كتب - فالح العنزي:دائما يظل النص المكتوب بحرفية هو العنصر الأقوى، خصوصا فوق خشبة المسرح، وهو ما وجدناه في "الصبخة"، الذي عرض بمسرح عبدالحسين عبدالرضا، من تأليف واخراج د.عبدالله العابر الذي راهن على أن عمله "سيكون مختلفا، مغايرا، جريئا، عاطفيا يجمع بين التراث والحياة المعاصرة"، حتى أبصرت قصة "فهد ومريم" فوق خشبة المسرح ونالت اشادات وجوائز في "الشارقة المسرحي"، ابطال العمل هم ابطال مسرح حقيقيون، سماح، يوسف البغلي، علي الحسيني، عبدالعزيز بهبهاني، الاء الهندي، كفاح الرجيب ومنال الجارالله، اداء محترف ومتقن، كان هناك تشبع ومعايشة حقيقية لكل شخصية انعكست ايجابا فوق الخشبة، ولعل ذلك ما يميز المخرج العابر، إذ ينكب أولا على النص ثم يقوم بورشة مكثفة يشتغل من خلالها على أداء الممثلين. في "الصبخة" حظي العابر بكتيبة ممثلين، كل منهم في رصيده عشرات الجوائز، كما غرد العابر المؤلف بعيدا عن القضايا، التي تشغل الساحة حاليا من حروب وسوشيال ميديا وغيرها وعاد الى الزمن الجميل، زمن الحب والعاطفة، زمن "مريم وفهد" اللذين جمعهما الحب المرفوض من أسرتيهما، "ما عندنا هالخرابيط وهذا عيب واللي ما يتوب يدفع الثمن غالي وباهظ"، جملة كانت كفيلة بدفع فهد للمحافظة على حبه، فاختار ومريم طريقهما فأنجبا منصور ومريم، فهد كان أبا بغيضا مع ابنته رحيما مع ابنه، لأنه يرى في ابنته الخطأ الذي ارتكبه مع أمها ويعتقد بأنها ستعيد الكرة ذاتها مع شاب آخر، الأم سئمت من معايرته لها كلما استعطفته ليغدق على ابنتهما قليلا من العاطفة، لكنه كان متزمتا قاسيا ويذكرها بأن الحسنة الوحيدة التي تجمعهما هو "منصور"، الابن ضحية والده، شاب معقد نفسيا واجتماعيا يدفع ثمنا باهظا بسبب سوء تربيته وسلطوية أب لا يعرف الرحمة، لمحة واشارة عابرة يرمي بها المؤلف ليعرفنا على التحول في حياة الأب وسبب تربيته القاسية، فعندما كان الأبوين خارج المنزل تركا الابن والابنة في المنزل خوفا من أن يدق قلبيهما الحب وبعد عودتهما اكتشفا بأن الابن نال من شقيقته، فتم التخلص منها بداعي الشرف، في كل مناسبة تظل المرأة هي بذرة الحب الأولى وغرسته من دون منازع فمهما تلاطمتها الأمواج تظل محتفظة بالحب، هكذا أظهرها المؤلف عبدالله العابر.المخرج العابر ترجم رؤيته الإخراجية في المشهد الاستهلالي عندما وضع أبواب وقضبان حديدية وامرأة، تجول بين سامرية عاطفية وجمل حوارية حبلى بالحب وأخرى تئن من الظلم والخوف والخنوع والذكريات المؤلمة ومشاهد متحركة، اضاءة بلغة مختلفة بحسب الحدث، تارة تنير قصة هنا ثم تنتقل لتنير قصة أخرى هناك، كانت الإضاءة عنصرا فاعلا منذ بداية العرض حتى آخره، أحيانا نجدها بمثابة لسان للحالة التي يعيشها الممثل فوق الخشبة، هذه النوعية من الأعمال لا تحتاج إلى فرد عضلات في السينوغرافيا، لذا لم يبالغ العابر في الديكور وتركه بسيطا جميلا مثلما هي قصة "فهد ومريم"، لكنه فرد عضلاته في تقديم فرجة بصرية كانت ملاذا حقيقيا للجمهور، فكانت الرقصات والموسيقى والأشعار بمثابة الطوق الجميل الذي يحيط بنا فنبحر في جمالية الجمل المشهدية والأداء الرائع وننسى الرتابة الحوارية والمط، حتى قطع الديكور لم يكن تحريكها عبثا بل موظفا بشكل محترف، "الصبخة" عمل مسرحي لفرقة مسرح الخليج يستحق الاشادة بكل عناصره وهو عمل مدعاة فخر خصوصا في المهرجانات المسرحية الخليجية والعربية.

مشهد من "الصبخة"

عرض فرقة مسرح الخليج العربي

تميز أدائي لنجوم المسرحية (تصوير - محمد مرسي)