأة، التي تعتبر تنفيسا عن المشاعر السلبية، تعتبر في حد ذاتها علاجا لبعض الحالات.حرام شرعايؤكد الدكتور رمضان محمد، عضو مجلس العلماء بالاتحاد العربي الأفريقي، إلى أنه لا يجوز قصد أحد مسخري الجن طلبا لعلاج الأمراض الروحية والجسدية أو لقضاء أي من المصالح. لافتا إلى أنه يجب على كل من يشعر بمرض عضوي أن يذهب للأطباء من الانس طلبا للعلاج، اذ أنه قد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه قال، " من أتي عرافا وسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة"، وفي حديث آخر، " من أتي كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد".ومسؤول عن الزار أو من يسخر الجن، يعتبر من الكهنة والدجالين، يحرم على أي مسلم التعامل معه وتصديقه، يجب تحديدا أن يغلق المسلم على نفسه هذا الطريق من باب سد الذرائع، لما ينتج عنه من مفاسد. كذلك يجب على المؤمن العاقل أن يعلم أن الجن في الغالب. لا يقدم خدمة للانسان الا اذا أشرك بالله عز وجل، لافتا إلى أنه يمكن أن يحضر الجن بالفعل في تلك الجلسات ويؤذي الحاضرين. وأن في مثل هذه الحلقات تقع أمور محرمة، مثل، اختلاط بين النساء والرجال، كما ترقص النساء أمام الرجال بدعوى اخراج الجن، الذبح حتى وان تم التسمية عليه وذبحه بادعاء أنه هبه لله، فهو في حقيقة الأمر هبه لارضاء الشيطان، ما يعتبر شركا بالله وأحد الكبائر، التي يجب أن يبتعد عنها الانسان المؤمن، أما النقوط فهذا تسول واجبار للحاضرين على دفع المال ارضاء لل"الأسياد" كما يدعون.

أوهام