الجمعة 20 سبتمبر 2024
32°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الافتتاحية

الشيخ أحمد النواف... رسول كسرى لعمر: "حَكَمْتَ فَعَدَلْتَ فأمِنْتَ فَنِمْتَ"

Time
الاثنين 01 مايو 2023
View
11
السياسة
أحمد الجارالله

يعمل الفاسدون على ضمان مُستقبلهم حتى في السّجن؛ لأنَّ بعيد النظر منهم يتوقع مصيرَهُ، وفي هذا الشأن تُروى قصة عن رئيس وزراء إحدى الدول كان في جولة على بعض مؤسسات الدولة، ومنها روضة أطفال، فسأل وزير ماليته: "كم ميزانية طعام الطفل شهرياً؟".
فقال له: "400 دولار".
أجاب: "هذا كثير، خفضوها إلى 200 دولار!".
في اليوم التالي زار الرئيس السجن فسأل وزير المالية: "كم ميزانية طعام السجين شهرياً؟".
أجاب الأخير: "400 دولار".
فقال له: "هذا قليل، ارفعوها إلى 800 دولار"!
هنا سأله الوزير: "لماذا يا سيادة الرئيس خفضت مخصصات طعام أطفال الروضة، ورفعت مخصصات المسـاجين؟!".
قال: "هل تعتقد أننا بعد ترك الوزارة سنذهب إلى الروضة؟".
يُدرك الفاسدون إما أنهم سيذهبون إلى السجن، وإما سيتركون بلادهم؛ كي يهربوا من المحاسبة، لهذا يغضون النظر عن مخالفات كبيرة في الدولة؛ كي يشعر الجميع أن الفساد سمة اجتماعية عامة.
هذه القاعدة التي استنها هؤلاء، مقابلها قواعد صارمة في المحاسبة، ومنها أن الحاكم نفسه لا يحيد عن الطريق القويم، فقد روي عن الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه قال: "لَوْ مَاتَتْ شَاةٌ عَلَى شَطِّ الْفُرَاتِ ضَائِعَةً، لَظَنَنْتُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى سَائِلِي عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
ولهذا حين قدم رسول كسرى على الخليفة العادل الفاروق، وسأل عنه، قيل له: "إنه نائم تحت تلك الشجرة"، فوجده بلا حراسة أمنية، فقال قولته الشهيرة: "حكمت فعدلت فأمنت فنمت"، فلو كان الخلفاء الراشدون حادوا عن العدل في الإدارة، وراعوا المحاسيب والمقربين والأحباب لكان انهيار الدولة سريعاً وفي عهد مبكر، لكن هؤلاء أقاموا الحدود على المقربين منهم، قبل العامة.

سمو رئيس مجلس الوزراء
حين يصبح القانون وجهة نظر، وليس حداً لا يتجاوزه المسؤول قبل المواطن، تضيح الحقوق، بل تصبح قاعدة "ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم" هي المقياس، ومن هنا تعمُّ الفوضى التي يصنعها فساد الإدارة.
أذكر أنه في العام 2008، على ما أظن، اكتشف نائب رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن راشد أن هناك مسؤوليْن اخلتسا بعض المال، واستغلا منصبيْهما، فأمر فوراً بإيداعهما السجن ورد الأموال، وأصدر جملة قرارات قطع بموجبها الطريق على الفاسدين، ومنذ ذلك الحين إلى اليوم لم يكشف عن مختلس أو فاسد، بل الجميع يعملون بنزاهة في خدمة بلادهم.
ولو كان الملك سلمان بن عبدالعزيز انتظر القانون، ولم يصدر توجيهات إلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للبدء بحملة على الفساد لكانت الميزانية السعودية لا تزال تعاني من عجز كبير إلى اليوم، لكن حين اتخذ القرار بأن يكون "الريتز" مكاناً لإقامة الفاسدين، الذي استحوذوا طوال نحو ثلاثين عاماً على ما نسبته 10 في المئة من ميزانية الدولة، وعمموا الفساد في المؤسسات، وحين بدأت محاسبتهم عادت مالية الدولة إلى الوفرة.

سمو الشيخ أحمد النواف
لا يُمكن الإصلاح في ظلِّ المُحاباة وغياب المحاسبة، و"هذا ولدنا"، وانتظار القانون الذي فيه من الثغرات ما يجعل سُرّاق المال العام يأمنون العقاب، أو يهربون إلى الخارج؛ كي يتمتعموا بالمال العام المنهوب، لذا تذكر قول رسول كسرى إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وانظر إلى من يُعانون في السجون جرّاء قرض بسيط أوقعهم في حبائله المُرابون والدولة العميقة، وتذكر قول الله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ..."؛ لأنَّ العدلَ أساسُ الملكِ.

[email protected]
آخر الأخبار