الأحد 29 سبتمبر 2024
32°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

السعودية "محور" الشرق الأوسط الجديد

Time
السبت 03 يونيو 2023
View
13
السياسة
د.سالم الكتبي

يصعب حصر الدلائل التي تترجم الثقل الستراتيجي المتنامي الذي تتمتع المملكة العربية السعودية في العلاقات الدولية، والمسألة هنا لا تقتصر على دورها المؤثر في منظمة "أوبك" و"أوبك +"، انما في القوة الاقتصادية للمملكة، التي أهلتها لتأدية دور كبير في إطار مجموعة "العشرين"، أكبر تكتل اقتصادي في العالم، والتي تضم الدول والاقتصادات الأكثر تأثيراً عالمياً، وتمثل نحو 90 في المئة من إجمالي الناتج العالمي، فضلاً عن نحو 75في المئة من التجارة العالمية، وثلثي سكان العالم، وتؤدي المملكة دوراً حيوياً فيها حيث يحتل الاقتصاد السعودي المرتبة الـ16 بين اقتصادات دول المجموعة. أضف إلى ذلك انضمام المملكة إلى منظمة "شنغهاي للتعاون"، كشريك حوار، في خطوة تترجم حسابات الديبلوماسية السعودية الجديدة في عالم ما بعد أوكرانيا.
والمؤكد أن المملكة لا تستند في ادوارها، إقليمياً ودولياً، على كونها مركز ثقل اقتصاديا واستثماريا فقط، بل تترجم قدراتها وامكانياتها ومواردها إلى عمل ديبلوماسي نشط يعبر عن صورة جديدة للمملكة، تحظى بإعجاب وتقدير واحترام دولي واسع النطاق.
في ضوء ما سبق، تحولت المملكة في الآونة الأخيرة بؤرة اهتمام تجذب أنظار العالم، اقتصادياً وتجارياً وسياسياً وديبلوماسياً وثقافياً ورياضياً، وفي إطار ذلك يأتي الحديث الإعلامي المتزايد عن مساع تبذلها الولايات المتحدة من أجل التوصل إلى اتفاق سلام سعودي ـ إسرائيلي، والمسألة هنا لا تتعلق بالموضوع نفسه، وما يثار بشأنه من تكهنات إعلامية يصعب تأكيدها أو نفيها، في ظل السمات التي تتمتع بها الديبلوماسية السعودية، التي تتحرك في جميع ملفات علاقاتها الدولية في إطار من الهدوء والكتمان، بما يضمن تحقيق المصالح والأهداف الستراتيجية للمملكة في كل تحركاتها بعيداً عن الأقاويل والتكهنات والضجيج الإعلامي.
وقد شاهدنا ذلك واقعاً أثناء المفاوضات التي جرت عبر مراحل زمنية وإجرائية عدة بين الديبلوماسيتين السعودية والإيرانية، وبدأت بوساطة عراقية، وتوجت بوساطة صينية في خطوة حظيت باهتمام دولي واسع النطاق. بالتأكيد تعرف السعودية، وتعرف قيادتها جيدا ماذا تريد من علاقاتها الإقليمية والدولية، وبات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يتمتع باحترام، وتقدير دولي متنام في ظل قيادته لبلاده نحو تحول نوعي تاريخي على المستويات والأصعدة كافة.
وفي ظل هذا الانفتاح المثير للإعجاب الذي تشهده المملكة، تبدو موضع إهتمام كل دول العالم، ومن بينها إسرائيل، والأمر هنا يتعلق بحسابات مصالح ستراتيجية وتعاون مشترك بعيداً عن الشعارات والأهواء، فالواقعية والحسابات الستراتيجية الدقيقة، التي تحكم الديبلوماسية السعودية في تحركاتها خلال العامين الأخيرين نحو إيران وتركيا وسورية واليمن وغيرها من الملفات التي ترتبط بالسياسة الخارجية للمملكة بشكل مباشر أو غير مباشر، هي نفسها التي نتوقع ـ كمراقبين ـ أن ينظر بها صانع القرار السعودي إلى الملفات جميها، سواء ما تعلق الأمر بإقامة علاقات مع إسرائيل أو غيرها.
السعودية باتت قوة مركزية لا غنى عنها في بناء الأمن والاستقرار، سواء على صعيد الشرق أوسطي أو الدولي، وتدرك جيداً أن موقفها تجاه بقية الأطراف الإقليمية عامل شديد التأثير في المعادلات والحسابات الجيوسياسية، وإذا أضفنا إلى ذلك وضعية المملكة ستراتيجياً على الصعيدين الروحي/‏ الديني، والعربي، لأدركنا أن المسألة لا تتعلق باتفاق لتطبيع علاقات أو غير ذلك، بل بمجمل الأوضاع الإقليمية، حيث تجري عملية إعادة هندسة التحالفات والروابط والعلاقات إقليمياً ودولياً.
في إطار سعي المملكة نحو تحقيق أهداف "رؤية 2030" الطموحة، وهو ما يتطلب بيئة إقليمية مواتية وديناميات جديدة للعلاقات الإقليمية، تضمن تحقيق المصالح الستراتيجية السعودية بعيداً عن الصراعات والتوترات مع أي طرف، وجميعها أمور تتطلب المضي وسط كم هائل من الحساسيات والتعقيدات والتناقضات، وبما يضمن تفادي أي أثر سلبي ومراكمة عوائد ستراتيجية نوعية للديبلوماسية السعودية الطموحة.
الديبلوماسية السعودية تعكس سياسات المملكة كلاعب إقليمي مهم، ذا دور مؤثر في الاقتصاد العالمي، وبالتالي تبني شراكاتها الستراتيجية الدولية مع حلفائها، وفق أسس تراعي التنوع والتعددية، وتتفادى الدخول كطرف في أي صراع دولي على الهيمنة والنفوذ، وكذلك تفعل إقليمياً.
وبالتالي فإن مناقشة علاقاتها مع الأطراف الإقليمية كافة تخضع، باعتقادي، لحسابات براغماتية تتعلق بمصالح المملكة الستراتيجية، وكذلك دورها القيادي في العالمين، العربي والإسلامي، وبالتالي فإن بناء الجسور مع أي طرف إقليمي سيتحقق في حال وجود ما يكفي من معايير تضمن تحقق هذه المصالح.
وقناعتي ـ كمراقب ـ أن الديبلوماسية السعودية في المرحلة الراهنة بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بما يمتلك من نشاط وذكاء، ونضج، وقدرة على المناورة والتعامل مع الملفات والقضايا الشائكة، قادرة على بناء توافقات سواء في تحالفاتها الدولية، أو بما يضمن تحقق مصالح جميع الأطراف الإقليمية، وتوفر البيئة الستراتيجية اللازمة للأمن والاستقرار وبناء شرق أوسط جديد، خال من الصراعات والتوترات شريطة أن تدرك بقية الأطراف الإقليمية أن قواعد اللعبة الإقليمية والدولية قد تغيرت، وتتصرف بناء على ما يتطلبه تحقق الإستقرار في منطقة مأزومة تمتلك من عوامل التوتر وأسبابه ما يتطلب طاقات ديبلوماسية هائلة، وحلول خلاّقة وتفكير جديد، ينأى بالجميع عن الصراعات ويضمن التعايش والسلام.

كاتب إماراتي
آخر الأخبار