الثلاثاء 01 أكتوبر 2024
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
السياسيون إذا تشاجروا  أفسدوا الزرع وإذا تصالحوا أكلوا المحصول
play icon
الافتتاحية

السياسيون إذا تشاجروا أفسدوا الزرع وإذا تصالحوا أكلوا المحصول

Time
الثلاثاء 01 أغسطس 2023
View
137
السياسة
بعض الدول تكون ضحية الكذب الأنيق المغلَّف بالبذلات الأنيقة، وربطات العنق، لهذا تفشل، وتغرق في الأزمات، جراء عبقرية الغباء، لأسباب شتى منها الاعتماد على الأقرب الذي يراه الحاكم أنه صاحب فطنة، أو صاحب الجاه، فيجعل من هؤلاء مستشارين، بينما لا يدرك أنهم فاشلون، ولا يرون أبعد من أنوفهم، أو أنهم متمصلحون يزينون الفشل على أنه هو الطريق الصحيح.

في هذا الشأن، ثمة حكاية قديمة معروفة في أغلب بلاد الشام، عن قرية صغيرة كانت فيها بقرة، يعيش سكان على حليبها، وفي يوم من الأيام كانت البقرة تشرب من “حِبّ” ماء كبير، ولم تستطع إخراج رأسها منه، حاول أهل القرية إخراج رأس البقرة من “الحِبّ” للحفاظ على حياتها دون أذى، والحفاظ على “الحِبّ” كي لا ينكسر، لكن دون جدوى، فلجأوا إلى المختار ليحل المشكلة، لأنهم افترضوا فيه الحكمة!
جاء المختار ونظر للبقرة و”الحِبّ”، وبعد تفكير عميق قال لهم: اقطعوا رأس البقرة، فقطعوه، وقالوا: يا مختار مازال رأس البقرة في “الحِبّ”، ماذا نفعل؟
فقال: اكسروا الحِبّ! فكسروه، ثم ذهب المختار بعيداً وجلس حزيناً، فجاءه أهل القرية يواسونه وقالوا له: “يا مختار، لا تحزن، فداك البقرة، وفداك الحِبّ! فنظر إليهم وقال: “لست حزيناً لا على البقرة ولا على الحِبّ، لكنني حزين ماذا ستفعلون لو لم أكن معكم!

لا شك أن بعض الدول العربية وقعت في فخ هؤلاء الزعماء والمستشارين، لهذا توالدت الأزمات من بعضها بعضا، سواء في ما يتعلق بوضعها الاقتصادي والمالي أو فشل خططها، مثل لبنان أو العراق، لأنها ابتليت بزعماء ميليشيات أو مستشارين لا يعرفون ماذا تعني إدارة الدولة، واعتقدوا أن المؤسسات مزارع لهم يعيثون فيها فساداً، ولا أحد يحاسبهم، فنهبوا الثروة الوطنية، وحمّلوا شعوبهم ديوناً أكبر من الناتج الوطني عشرات المرات، ولم يدركوا أن استمراريتهم منوطة بمدى المشاريع الإنمائية للدولة ككل.
هؤلاء عملوا بالمثل الشعبي “مال البخيل يأكله العيار”، فامتصوا ضرع البقرة التي حين أرادت أن تشرب من “الحِبّ” وعلق رأسها فيه قطعوه أولا، ثم كسروا “الحِبّ” الذي هو مصدر من مصادر ثروتهم فخسروا الاثنين معا.
لم يدركوا أن الكرة الأرضية قادرة على إطعام العالم، وليست دولهم فقط، لكن لأن البخيل المدعوم، فلسفياً ودينياً ومذهبياً وسياسياً وإعلامياً، يُنصِّبْ مجرمي الحروب والفاسدين أبطالاً وقديسين، لأنهم مصدر قوته في الهيمنة على الشعب، لهذا حين ثارت بعض الشعوب، عمدت أولا إلى القضاء على المسؤولين بعنف دموي، كما فعل الشعب الليبي مع معمر القذافي.

عندما بدأ الزعماء والمستشارون السعي للحصول على حصة الأسد من الغنيمة التي افترضوا أنها ملكهم الشخصي، أصبحوا كما قال عنهم الكاتب البريطاني جورج أورويل: “السياسيون في العالم كالقرود في الغابة، إذا تشاجروا أفسدوا الزرع، وإذا تصالحوا أكلوا المحصول”، ففي زمن الكذب والغش والخداع، يكون الغباء عبقرية المستشارين المتزلفين الذين على شاكلة المختار الذي أراد أن “يكحلها فعماها”.
في هذه الدول صدقت مقولة ابن خلدون “إن الناس على دين ملوكهم”، لأنه كما قال أورويل: “الشعب الذي ينتخب الفاسدين والانتهازييّن والمُحتالين والناهبين والخونة، لا يعتبر ضحية، بل شريكاً في الجريمة”، ولهذا فإن العديد من الشعوب العربية هي شريكة في جريمة فشل الدولة لأنها اختارت أن تكون على دين اللصوص وعباقرة الغباء.
آخر الأخبار