الاثنين 14 أكتوبر 2024
36°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

الشكاؤون ... صداع في رأس الحياة !

Time
الاثنين 12 نوفمبر 2018
View
5
السياسة
القاهرة - مي مجدي:


كلما قابلك حدثك عن مشكلاته، وعن حجم المعاناة التي يعيش فيها، ومدى البؤس الذي يشعر به، وكم المتاعب التي لا يستطيع حلها في مختلف نواحي الحياة. الغريب أن هذا الشخص رغم كثرة شكواه، لا يتقبل من أحد نصيحة أو حلا، بل يجدها كلها سطحية ولن تجدي شيئا، ما يجعل المحيطين به ينفرون منه بسبب كمية الشكاوى التي يلقيها في كل وجه يقابله.
حول طبيعة الشخص كثير الشكوى وصفاته وكيفية التعامل معه، كان لـ «السياسة» هذا التحقيق.
تؤكد الدكتورة زينب مهدي استشارية الصحة النفسية والمعالجة النفسية والأسرية أن هناك أنواعا متعددة من الشخصيات، حتى المرضى باضطرابات الشخصية تتعدد أنواعهم، فمنهم المصاب بالاضطرابات النرجسية، البارانودية، الفصامية وغيرها من اضطرابات الشخصية. أما بخصوص سيكولوجية الشخص كثير الشكوى، فهو عادة يتصف بالانغماس في الطاقة السلبية التي تأتي غالبا من تكرار الأحاديث السلبية والشكوى، فهذا التكرار يؤدي إلى تفاقم المشكلات لديه، لأنه ببساطة يصبح كالمغناطيس يجذب المشكلات أكثر وأكثر وبالتالي تتزايد الشكاوى بصورة أكبر. هذا النوع من البشر يتمسك بالألم ويرحب به، ما يضخم من آثاره، لأن الشكوى تكون دائما مصحوبة بألم نفسي، وتكرارها بمثابة تمسك بالألم،حيث يجعل العقل يعيد تفاصيل الألم مرة أخرى، ما يوقع الشخص الشكاي في دائرة الطاقة السلبية والألم النفسي الذي لا ينتهي.
تضيف: كثير الشكوى يغوص في تفاصيل المشكلات وتحليلها مع عدم حلها، لأنه في كل جزء منها يجد شكوى جديدة ومع تكاثر الشكاوى يتكاثر الألم، ورغم أن من يشكو عادة ما يطلب المساعدة أو على الأقل أن يسمعه الطرف الآخر، إلا أن كثرة الشكوى تجعل الطرف الآخر يشعر بالملل فينفض والآخرون عنه رغم احتياجه الشديد لهذه المساعدة حتى يخرج من أزماته لبر الأمان، خصوصا أنه لا يملك زمام أموره بقدر كبير، فهو مثلا يختلف عن الشخص القيادي الذي لا يشكو لأحد لأنه يعرف كيف يحل مشكلاته بنفسه ويتخذ القرارات المناسبة.

صلابة نفسية
يقول الدكتور ناصر عبد الهادي أستاذ علم الاجتماع: هناك أسباب وعوامل مفجرة لهذه الشخصية، أبرزها تلك المواقف والضغوط الحياتية التي جعلت صاحبها كثير الشكوى، فإذا قارنا بين صلابته النفسية وقوة الضغوط التي واجهها، لوجدنا أن الضغوط أكبر بكثير من درجة صلابته النفسية أو تحمله النفسي، خصوصا إذا كان لديه عامل أو استعداد وراثي لا يمكنه من تحمل هذه الضغوط في ظل العوامل المفجرة الحياتية التي تحرك هذا الاستعداد الوراثي الخامل.لافتا إلى أن الشخص الشكاي يعاني من التشرد النفسي بسبب عدم معرفته بما يريد وما لا يريد، وجهله بمفاهيم الحياة الاجتماعية والثقافية التي تنور له طريقه، لذلك لا يكون ثابتا على رأى أو قرار أو صداقة، فهو يعيش حالة دائمة من التردد، كما أنه يفضل عدم الثبات في مكان واحد والتنقل من مكان لأخر ومن وظيفة إلى أخرى، وهذه الحالة موجودة وبكثرة في المجتمعات العمرانية المزدحمة، وأقرب ما تكون إلى الحالة المرضية. وتلعب النشأة الاجتماعية دورها مع هذا الشخص وتركيبته النفسية، لأنها وضعته منذ الطفولة في مواقف محبطة سواء في الأسرة أو المدرسة، جعلته يجد نفسه غير قادر على التصرف، كما تساعد تجاربه الفاشلة في بناء شخصيته منذ الصغر،فيصبح غير راض عن نفسه وعن كل شيء حوله، خصوصا أن الطفل لا يكون مدركا لمهاراته ومواهبه، فيقوم بأعمال لا تناسب قدراته وطاقته الذهنية،فيجد نفسه في المكان الخطأ الذي يفقده الثقة بنفسه، ومع مرور الزمن تتراكم لديه المشكلات وكمية الإحباطات التي مر بها فيصبح كثير الشكوى.

مفتاح الحل
يرى الدكتور أمجد خيري استشاري العلوم السلوكية أن الشكوى تأتي من كثرة الفشل أو الصدمات، وكل منهما يأتي من عدم استبصار الإنسان بذاته، لأنه لو عرف نفسه بدرجة كبيرة سوف يحميها من الصدمات فتقل شكواه، لذلك يجب أن يعلم كثير الشكوى أهمية الاستبصار بالذات، والتعامل مع شكواه في بادئ الأمر على أنها شيء مهم لا يمكن التقليل منه، لأنه توجد نسبة كبيرة من المرضى النفسيين يصاحب مرضهم شكاوي ويريدون حلها، ولو تم التعامل مع شكواهم على أنها غير مهمة فسوف يقعون في أمراض نفسية أخرى، تصل بهم إلى دائرة الاكتئاب، لذلك لابد من إعطاء الاهتمام قدر المستطاع لكثيري الشكوى. مطالبا بضرورة التعامل معهم بمفهوم المنقذ، من خلال إعطائهم المفتاح الذي يساعدهم في حل مشكلاتهم، والحرص على تعليمهم بأنهم فيما بعد يجب أن يكون كل منهم مفتاح نفسه، وأن يتعامل مع أزماته بمفرده، مع الأخذ في الحسبان أن هذا لا يأتي مرة واحدة بل بالتدريب والتدريج.
يشير الدكتور أحمد هارون، استشاري العلاج النفسي، إلى أن هناك نوعا من البشر يتلذذ بجذب تعاطف ومودة الآخرين له، فيجد في المشكلات والأزمات محور الحياة، بصورة تجعله لا يهتم إلا بها ولا يفكر إلا فيها، وبقدر حجم المأساة والمعاناة التي يعيشها تكون متعته،لدرجة أن البعض منهم لا يريد الخروج من هذه المشكلات حتى لو كان لها حلول، حيث يفضل كل منهم الانغماس فيها ويظل يشكي هنا وهناك لجذب التعاطف. مؤكدا أن هذه النوعية من البشر تتردد كثيرا على العيادات النفسية ويتم اكتشافها بمجرد أن يحكي الشخص همومه ومشكلاته التي يعاني منها، فيتم التعامل معه بمساعدته حتى يتخلص من مشكلته، وهناك بعض الحالات ما أن تصبح على وشك الشفاء والخروج من الأزمة،حتى توقف العلاج وتبدأ في البحث عن متخصصين آخرين يجهلون بطبيعة الحالة حتى تستمر معاناتهم لأطول فترة ممكنة، لأن في ذلك قمة المتعة بالنسبة لهم.
إن كثير الشكوى عادة ما يؤذي غيره وكل من حوله بشكواه، يبث في نفوسهم مشاعر وطاقة سلبية، لذلك يعد شخصا غير مرغوب فيه، لأن الفرد دائما يكون بحاجة لمن يعطيه طاقة إيجابية تدفعه إلى الأمام ومواجهة صعاب الحياة، ولمن يحمد ربه على حاله ولا يتذمر لأن النجاة في الرضا والحمد وغير ذلك يضر الشخص نفسه قبل الآخرين، لذا يجب عليه أن يغير سلوكه ليكسب ثقة وحب من حوله.

التحدي المستحيل
يقول الدكتور‏ هاشم بحري أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر: هناك الكثير من الأشياء الموجودة حولنا لا يمكن تغييرها ولا يستطيع الفرد مهما بذل من جهد أن تتغير، مثال على ذلك القوانين والأعراف وحالة الطقس، فعلى الفرد ألا يفكر في هذه الأشياء حتى لا يقع فريسة للاكتئاب بسبب رغبته في تغيير شيء لا يمكن تغييره، لأنه يكون أشبه بالتحدي المستحيل، فإذا لم يتم التعامل مع جميع الأشياء بنفس الطريقة، سوف يوقع نفسه في دائرة الضغط العصبي وزيادة فرص الإصابة بأمراض القلب. خصوصا أن الفرد غالبا يشكو من الأشياء التي لا يمتلكها، من دون النظر إلى الأشياء التي في يده، ويتطلع إلى ما في يد غيره، يبدأ في إرهاق نفسه بكيفية الوصول إلى هذا الشيء، من دون أن يعلم أن الله مقسم الأرزاق. ومن الطرق التي تساعده في البعد عن الشكوى، إعداد قائمة بالأشياء الموجودة في حياته، لأن ذلك سيجعله يدرك أنه محظوظ، لأن غيره لا يمتلكها، كذلك عليه أن يؤمن بأن الشكوى عادة سيئة لا تساعده في الوصول لأي شيء، بل على العكس ترهق تفكيره، وأن الحياة مليئة بالتغيرات وعليه التأقلم مع كل المتغيرات، المتوقعة وغير متوقعة، بجانب البحث عن الجانب الإيجابي في أي موقف يتعرض له، بغض النظر عن صعوبته. كذلك على المحيطين به أن يحرصوا على دعمه وتحفيزه للعيش والتعامل مع المتغيرات من دون الشعور بعدم الرضا أو اليأس، فوجود أشخاص متفائلين حوله يدفعه إلى الأمام.
وقد أكدت الدراسات والأبحاث التي أجريت على كثير الشكوى، أنه يجب أن يعالج الوضع الذي يعيش فيه ويتعامل معه بصراحة وعدم الضغط على النفس لعدم الشعور بالاكتئاب، وأن أحد أسباب عدم انسجام الشخص مع الواقع بعده عن الطبيعة بالمقارنة مع جيل الآباء والأجداد الذين ارتبطوا بالطبيعة في مزارعهم وحقولهم، وبالصحراء والأشجار والنباتات والحيوانات، لافتا إلى أن أحد الأبحاث النفسية التي أجريت في بريطانيا أشار إلى أن هناك علاقة قوية بين هدوء النفس وشعورها بالاستقرار وبين الشعور بجمال الطبيعة والحياة معها، لذلك يكون سكان المدن هم الأكثر عرضة لكثرة الشكوى بسبب بعدهم عن الطبيعة، ووجد البحث أنهم بحاجة للعيش وسط الزهور والطبيعة للشعور بها على حقيقتها، بعيدا عن الضوضاء والمشكلات التي تملأ المدينة. كما أثبت الباحثون أن لشروق الشمس تأثيرا إيجابيا على النفس والشعور بالرضا، لأنه يجعل الشخص يشعر بقدوم يوم جديد، يتطلب منه المزيد من العمل والنشاط وحب الحياة، كما أن الإيمان بالله تعالى من أبرز عوامل الشعور بالرضا وعدم الشكوى، لأن في الدين تغذية روحية تملأ القلب طمأنينة وسكونا ورضا بما قدره الله للفرد.
آخر الأخبار