الجمعة 04 يوليو 2025
43°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

"الزامر" عنصر أساسي في الحفلات الأندلسية

Time
الأحد 12 مايو 2019
View
5
السياسة
إعداد - محمود خليل:


يقول الفقيه المحدث أبوالعباس القرطبي الأندلسي في كتابه "شارح مختصر صحيح البخاري ومسلم"، عن أسباب سقوط الأندلس في يد الصليبيين" إنما كان ذلك لشيوع الفواحش منهم بالإجماع؛ من شبانهم بالفعل وشيوخهم بالإقرار، فسلط الله عليهم عدوهم إلى أن أزالهم بالكلية".
هذا هو ما حدث في الأندلس بالفعل حين ما بدأ المسلمون دخولها، كانت بداية دخول المسلمين إليها هي الأسباب نفسها التي أدت إلى خروجهم منها، ليصدق قول الله تعالى في الخلق من الدول والإنسان "كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ"(صدق الله العظيم).
إن الانحلال والتفكك السياسي في الأندلس، بعد الخلافة الأموية بقرطبة، أنشأت ممالك طوائف متعددة، يستقل فيها الحكام بما كانوا يحكمون، تتنافس بينها، فأتاحت الفرصة للصليبيين للإغارة على تلك الممالك واحدة تلو أخرى حتى تم طرد المسلمين من بلادهم.
هذه الدراسة ليست تأريخا لوجود المسلمين في الأندلس، أي أنها ليست دراسة سياسية تهتم بكيفية الفتح، انتصارات المسلمين، سيرة وسياسة الحكام والملوك، لكنها إطلالة على المخفي أو ما لا يعلمه كثيرون عن حياة المجتمع الإسلامي في الأندلس، إنها دراسة عن الإنسان الأندلسي المسلم.


نقل زرياب كل ما سبق له معرفته من آلات موسيقية في بلاد المشرق إلى الأندلس، تفنن عليها، ابتكر فيها، ليجتمع في الأندلس ثروة كبيرةً جداً من الآلات الموسيقية لم تجتمع في أي بلد قبله، أصبح بذلك حلقة الوصل التي نقلت الفنون الموسيقية وآلاتها من الشرق إلى الغرب.
يقول "العلمي" عن تطويره للموسيقى، "ما قدر أحد في الأمم السابقة أن ينشئ في الملاهي أرفع مقامًا من العود، وكل ما سواه فهو قاصرًا عن لحاقه، والحاذق فيه يقدم على الحاذق فى غيره".
يقول "اليفراني" عما طوره في العود "اخترع وترًا خامسًا أحمر وأضافه إلى الوتر الأوسط الدموي، ووضعه تحت المثلث وفوق المثنى، فكمّل في عوده قوى الطبائع الأربع، وأقام الخامس المزيد مقام النفس في الجسد".
احتل العود منذ عهد زرياب المكانة التي يستحقها بعدما كان دوره محصورًا في المصاحبة الباردة لأصوات المنشدين ثم انتقل هذا التقليد إلى المغرب فيما بعد، وأصبح من تقاليد الأجواق الأندلسية حتى اليوم.
بعد أن لاقى قبولاً وموضعاً في قلوب الناس، صارت له مكانته المرموقة، قيمته الاجتماعية العالية، دوره الفعال في المجتمع الأندلسي، فأسس مدرسة للغناء والموسيقى، تعدّ أول مدرسةٍ أُسست لتعليم علوم الموسيقى، فنون الغناء، قواعد اللحن والإيقاع، أصبحت في مدة قصيرة قبلة لعشاق الفن والموسيقى، ليس من العالم الإسلامي فقط، إنما من مختلف بقاع العالم الأخرى.
اتبع في مدرسته فلسفة تعليمية خاصة به تقوم على أسس علمية في الصوتيات والموسيقى، كانت تبدأ بإجراء اختبار لأصوات المقبلين على المدرسة قبل البدء بتعليمهم، بذلك يعد أول من وضع أسس وقواعد فحص المبتدئين الراغبين في التعلم، التي يتم اتباعها حتى يومنا هذا، في مختلف المعاهد والمراكز الفنية.
يعتبر كذلك أول من وضع قواعد علم "الصول فيج"، أو تربية الصوت، السمع والقراءة الموسيقية أول من افتتح الغناء بالنشيد قبل البدء بالنقر والعزف، كما كان يتمتع بقدرة هائلة على حفظ الألحان والأغاني، يقال إنه كان حافظاً لعشرة آلاف مقطوعة بغنائها وألحانها.
لعب زرياب دورا مؤثرا وقويا في تطور الحياة الاجتماعية والفنية في قرطبة، عاصمة الأندلس حيئذ، إذ يعتبر حسب ابن خلدون، "هو من أسس صناعة الغناء في الأندلس"، من أهم جسور التواصل بين الحضارة العباسية والأندلسية، فأدخل فن تقديم الطعام، قسم الملابس على فصول السنة الأربعة طور الألحان الأندلسية اخترع التخت والكورس الغنائي كمساعد للمغني أضاف وترا خامسا للعود استخدم مضرب العود من قوادم النسر بدلاً من الخشب.
ساهم ظهور الأزجال الموشحات، الأشعار الأندلسية، فى تطور الغناء والموسيقي في الأندلس، كما ساهم الكتاب والمؤلفون الموسيقيون في تطوره، مثل عباس بن فرناس، الذي فك في رسائله رموز كتاب "العروض" للخليل بن أحمد، الذي يعتبر الأب الروحي للمقامات الموسيقية، كما ألف يحيي الخدج المرسي كتاب "الأغاني الأندلسية".
بدأ الغناء في الأندلس ترفا في قصور الأثرياء، الأمراء، الملوك، ثم أدى النمو الاقتصادي والرخاء إلى انتشاره بين جميع طبقات المجتمع الأندلسى، فزخرت الطقوس والتقاليد الشعبية في الحواضر الأندلسية بالعديد من أنواع الغناء والموسيقى، حتى لا يكاد يوجد بيت من بيوت الأندلس لا تقام فيه سهرات السمر، لا يتوفر على آلة موسيقية، عازف، شاعر.
كان بداية الغناء في الأندلس، نسخةً طبق الأصل لما كان يغنيه فنانو دمشق، بغداد، المدينة المنورة، مكة، إذ كان من بين الفنانين والفنانات من يذهب لأداء مناسك الحج حاملا معه آلاته الموسيقية، مصطحبا جوقته، مثلما فعلت الفنانة "جميلة" في العهد الأموي من دون أن يرى الناس في ذلك عيبا.
شهدت الموسيقى والغناء في الأندلس، في مراحل لاحقة، تفاعلا وتلاقحا تمخض عنه الغناء بهوية أندلسية بحتة، نتيجة الخبرات الموسيقية العربية الحجازية، الشامية، البغدادية، البربرية، الزنجية، الإسبانية المسيحية الكنسية، الجريجورية، الصقْلبية، التي كانت تحمل المؤثرات البلقانية والجورجية.
كما تأثرت المدرسة الأندلسية في الموسيقى والغناء بالمدرسة الفارسية عبْر المدرسة الموسيقية التي أسسها الفنان "مؤنس البغدادي" في القيروان برعاية عبيد الله الفاطمي الشيعي.
توافرت لهذا التنوع الثقافي الموسيقي الظروف المادية الملائمة بفضل الاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي الذي شَكل تدريجيا "التقاسيم"، أو ما سيعرف بعد ذلك بالطرب الأندلسي الذي ما زالت أصداؤه تتردد في مجتمعات شمال إفريقيا، من موريتانيا إلى ليبيا.
نشأت نتيجة هذا التطور شخصية "الزامر"، الذى كان عنصرا أساسياً في كل الحفلات والأعراس الأندلسية، ما يدل علي تأثر الأندلسيين بالموسيقى، بعدما أجاز فقهاء مثل ابن حزم، صاحب كتاب "طوق الحمامة"، في رسالته "الغناء الملهي ومن هو مباح او محظور"، إذ أفرد فصلا للغناء والموسيقى.
واتهمه بعض الفقهاء، ممن كانوا يتشددون في أمر الموسيقي والغناء، مثل "ابن حيان"، بالتساهل في مسائل الغناء.
امتد التأثير الموسيقي الأندلسي إلي الممالك المسيحية في الشمال، مثل جيليقية وبرشلونة وغيرها، حتى في العصور المتأخرة من الوجود الإسلامي في الأندلس واشتداد الحروب بين المسلمين والمسيحيين، كان فن الفلامنكو وغيرها من الفنون الأسبانية الحالية، تطورا للموسيقى والغناء الأندلسي الإسلامي.
قدمت الأندلس أشهر المطربين والملحنين غيروا مجرى تاريخ الموسيقى في العالم بأسره، من بينهم أبو الحسن علي بن نافع الشهير بـ "زرياب"، ابن باجة، أمية عبد العزيز بن أبي الصلت الأندلسي، أَسْلَم بن عبد العزيز زوج حمدونة بنت زرياب، يحيى الخدج المرسي، أبو عامر بن الحَمَّارة الغرناطي، ابن جودي، أبو الحسن بن الحاسب المُرْسِي، أبو بكر الرّقوطي.
كما اشتهر من الفنانات، غزلان، هنيدة، فلّة، مُتعة، قَمَر البغدادية، قَلَم البَاسْكِية، صُبْح البَاشْكَنْجِيَّة المعروفة بصبيحة الأندلسية أو أُورُورَا، التي أصبحتْ سلطانةَ الحَكَم المُسْتنصِر بالله وأمّ هشام المُؤَيَّد بالله. إذا كان زرياب اشتهر ببلورة نظام الغناء الأندلسي بنوباته الأربع والعشرين حسب عدد ساعات اليوم والمزاج النفسي البشري الخاص بكل ساعة، فإن ابن باجة نبغ في العزف والتلحين باستخدام آلة العود، كما مزج بين الموسيقى العربية السائدة في الأندلس والمغرب الإسلامي من جهة، وموسيقى الثقافات الأوروبية التي كان يستوحيها من الجاليات المسيحية الأندلسية، ومما كان رائجا من موسيقى الأمم الأوروبية المجاورة من جهة أخرى.
تحولت هذه الموضة في التلحين إلى مدرسة قائمة بذاتها، مما يفسر اليوم وجود مقامات موسيقية تعرف بـ "العربي الأندلسي"، في بلاد المغرب العربي خاصة المملكة المغربية، وبعض البلدان الأوروبية، بينما لا توجد في المشرق والخليج العربي.

آخر الأخبار