الجمعة 16 مايو 2025
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

الشاعر العراقي باسم فرات: طفولتي شُوّهت فعالجتها ببيت القصيد

Time
الأحد 23 فبراير 2020
View
5
السياسة
القاهرة- آية ياسر:


ظهرت موهبته الأدبية في وقتٍ مبكر, اذ بدأ في كتابة الشعر منذ سنوات الصبا، قبل أن يكتشف ولعه بالسفر والترحال حول العالم، لكن حلمه بدا مستحيلاً بسبب نشأته الصعبة، فقد توفي أبوه وهو صبي، فانتقل إلى حضانة جدته، وعمل خبازًا، ثم امتهن صناعة التحف النحاسية، قبل أن يحترف التصوير الفوتوغرافي، شارك في عدد من الأمسيات الشعرية حول العالم، وصدرت له مجموعات شعرية بالعربية.
حول أعماله ومؤلفاته وفوزه بجائزة السلطان قابوس التقديرية في مجال أدب الرحلات العام 2019، أكد الشاعر والرحّالة العراقي "باسم فرات" في حديث لـ"السياسة" أن "الشعر صديق عمره منذ نعومة أظفاره وأنه أول عراقي يفوز بجائزة السلطان قابوس التقديرية، مبينا أن الترحال أثرى تجربته الشعرية كثيرًا تحت وقع الحنين إلى الوطن، وأنه تمكن من خلال بيت القصيد أن يعالج مرابع الطفولة التي شوهها البناء الخرساني في مدينته التي كانت على شفا البادية، وفيما يلي التفاصيل:
كيف كانت بداياتك الأدبية وولوجك عالم الشعر؟
رضعت الشعر منذ طفولتي، منذ الثامنة من عمري حين كان صديق أبي يترنم بالشعر، كنتُ حينها أعمل عنده في محل لصناعة الجزء الأعلى من الأحذية، وهو يرسلني لشراء جريدة "طريق الشعب" اليومية، كان ترنمه بالشعر المنشور فيها يلامس روحي، وكنت أشعر بحالة غريبة وعجيبة من النشوة الروحية حين يقرأ القصيدة أو القصائد في الجريدة، بكل تأكيد لم أكن أفهم جيدًا هذه القصائد لأني حينها كنت صغيرا، لكنني بدأت أقرأ الجريدة في طريق عودتي من محل بيع الصحف حتى محل عملي وفي العاشرة من عمري ذهبت إلى ابن عمتي الذى يكبرني بأربعة أعوام وقلت له: أريد أن أصبح شاعرًا.
متى بدأ شغفك بالسفر والرحلات؟
كان السفر هاجسي منذ الطفولة، لاسيما تأثري بالشعراء والأدباء الذين قرأت لهم، لكنني لم أتجرأ على البوح بهذا الهاجس بسبب الوضع السياسي في العراق آنذاك والوضع المالي الذي كان حائلًا آخر.
كم زرت من البلدان؟
في الواقع زرتُ أربعين بلدًا، والبلد الأربعون كان عُمان، اذ ذهبت لاستلام جائزتي، فكانت فرصة أن أزور الجنوب "ظفار"، لاسيما الحفرة العميقة العجيبة حقًّا "طوي اعتير" والشمال "مسندم"، نزوى، صور، سد ضيقة، هوية نجم، وأماكن أخرى، بالطبع مسقط وضواحيها.
ما البلد الذى جذبك أكثر؟
أستطيع القول إن لكل بلد متعته، جماليته، دهشته، وخطورته أيضًا، لكن هيروشيما تركت وشمًا جميلًا في حياتي، أحسب مدينة كيوتو اليابانية أحد أجمل المدن, لأنها لم تتعرض للقصف الجوي الأميركي، إذا كانت اليابان تُعدّ رمزًا للنظافة، النظام، التواضع، وعبادة الوطن والعمل، كانت لاوس متعة مذهلة لأنني تعمقت في البوذية، واستنشقت ثراء التنوع الإثني وهو بالمئات.
ما الرحلة الأكثر متعة وخطورة؟
كانت الإكوادور متعة حقيقية، أن تقيم في أحضان الأمازون وجبال الأنديز، لكن هذه المتع الجليلة، رافقتها أوقاتٌ مليئة بالخطورة، مثل المبيت في أعماق غابات الأمازون، والضياع فيها، وسقوط أشجار في المكان الذي كنت فيه بعد تحركي بأقل من خمس ثوان، الصعود إلى جبال بيتشينتشا، وغير ذلك من الأوقات التي اقتربت فيها من الخطر وهي كثيرة بلا شك وبعضها كاد يودي بحياتي.

الشعور بالزهو
كيف تلقيت فوزك بجائزة السلطان قابوس التقديرية العام الماضى؟
لا شك أنه خبر مفرح، لاسيما وأنني أول عراقي يفوز بهذه الجائزة التى تعد أكبر جائزة عربية من حيث مردودها المالي الذي هو خير معين للمبدع أن يعكف على مشروعه الإبداعي وضيق الحياة الاقتصادية لا يُعكّر صفوه كثيرًا.
من رشحك للجائزة؟
تعمل جائزة السلطان قابوس بنظام صارم لا يمكن للعلاقات الاجتماعية والمحاباة أن تنفذ إليها، فهي تحوي لجنتين، الأولى من الأكاديميين مهمتهم فرز النتاجات وكتابة تقرير عن كل كتاب يتم استبعاده، ثم تأتي اللجنة النهائية التي تقوم بالفرز ولها مطلق الحق باختيار نماذج عشوائية من الكتب التي استبعدت للتأكد من دقة اللجنة الأولى، وترسل الكتب إلى اللجنة النهائية في مقر إقامتها في البلد الذي تقيم فيه، وعلى كل عضو في اللجنة كتابة تقريره وإرساله بالبريد الرقمي "الإيميل" قبل وصوله إلى مسقط، كل عضو في اللجنة يجهل بقية الأعضاء، حين يصلون إلى مسقط يلتقون في اجتماع مغلق، لا يعلن عن الفائز، بل يبقى الاسم في ظرف حتى يُسلم خلال وقت قصير إلى السيد حبيب الريامي الذى يعلن أسماء الفائزين على الملأ وبحضور وسائل الإعلام.
هل أعجبتك هذه الطريقة؟
إنها دقة تجعل الفائز يشعر بالزهو حقًّا، لاسيما حين لا يكون أمامه منافسون أشدّاء بسبب تمكنه من إبداعه وحرفيته العالية، كما أن الجائزة ترفض الكتب المطبوعة التي تخلو من الترقيم الدولي ISBN، إضافة إلى أن عدد الكتب المطلوب للدخول في الجائزة هو خمسة كتب، أي أنها جائزة تقديرية لجهود الكاتب في هذا المجال على مدى سنوات.
ممن تشكلت لجنة تحكيم "أدب الرحلات" النهائية؟
تشكلت من السوري نوري الجراح، مدير المركز العربي للأدب الجغرافي – ارتياد الآفاق، والمغربي الدكتور سعيد يقطين أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الرباط، والأديب الشاعر سيف الرحبي من سلطنة عُمان.
هل كانت المنافسة قوية؟
نعم، جاء على لسان الدكتور سعيد يقطين أن المنافسة كانت قوية ولكن أغلب النصوص طغى على بعضها الحضور الأدبي أكثر أو حضر فيها الجانب الرحلي أكثر، فعدم التوازن بما يسمى أدبية الرحلة لم يتحقق إلّا في نصوص قليلة، لذا رأينا في اللجنة بالإجماع أن النصوص الفائزة تندرج في نطاق أدب الرحلات لأنها تجمع بين متعة السرد والمعرفة في الكتابة والفائدة التي يجنيها القارئ للتعرف على عادات وثقافات الشعوب الأخرى، حيث زار الكاتب الفائز القارات الخمس وكتب بعمق عن التجارب التي عاشها، حيث يبحث عن المعلومات الجديدة وليس المتداول وما يعرفه الناس، بل بحث عن الجوانب الخفية للمجتمعات التي زارها، لذلك اعتبرنا أن تميزه الأدبي والعوالم التي زارها تقدم معرفة جديدة قد لا نجدها في كتب الرحلات التي تكتفي بالوصف الظاهري.
لماذا جمعت فى كتابك "مسافر مقيم.. عامان في أعماق الإكوادور" بين البعد الواقعي والتاريخي والمتخيل والأسطوري؟
أدب الرحلات يجب أن يستند إلى الواقع، ويُغَلّفه بالخيال، أن لا يخلو من التاريخ، واليوميات والتقاط ما يدلّ على المكان وسكانه، ومسافر مقيم.
عامان في أعماق الإكوادور، كان أول كتاب لي، دهشة الأمازون، وجبال الأنديز، وتاريخ المنطقة، ودولها، وحروبها ،وثقافاتها، وتنوعها الإثني، وما تعرضت له على يد الأسبان، وجد طريقه بتلقائية وعفوية في كتابي السردي – الرحلي هذا.
ماذا عن ملابسات فوزك بجائزة ابن بطوطة للرحلة المعاصرة في دورتها التاسعة للسنة 2013 -2014؟
لم أكن مهتمًّا بتدوين يومياتي، ومشاهداتي، ومعايشتي للمجتمعات التي أقمتُ في أعماقها، خوفًا من الشعر وعليه، لكن إلحاح الأصدقاء وإصداري لأربع مجموعات شعرية وتجاوزي سنّ الأربعين، حفزتني للكتابة وتدوين رحلاتي، فكانت الإكوادور أول بلد أدون يومياتي فيه، ولأنني لا أملك حاسوبًا صغيرًا لأحمله معي، لضعف ثقافتي بالحاسوب وعوالمه، قمتُ بتدوين رحلاتي في موقع "الفيس بوك" لأنها الطريقة الوحيدة التي كنتُ أعرفها.
كيف حولت ذلك الى كتاب؟
ذات يوم دخل الشاعر نوري الجراح على الخاص وبعد السلام والتحايا أثنى على كتاباتي، وأبدى إعجابه بها وحثني على المشاركة في مسابقة ابن بطوطة، وحين أخبرته أنني لم أجمع ما نشرت في ملف، حثني وأعطاني أسبوعين لأنجز الكتاب، فعلًا جمعت ما كتبت وفي أثناء جمع ما نشرته في موقع "فيس بوك" أضفت وحررت فقرات عدة، وعملت لساعات طويلة يوميًّا، سلمته في الوقت المتفق عليه، ونسيت الأمر تقريبًا، بينما كنت في أسكتلندة، أخبرني الصديق الناقد والقاص عدنان حسين أحمد عبر الهاتف بفوزي وأنه قرأ الخبر قبل قليل، فكان هذا أول فوز لي بأدب الرحلات وأول كتاب.
كيف جمعت بين التاريخ الثقافي والبيئي والاجتماعي والسياسي والتنوّع البيئي في كتابك "الحلم البوليفاري.. رحلة كولومبيا الكبرى"؟
ربما لأني مهووس بالتاريخ الثقافي، الإثني، اللغوي، العقائدي، الاجتماعي، والبيئي للمجتمعات التي أتوغل فيها، لأنها ليست سياحة للترفيه عن النفس، بل توغل في أعماق المجتمعات، كما يرى النقاد والقراء، أن سيمون بوليفار يُمثّل رمزًا لسكان أميركا اللاتينية، لأنه أول مَن حاول تحقيق هذا الحلم بتوحيد كولومبيا،البيرو،والإكوادور تحت مسمى "كولومبيا الكبرى"، فلا بدّ من حضور التاريخ بأنواعه، لذا وضعت العنوان لأنه معبر عن اشتغالاتي في الكتاب.

تهديدات الهوية
هل يعد كتابك "لاعشبة عند ماهوتا: من منائر بابل إلى جنوب الجنوب" سيرة ذاتية لك؟
نعم، هو كتاب سيرة مثلما هو أدب رحلات، لأن من قواعد أدب الرحلات أن يكون سيرة للمكان، سيرة المؤلف في المكان، ثم كان لا بدّ أن أوضح خلفيات وصولي إلى أقصى جنوب الجنوب أرض زي الجديدة.
لماذا تشوب الكتاب أجواء الحزن والألم الإنساني؟
لإصرار المكاتب الخاصة بالهجرة واللجوء على السؤال عن الهوية الضيقة، كما أن اللاجئ والمهاجر يجد نفسه مهددًا بهويته أمام هوية ستبتلعه هي هوية بلد التوطين، فيحتمي بهويته الضيقة "إثنية أو مذهب" لينجو، فتنمو الهوية الضيقة وتبدأ بمحاربة الهوية الكبرى التي كان عليها قبل خروجه من الوطن الأم، من هنا ساد الحزن والألم الإنساني.
ما الأكثر إلهامًا بالنسبة إليك وذكرته في كتاب "طواف بوذا"؟
التنوع الإثني المذهل هناك، لاحظت أن الناس تعتز بأوطانها رغم أن كل وطن يحوي عشرات الإثنيات وعشرات اللغات التي قد تصل إلى أكثر من مائتَي لغة، فيها أُلهِمت بالفرق بين القومية والإثنية،دونتها في مقال مفصل، علمت أن حق تقرير المصير قرار سياسي استخدم في منطقتنا ضد وحدتها ولرمي الغالبية المطلقة سكانيًّا وثقافيًّا بالعنصرية والاستعلاء، بينما توجد عشرات الإثنيات كل واحدة تتوزع على ستة بلدان وبعضها تعدت ملايينها العشرين وكادت تعانق المائة مليون نسمة، لكن لا أحد يتحدث عن حق تقرير المصير، لقد أمدت المنطقة شعري بعوالم مختلفة وأثرت تجربتي الشعرية.
ما معالم وتحولات رواندا وأوغندا التي رصدتها في كتاب "لؤلؤة واحدة وألف تل"؟
رواندا أنموذجًا يجب أن يُحتذى بالنسبة للعراق بلدي ولبقية البلدان من أجل التطلع لمستقبل زاهر، أما أوغندا فهي بلد التعدد الإثني،الثراء البيئي،ومنبع نهر النيل الأبيض.
كيف عالجت الحنين إلى الوطن في ديوانك "مبكرًا في صباح بعـيد"؟
لأنني وجدتني خاسرًا لأمكنة طفولتي فدونتها شعرًا لأوقف النزيف، الشعر خير علاج لشخصٍ خاسرٍ مثلي، شخص تغرَّبَ وتشرَّقَ وحين عاد بعد عقدين تقريبًا وجد المدينة الهادئة المدينة التي تخلو من العمارات العالية إلا ما ندر، أصبحت تعجّ بالبناء الخرسانيّ وهي على شفا البادية، شعرت أن طفولتي شُوّهت فعالجتها بالقصيدة.
إلى أي مدى تنعكس أسفارك ورحلاتك على علاقتك بالشعر؟
لولا السفر، والترحال، والإقامة في كنف ثقافات مختلفة لربما بقي شِعري ينهل من مواضيع وقاموس مألوف عند غالبية الشعراء، الترحال أثرى تجربتي الشعرية كثيرًا.
المناطق المنسية
هل تتعمد زيارة البلدان التي لم يسلط عليها الضوء في أدب الرحلات العربي؟
شخصيًّا أميل للمدن والبلدان التي لم يُدَنسها آلاف الشعراء والأدباء، أجد متعة حين أزور مناطق الهامش والأطراف والمناطق المنسية عند عشاق السياحة والسفر.
ما البلد الذي تتمنى زيارته؟
ليس بلدًا بالتحديد،إنما مناطق جنوب المحيط الهادي،خاصة "بابوا غينيا الجديدة" لأنها تحوي أكثر من 800 لغة، أنا مولع بالمناطق ذات التعدد اللغوي،الإثني، والديني، كما أتمنى زيارة جنوب أندونيسيا.
كيف وجدت بلدان أميركا الجنوبية كموطن لمافيات المخدرات والدكتاتوريات؟
هي مناطق خطرة بلا شك، كنت حريصًا أن لا أحمل نقودًا أكثر مما أحتاج، لكنها بلدان منحت البشرية روائع الأدب والفنون بل جعلت ملايين المثقفين في العالم يقرأون أدابها بمتعة بالغة، تركت بصمتها عليهم، بابلو نيرودا وبورخيس وماركيز وعشرات آخرين، فيما كتبته عنها أبرزت طبيعتها الخلابة، تنوعها الإثني، معاناتها أمام الأوربيين، المؤثرات العربية على عمارتها وثقافتها، أظنها الصورة الأصدق مما يكتبه الإعلام الغربي عنها.
ما الذي تعكف على كتابته أو تستعد لنشره؟
أعكف على أكثر من كتاب، أرجو أن أنجز كتابًا من هذه الكتب أو أكثر خلال هذا العام.




آخر الأخبار