كل الآراء
الشرق الأوسط إلى أين؟
الثلاثاء 01 سبتمبر 2020
5
السياسة
عبير ريدانشهدت الصراعات الأخيرة بين القوى العالمية والإقليمية في تسابقها على السيطرة ومد النفوذ، حروباً من نوع آخر يمكن وصفها بحروب العصر، وهي الحروب الهجينة (Hybrid Warfare)، وتُعرف هذه الحروب بأنها عبارة عن تكتيكات هجومية غير تقليدية،ويصعب رصدها بسهولة. إنها تحركات ونشاطات خفية قابلة للإنكار، يتم اللجوء إليها بهدف التأثير والضغط على السياسة الداخلية للبلدان المستهدفة، ويعرِّف المستشار العسكري الأميركي السابق دافيد كلكيولن في كتابه"حرب العصابات العرضية"، هذه الحرب بقوله:" أن الحرب الهجينة هي أفضل تعبير وتفسير للنزاعات الحديثة والمعاصرة...وتتضمن مزيجاً من الحرب غير النظامية والحرب الأهلية، وأعمال التمّرد والإرهاب".لقد رأينا في السنوات الأخيرة الكثير من الأحداث من ضمن هذه الحرب، منها حدوث العديد من الهجمات على مواقع في سورية والعراق لم تُعلِن أي جهة مسؤوليتها عنها، ووصلت اليد الخفية إلى إيران التي شهدت خلال الشهرين الماضيين عددا من الحرائق والحوادث التي طالت منشآتها، الحادث الأول استهدف منطقة جبلية شرقي العاصمة، يعتقد محللون أنها تحتوي على شبكة أنفاق تحت الأرض لتخزين الأسلحة ومواقع لإنتاج الصواريخ، وربما لها علاقة بنشاط إيران النووي.وجاء الانفجار الثاني في موقع قيد الإنشاء في مجمع"نطنز" النووي، ووفق موقع "ناشيونال انترست" الأميركي فإن هذه الحوادث تبدو جزءا من جهد منظم، لتزيد الشكوك بأن الحرب الخفية بدأت تأخذ سبيلها مكان الحروب التقليدية من أجل التصدي لبرنامج إيران النووي. كذلك الامر في لبنان إذا ثَبُت بأن انفجار مرفأ بيروت كان مفتعلاً من أي جهة كانت، فهو يهدف بالنتيجة لتحقيق هدف معيَّن، وبناء على ذلك إذا ما سلمنا أن كل ما يقع اليوم من انفجارات، وما سيقع سيكون ضمن هذا النهج من الحروب، وهذا ما يثير التساؤل: هل تحولت القوى المتنازعة والمفتعلة للانفجارات إلى استخدام هذا النوع من الحروب، أي إلى صوت الموت الخفي المباغت من دون أن تأبه بأرواح الأبرياء؟وهل سيبقى المرء تحت وطأة التهديد بالتفجيرات كل لحظة، وكل يوم خلال تأديته عمله، وفي تنقله، وفي تواجده في بيته مع عائلته ما إذا كان في مأمن أم لا؟وهل سيظل الناس يعيشون في ظل لحظات المجهول الذي قد يحمل لهم المآسي في أي لحظة من دون أن تنبههم صفارات الإنذار، بل تختطفهم من الحياة رياح الهجينية، ويبقى الجاني بلا محاسبة ولا دليل يدينه؟هذا فضلاً عمّا تسببه من التأثير والضغط السلبي على اقتصاد الدول التي يتم استهدافها، فيتحوّل اقتصادها اقتصاد حرب، حيث الأولوية تكمن في تأمين المواد الأساسية كالوقود والغذاء، وسط تراجع في نشاط العديد من القطاعات الإنتاجية، فيكون المواطن تحت وطأة الخوف الأمني والخوف الاقتصادي. وإلى أي مدى قادرة هذه الحروب على أن تنجح في تحقيق النتائج التي تتوخاها،وهل قادرة أن تشكل قوة ضغط وتحّول سياسي على الدول أو المنظمات المستهدفة، لا سيما أنها حروب أقل تكلفة على مرتكبها، ولا تطاله المسؤولية لاعتبارات عدة، ولعدم توافر الأدلة القوية الثابتة في معظم الأوقات؟ السؤال الأصعب، في ظل هذا المحيط العابق بأحلام وطموحات دول عدة لاستعادة أمجادها وامبراطورياتها الغابرة على حساب الأبرياء هو: متى تنتهي كل الحروب ويعيش الإنسان في أمان كلٌ في وطنه يعمل لأجله ولتقدمه بالسبل السليمة والطرق غير المؤذية للغير، متى تدرك هذه القوى أن الخراب لا يجر إلا الخراب، وليس هناك من نتائج فاعلة وايجابية لكل الأطراف سوى التدمير والمزيد من مسلسلات العنف، ففي ظل هذا الاستبداد ليس هناك من رابح، إنما الكل سينجر للهلاك؟كاتبة لبنانية