السبت 05 أكتوبر 2024
29°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

الشاب خالد "أسطورة" ... ألبس "الراي" ثوباً جديداً ونقلها من المحلية

Time
الاثنين 10 أبريل 2023
View
5
السياسة
نجوم عربية في سماء العالمية

* يؤلف ويلحن ويعزف ويؤدي... ومبيعاته تتجاوز مايكل جاكسون
* العربي الوحيد الأكثر توزيعاً وانتشاراً في فرنسا وأميركا وأوروبا والهند
* خرج بالفن المحظور في الجزائر إلى منطقة محترمة فتلقفه الجميع
* نجاح عمله الأول "طريق الليسيه" حفزه لتقديم الأفضل موسيقياً
* أنشد الحب والحياة والحرية فالتفت حوله جميع الشعوب
* ارتباطه وثيق بتراثه الأصيل... ولم يغفل الأغنيات المشتركة


خالد مع إليسا وسالم الهندي


"دويتو" مع محمد منير


خالد وزوجته سميرة



القاهرة - أحمد أمين عرفات:

لم يتوقع أحد أن يتحول الشاب العربي النحيل الذي ذهب إلى فرنسا نهاية الثمانينات، إلى نجم عالمي يشار اليه بالبنان، وأن يردد العالم أغنياته ويتم توزيعها في 46 دولة، بل تتجاوز مبيعات إحدى أغنياته، مبيعات أسطورة الغناء مايكل جاكسون، وتستعين السينما الهندية ببعض أعماله وينال جوائز عالمية، إنه الجزائري الشاب خالد، والذي لم يصل وحده إلى سماء العالمية، بل حمل معه موسيقى "الراي" لينقلها من المحلية إلى أفاق دولية، ويصبح "أيقونة" هذا اللون الموسيقي مشرعاً الباب للاعتراف به، ومطالبة بلد المليون شهيد بتصنيفه كتراث غنائي جزائري وإدراجه ضمن لائحة التراث العالمي للإنسانية، كما فتح "ملك الراي" الباب على مصراعيه ليدخله كل من جاءوا بعده أملا في تحقيق بعض ما بلغه من شهرة ونجومية.

ولد الشاب خالد، في 29 فبراير 1960 بحي سيدي الهواري في مدينة وهران، أحب الغناء والموسيقى منذ نعومة أظفاره، بدأ رحلته الاحترافية وهو في الرابعة عشرة من عمره، عندما أسس فرقة موسيقية أطلق عليها "الخمس نجوم"، وقد استلهم اسمها من الفرقة الغنائية الأميركية "جاكسون فايف" ذات الصيت الواسع، والتي كانت تضم خمسة أشقاء من عائلة جاكسون، منهم مايكل جاكسون، الذي تربع على عرش النجومية فيما بعد وبات الأشهر في عالم الغناء.
أدرك الشاب خالد، مبكراً أن الإغراق في المحلية هو الطريق الصحيح إلى العالمية، وبدأ من خلال فرقته الوليدة في تقديم أغنيات "الراي" التراثية في الأعراس والملاهي، فاستحسن الناس ما يقدمه رغم أن هذا اللون من الغناء لم يكن حينها حسن السمعة، لما يحمله من ألفاظ وموضوعات غير مستحبة وخارجة عن المألوف والمقبول، لكنه تمكن رغم صغر سنه من الارتقاء به، ما جعل الكثيرين يلتفون حول أغنياته، فشعر بأنه على الطريق الصحيح، وتحمس لطرح أول أغنية خاصة بعنوان "طريق الليسيه"، التي حققت نجاحا كبيرا منحه الثقة فيما يقدمه ودفعه دفعا لتقديم الأفضل، وساعده على ذلك شغفه بالعالمية، الذي كان يجعله متابعا جيدا للفرق الأجنبية وكل جديد تتميز به، فلم يقنع بالاستديوهات التي كانت سائدة في الجزائر آنذاك، فبدأ في جلب واستخدام تقنيات الاستديوهات الحديثة، كما أدخل الآلات الإلكترونية مثل الأورغ وغيره على موسيقى "الراي"، فأدى المزج بين الآلات الشرقية والغربية إلى تأسيس شكل جديد لهذا اللون الموسيقي، رغم أن خالد كان في أوائل العشرينات من عمره.

اسطوانة ذهبية
بعد أن أوصل الشاب خالد، وبعض من ساروا على دربه مثل الشاب "مامي"، الذي أحيا معه مهرجان "الراي" الأول في وهران، هذا اللون من الغناء إلى منطقة محترمة وأصبح مقبولا ويدخل كل البيوت، سمحت الإذاعة ببث أغنياته، بعد أن قامت السلطات الجزائرية بإلغاء الحظر على أغنيات "الراي" في منتصف الثمانينيات، وبعدها بعام وتحديدا في 1986، شارك خالد ومعه الشاب مامي في مهرجان "بوبيني" بفرنسا، وقتها أحس بتجاوب الفرنسيين مع ما يغنيه، فكان قراره بالاستقرار في فرنسا ليبدأ مرحلة جديدة في عالم الاحتراف.
اشتغل ابن الجزائر أعوام عدة على نفسه، وأخذ يراقب ويدرس الساحة التي وضع قدمه فيها، طامحا إلى العالمية التي يجتهد من أجلها، وما ان طرح أغنية "دي دي" العام 1992، حتى دقت العالمية بابه، حيث حققت الأغنية نجاحا منقطع النظير ونالت المركز التاسع في ترتيب الأغنيات الفردية بفرنسا، ليس هذا فحسب، بل ظلت في قائمة أغنيات القمة الخمسين طوال خمسة أشهر، ولم يقتصر نجاحها على فرنسا فحسب، بل تعدت الحدود وانتشرت سريعاً حتى تجاوزت شهرتها الآفاق، وكشفت الإحصائيات أنه تم توزيعها في نحو 46 دولة، لتكون أول مقطوعة موسيقية يتم غناؤها باللغة العربية تحقق ذلك، كما تربعت على رأس الأغنيات الفردية في كل من هولندا وسويسرا ومصر وبلجيكا وغيرها.
لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل أن السينما استعانت بها أفي حد الأفلام الهندية، كما استخدمتها هوليوود أيضا في أحد أفلامها، ومع ما حققته من نجاح كبير وانتشار فاق الخيال نال الشاب خالد، الأسطوانة الذهبية من الهند، كما حققت أغنياته مبيعات هائلة في كل الدول، وفاقت في ذلك الوقت مبيعات المغني العالمي مايكل جاكسون، حسب تصريح الشاب خالد نفسه في لقاء تلفزيوني.

مواهب متعددة
لم يكن نجاح أغنية "دي دي" وليد الصدفة، أو أمرا عارضا لا يقع الا مرة واحدة ، بل كانت الأغنية محطة البداية لترسيخ نجومية الشاب خالد في فضاء العالمية ليعبر الآفاق، بدليل أن أغنيته "عايشة" التي صدرت بعد "دي دي" حققت أيضا أرقاما قياسية على صعيد المبيعات، كذلك تمكن ألبومه "الحرية" من تحقيق مبيعات بلغت 3 ملايين نسخة في شهر واحد، ثم اعتلت العرش أغنيته "سي لا في" التي طرحها العام 2012، ضمن ألبوم حمل الاسم نفسه وضم 12 أغنية، إذ احتلت المراكز الأولى في أسواق أوروبا وأميركا وكندا ودول المغرب العربي، ليس لأيام أو أسابيع، بل ظلت ضمن أفضل أربع أغنيات على مدار عامين، وكانت سببا في ترشيح الشاب خالد لست جوائز عالمية، بجانب حصولها على تصويت 50 مليون شخص في منصات التواصل الاجتماعي.
ارتبط كل هذا النجاح باسم الشاب خالد، الذي كشفت الإحصائيات أنه المطرب العربي التي تعد ألبوماته الأكثر مبيعا في فرنسا وأميركا وأوروبا والهند والبرازيل، كما تؤكد الجوائز الكثيرة التي توج بها استحقاقه كل النجاحات التي حققها، فخلال رحلته الطويلة نال العديد من الجوائز المهمة منها جائزة بيج ابل موسيقى العالم كأفضل فنان عربي مبيعا في الولايات المتحدة، جائزة موركس دور لأفضل أغنية عالمية عن "سي لا في"، جائزة أفضل أغنية في فرنسا عن "يالشابة"، وجائزة "توب 50" من ام تي في أميركا، وجائزة ام تي في الأوروبية، جائزة مهرجان موسيقى العالم عن ألبوم "الصحراء"، وجائزة مهرجان البحر الأبيض المتوسط للإبداع، وتكشف بعض هذه الجوائز عن مواهب أخرى تمتع بها "ملك الراي"، وهي التأليف الموسيقي، حيث حصل على جائزة "سيزار" لأفضل موسيقى تصويرية، وجائزة أوسكار الموسيقى التصويرية لفيلم "العنصر الخامس"، كما كرمه مهرجان البندقية السينمائي الدولي في دورته الخمسين، فضلا عن أن الله حباه بموهبتي الشعر والتلحين، فهناك أغنيات عديدة له تحمل اسمه كمؤلف وملحن، مثل أغنيته الشهيرة "دي دي" و"عايشة" التي كتب كلماتها العربية، بينما كتب كلماتها الفرنسية جان جاك غولدمان، أيضا أغنيته الشهيرة "سي لا في" تحمل اسمه كملحن، ليس هذا فحسب، بل أنه بجانب ما يمتلكه من صوت جميل وقدرة على التأليف الموسيقي وكتابة الشعر وصياغة الألحان فهو أيضا عازف جيد لعدد من الآلات الموسيقية منها الأكورديون والدرامز والغيتار والكمان.

" لوين مسافر"
أمام الشهرة والنجومية الجارفة، أطلق عليه محبوه وجمهوره لقب "ملك الراي"، وبات عشاقه ينتظرون أغنياته، فما أن ترى النور حتى يرددون كلماتها وأنغامها، هكذا كان حالهم مع "دي دي" و"سي لا في" و"عايشة"، وأيضا مع باقي أغنياته مثل "عبدالقادر يا بو علام"، "علاش تعدي" وغيرهما، وحتى بعد أن تجاوز الستين من عمره وأصبح مقلا في إنتاجه، استمر تعطشهم لأغنياته المنفردة التي يطرحها بين الحين والآخر، فهو منذ ألبوم "سي لا في" ظل لسنوات مكتفيا بالدويتوهات أو الحفلات التي يحييها، لكنه عاد إلى طرح الألبومات الفردية منذ أشهر قليلة، وجاء ألبومه مميزا في غلافه الذي ضم صورة له على طابع بريد يغلب عليه اللون الأخضر المميز لعلم الجزائر ويحمل اسمه وتاريخ ميلاده، كما تضمن العديد من الأغنيات الشهيرة له ولكن بتوزيعات موسيقية جديدة مثل "طريق الليسيه، عبدالقادر، لاكاميل، لاليبيرتي، ويا نتي نتي، مول الكوتشي، أصحاب البارود، الكناوي بابا ميمون، الرابة، دور بيها يا الشيباني، عندها عقلية، لوين مسافر".
العالمية التي بلغها الشاب خالد، جعلت أشهر مطربي العالم العربي يحلمون بالغناء معه ويسعون إليه، خصوصا أنه قدم بعض الدويتوهات مع عدد من المغنين العالميين، منهم مغني الراب الأميركي العالمي بيتبول. ويعد المطرب عمرو دياب من أوائل العرب الذين حالفهم الحظ بأداء "دويتو" مع الشاب خالد، في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، عندما جمعهما دويتو "قلبي" والذي تم تصويره فيديو كليب، وما ان عرض حتى احتفى به عشاق الثنائي الشهير ليحقق النجاح الكبير، كما جمعته مناسبة فنية بالمطرب محمد منير في العام 2009، بحفل أقيم في مسرح أكاديمية أخبار اليوم بمصر قاما بإحياءه، وحضره جمهور غفير، وبسبب الإقبال الكبير على الحفل أطلق عليه النقاد "الحفل التاريخي"، ولم تكن تلك المرة الوحيدة التي جمعتهما، ففي العام الماضي قدما دويتو "علشان نفهم بعض"، الذي تم إنتاجه من قبل أحد البنوك المصرية كإعلان ترويجي وفكرته حول اختلاف الأجيال وكيف يمكن تحقيق التواصل والتلاقي بينهم.
ينضم لقائمة المطربين العرب الذي شاركوا الشاب خالد الغناء، الفنان تامر حسني، حيث جمع بينهما العام 2018 دويتو "وانت معايا" الذي قام بكتابته وتلحينه تامر نفسه، وضمه لألبومه "عيش بشوقك" الذي حقق انتشارا واسعا.
خلال فترة توقف الشاب خالد، عن طرح الألبومات بعد العام 2012، قدم العديد من الأغنيات، منها أغنية "واحدة بواحدة" العام 2016، وصرح في أحد اللقاءات التلفزيونية بأن الفنان تامر حسني شاركه تأليف الأغنية الجزائرية، وبعدها بعام تألق الشاب خالد، في منتدى شباب العالم بمدينة شرم الشيخ عندما غنى "شباب الدنيا".

روح مرحة
لعل من أسباب شعبية "ملك الراي" ووصوله إلى العالمية أنه يختار الأغنيات التي تجمع الشعوب ولا يختلف عليها أو تفرقهم، ولم يجد مظلة تحقق له ذلك سوى الحب والحياة والحرية، فعاش حياته يغني لهم، فمن لا يطالب مثلا بالمساواة بين الرجل والمرأة وأن يكون الاحترام هو الإطار الذي يجمعهما، وهو ما قدمه في أغنيته "عايشة"، وهكذا كان بمثابة رسول الحب في كل أعماله، فمن يتأملها يجده حريصا على أن يسمو فيها بالأفكار والمجتمعات، مثل "دي دي، عبدالقادر يابو علام، الشابة يا الشابة، نبيذ الحرية، ولي لدارك، وهران وهران، سربي سربي، صحرا، هو الليل".
أيضا من أسرار نجاحه وتألقه عالميا أنه لم يشغل نفسه سوى بعمله، وابتعد عما يصرفه عن التركيز في عالمه الموسيقى والغنائي، فطوال رحلته ظل حريصا على أن ينأى بحياته الشخصية والعائلية عن الأضواء، ما أتاح له جوا صافيا لكي يبدع فيه، وإذا اضطر للحديث عن الأمور الشخصية والأسرية في حياته يكون ذلك في أضيق الحدود، فكل ما يعرفه الناس عنه أن رب أسرة يعيش مع زوجته سميرة ولديه خمسة أبناء منهن ثلاث فتيات، بينما الوحيدة التي كان يفيض في الحديث عنها إذا سئل عن الأسرة هي والدته، التي توفيت منذ فترة ليست بالطويلة، وكان يؤكد دائما بأنها سبب ضحكته الشهيرة وأنه أخذها منها.
يضاف إلى أسرار نجاحه أنه يتميز بشخصية طيبة وروح مرحة وخفة ظل، ما جعله قريبا من الناس، محبا لعالمه العربي، لم تنسه العالمية بلده ولا وطنه، الذي لا ينسى له دوره الكبير في الوصول بموسيقى "الراي" إلى مكانة عالية، ما شجع الجزائر على التقدم بصورة رسمية إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونيسكو" سنة 2016، مطالبة إياها بتصنيف "الراي" كتراث غنائي وموسيقى جزائرية وإدراجه ضمن لائحة التراث العالمي للإنسانية بهدف الحفاظ عليه من الضياع، خصوصا بعد أن انطلق إلى رحاب العالمية.
ولا شك إن رحلة الشاب خالد، تؤكد إخلاصه لفنه وتمكنه من أدواته كمغني، ليس هذا فحسب، بل تمتعه بالذكاء الذي مكنه من إدارة موهبته والانتقال بها من المحلية لكي تلمع بقوة في سماء العالمية.
آخر الأخبار