منوعات
غسان الكنفاني... صنع من المعاناة ضحكة
الخميس 07 مايو 2020
5
السياسة
الساخرون على مائدة رمضانإعداد – ريندا حامد: "جرت العادة في هذه الأيام، وعند الدكاكين المتطورة، أن يقدّموا لك مجانًا صابونة إذا اشتريت علبة برش، وجوز كلسات إذا اشتريت بنطلونًا وهذا الأسلوب هو تطوير حضاري لما كانت أمهاتنا يسمينه "عالبيعة الله يخليك!"…هذه المقدمة ضرورية كي أفسّر لماذا شعرت بأن الكتاب الذي اشتريته مؤخرًا كان ناقصًا هدية "عالبيعة"، فقد كان من المفروض أن تعطى معه مجّانًا سلّة مهملات، كإشارة إلى مصيره، أو على الأقل كان من المفروض أن تربط إليه عصا خيزران، وذلك كي ينهال القارئ على نفسه ضرباً بعد الانتهاء من قراءته، من باب الندم والنقد الذاتي".كلمات عند قراءتها ستتفق مع "فارس فارس" بأن فن السخرية هو أصعب فنون الكتابة على الإطلاق إذ إن المطلوب من الكاتب أن يقنع القارئ بأن دمه خفيف والقارئ عادة ما يستقبل مثل هذا الزعم بالحذر الشديد، و"فارس فارس" هو الاسم المستعار لكاتب والأديب الفلسطيني الساخر الكبير غسان الكنفاني، ولد في عكا، شمال فلسطين، في التاسع من نيسان عام 1936، وعاش في يافا حتى أيار 1948، حين أجبر على اللجوء مع عائلته في بادئ الأمر إلى لبنان ثم إلى سوريا، عاش وعمل في دمشق ثم في الكويت وبعد ذلك في بيروت منذ 1960، وفي تموز 1972 استشهد في بيروت مع ابنة أخته لميس في انفجار سيارة مفخخة على أيدي عملاء إسرائيليين.يُعتبر "غسان" أحد أشهر الكتاب والصحافيين العرب في العصر الحديث، تنوعت أعماله الأدبية ما بين روايات وقصص قصيرة متجذرة في عمق الثقافة العربية والفلسطينية، وكتب مقالات أسبوعية ساخرة تحت الاسم المستعار "فارس فارس"، في عدة صحف ومجلات عربية مثل "ملحق الأنوار" ومجلة "الصياد" وجريدة "المحرر"، بكلمات ساخرة ناقدة لكي يخرج عن النهج الذي اعتاده وينطلق بحرية أكثر مبتعدًا عن ضغط العمل، واعتبرت تلك المقالات طرازًا فريدًا في النقد الأدبي العربي، حيث تحدث فيها عن الكتب والكُتاب وانتقدهم بطريقة لاذعة وعميقة، "غسان" الذي سخر قلمه ليدافع عن قضيته ومعاناة شعبه سخره أيضًا في مقالاته للدفاع عن الأدب ضد الانحلال والضياع، وأكد في مقولته الشهيرة "إن كتابة أدب المقاومة لا تعني أن يمتلئ الأدب بالسلاح والشعارات والخطب"."إذا كان الفن هو التحرر من الوعي والعقل فينبغي أن يكون تجار المخدرات هم من الناشرين، وإذا كان الفنَّان هو الأكثر هروبًا من مسؤولية الوعي، فإنَّ بطحة عرق أبو سعدي هي أكبر وحي، وإذا كان العمل الفنِّي هو الهذيان الأكثر تحلّلاً، فإنَّ المحششين والشمَّامين والسكرانين الَّذين تراهم في آخر اللَّيل منشورين على أرصفة منطقة الزيتونة، هم أدباء العصر"، فكلماته الساخرة هذه تميزت عن غيرها في أنها سخرية نابعة عن وعي وثقافة وفهم عميق، حيث كان صاحب قضية ومبدأ ولم تكن تهريجًا أو مجرد تنكيت ككثير من كتاب الأدب الساخر.أصدر حتى تاريخ وفاته المبكّر ثمانية عشر كتابًا، وكتب مئات المقالات في الثقافة والسياسة وكفاح الشعب الفلسطيني، وفي أعقاب اغتياله تمّت إعادة نشر جميع مؤلفاته بالعربية في طبعات عديدة، وجمعت رواياته وقصصه القصيرة ومسرحياته ومقالاته ونشرت في أربعة مجلدات، وتُرجمت معظم أعمال "غسان" الأدبية إلى 17 لغة ونُشرت في أكثر من 20 بلدًا، وتمّ إخراج بعضها في أعمال مسرحية وبرامج إذاعية في بلدان عربية وأجنبية عدة.