* لوبانوفسكي ابتكر الطريقة في دينامو كييف... ورانغنيك نشرها في ألمانيا * ساكي طبَّق الثقافة الأوكرانية في ميلان... وغوارديولا وضع الأساس لتطويرها * "الكاتيناتشو" و"الكرة الشاملة" و"الاستحواذ" اختفت أمام نفوذ "الضغط العالي"في أحد ملاعب التدريب بالقرب من بلدة أوستفيلديرن، في جنوب شرقي مدينة شتوتغارت الألمانية، وبالتحديد في شهر فبراير من عام 1983، كان فريق فيكتوريا باكنانغ الذي يلعب في دوري الدرجة السادسة، يخوض مباراة ودية أمام دينامو كييف بقيادة المدير الفني الأوكراني فاليري لوبانوفسكي، الذي قاد منتخب الكويت بين العامين 1994 و1996.وفي تقرير أعده الصحافي البريطاني جوناثان ويلسون المتخصص في شؤون كرة القدم ونشرته صحيفة الشرق الاوسط عبر موقعها الالكتروني، فان رالف رانغنيك، ذلك الشاب الذي كان يلعب ويدرب فريق فيكتوريا باكنانغ في الوقت نفسه، كانت هذه المباراة بمثابة تجربة مبهجة للغاية. وعندما كانت الكرة تخرج خارج الملعب لرمية تماس، كان رانغنيك يقوم بعد لاعبي دينامو كييف، معتقداً أن الفريق الأوكراني ربما دفع بلاعب إضافي إلى أرض الملعب، نظراً لأن لاعبي دينامو كييف يبدون أكثر عدداً داخل المستطيل الأخضر. لم يكن الأمر كذلك بكل تأكيد، لكن رانغنيك انتابه هذا الشعور نظراً لقوة الضغط الذي يمارسه لاعبو الفريق الأوكراني على لاعبي فريقه. ومن هنا برزت فكرة أن الضغط المتواصل على حامل الكرة سيكون له تأثير كبير على التطور الخططي والتكتيكي لكرة القدم في المستقبل.وظل دينامو كييف يأتي إلى ألمانيا لمواجهة فيكتوريا باكنانغ، كما ظل رانغنيك الذي يشغل الآن منصب رئيس الرياضة والتنمية في نادي رد بول سالزبورغ النمساوي، في دراسة الطريقة التكتيكية التي يعتمد عليها النادي الأوكراني. ومع تطور حياته المهنية، أصبح رانغنيك جزءاً من مجموعة من المديرين الفنيين المولعين بخطط اللعب التي تعتمد على الضغط المتواصل على حامل الكرة.وقد نقل المدير الفني الإيطالي أريجو ساكي هذه الثقافة إلى نادي ميلان الإيطالي. وأصبح هيلموت غروس، وهو مهندس إنشائي علَّم نفسه النظريات الخططية والتكتيكية في عالم كرة القدم، صديقاً مقرباً لرانغنيك، وقاما سوياً بتطبيق نظام الضغط العالي والمتواصل على حامل الكرة في صفوف الناشئين بنادي شتوتغارت.واتبع المدرب فولكر فينك الأسلوب نفسه، وحقق نجاحاً ملحوظاً مع فرايبورغ، وقاده لاحتلال المركز الثالث في جدول ترتيب الدوري الألماني الممتاز في عام 1995، وسحق بايرن ميونيخ بخمسة أهداف مقابل هدف وحيد في ذلك الموسم. وهبط النادي بسبب بعض المشكلات المالية، وأقيل فينك من منصبه، لكن ما فعله كان بمثابة إشارة على أن هناك ثورة خططية تختمر تدريجياً في عالم كرة القدم.وكان فولفغانغ فرانك يلعب مهاجماً في صفوف إينتراخت براونشويغ في السبعينات من القرن الماضي، لكنه كان متأثراً للغاية بالمدير الفني الإيطالي أريجو ساكي. وبالتالي، عندما تم تعيينه مديراً فنياً لنادي ماينز المتعثر في دوري الدرجة الثانية الألماني في سبتمبر عام 1995، بدأ في تطبيق الأساليب الإيطالية.وقال يورغن كلوب، المدير الفني الحالي لنادي ليفربول وأحد مدافعي ماينز في ذلك الوقت: "لكننا قلنا لأنفسنا إنه إذا كان نجوم بحجم رود خوليت وفان باستن قد تعلموا هذه الأشياء في ميلان، فيتعين علينا أن نتحمل عناء ذلك". لكن كلوب أخذ هذه الأفكار إلى آفاق جديدة، حيث وجد في ليفربول نادياً كانت أفضل أيامه السابقة تعتمد على طريقة الضغط على حامل الكرة (وإن كان الأمر في السابق يختلف تماماً عما يحدث حالياً). وأصبحت طريقة الضغط التي يعتمد عليها كلوب حالياً – التي تعتمد على الحركة المتواصلة والشراسة في الانقضاض على حامل الكرة - هي الآن الأسلوب التكتيكي الأبرز في عالم كرة القدم الآن، وهو الأمر الذي أدى إلى ضرورة حدوث تطور، حتى في الطريقة التي يعتمد عليها المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا، الذي كانت طريقته التي تعتمد على التمرير السريع والاستحواذ على الكرة في برشلونة، هي التي وضعت الأساس لهذا التطور.وتكاد جميع الأندية في أعلى المستويات الآن تعتمد على طريقة الضغط المتواصل والشرس على حامل الكرة، بدءاً من أنطونيو كونتي، مروراً بإريك تين هاغ، وماوريسيو بوكيتينو، ووصولاً إلى خورخي جيسوس، وكريستوف غالتير وخورخي سامباولي.وهناك جيل من المديرين الفنيين الذين تعلموا في الدوري الألماني الممتاز كيفية تطوير طريقة الضغط المتواصل على حامل الكرة. ويعد جوليان ناغيلسمان الذيخلف رانجنيك مديراً فنياً لنادي لايبزيغ، هو أبرز المديرين الفنيين في هذا الأمر. لكنهذه المجموعة تضم أيضاً لوسيان فافر وماركو روز في ألمانيا، ورالف هاسينهوتل (الذي تولى قيادة لايبزيغ في الفترة بين ولايتي رانغنيك) ودانييل فارك وتوماس فرانك في إنكلترا.تبنٍ ألماني للفكرة ويبدو أن ألمانيا بعد أن قاومت فكرة الاعتماد على طريقة الضغط المتواصل لفترة طويلة، قد بدأت تتبنى هذه الطريقة بشكل كامل، كما أن الشعور بالإثارة لتبني خطة تكتيكية جديدة وعدم وجود تصورات مسبقة لهذه الخطة، قد جعل الأمر يرتقي إلى آفاق جديدة في نهاية المطاف. لكن فيما يتعلق بكيفية تطور كرة القدم الأوروبية على أعلى المستويات، فإن النمط الحديث لهذه الطريقة لم يكن معتاداً. وفي محاولة لتتبع الاتجاهات المتعلقة بهذه الخطة التكتيكية، هناك خطر دائم يتمثل في التبسيط المفرط للأمور. لكن تجب الإشارة إلى أن تطوير الخطط التكتيكية ليس قالباً جامداً، لكنه يخضع لمجموعة من القوى والعوامل الاقتصادية والعلمية والثقافية، وكذلك قدرات اللاعبين أنفسهم. لكن يظل هناك شيء جدلي بطبيعته حول هذا الموضوع.وعندما يلعب أحد الفرق بطريقة معينة وتنجح هذه الطريقة، تقوم فرق أخرى على الفور بتقليده، بينما يعمل الآخرون على إيجاد طريقة لمواجهة هذه الخطة، وتصبح هذه الطريقة الجديدة هي المهيمنة والمسيطرة حتى يتم العثور على وسيلة للتصدي لها، وبالتالي تتغير اللعبة مرة أخرى.وتستند كل خطوة من هذه الخطوات على معرفة ما حدث من قبل، كما أن التطورات الخارجية – مثل التقدم في علم التغذية لتحسين اللياقة البدنية أو التقدم في التكنولوجيا لتحليل أداء اللاعبين، على سبيل المثال - تفتح إمكانات وآفاق جديدة.انحسار الطرق الدفاعيةلكن كان هناك وقت بدا فيه أن النمط السائد والمهيمن في كرة القدم الأوروبية على أعلى المستويات يتأرجح بين الهجوم والدفاع، حيث تلاشى طابع اللعب الحر الذيكانت تعتمد عليه أندية مثل ريال مدريد الإسباني وبنفيكا البرتغالي، لصالح طريقة "الكاتيناتشو" الإيطالية التي تعتمد على الدفاع في المقام الأول، والتي تراجعتبدورها وحلت محلها "الكرة الشاملة"، ثم جاء بعد ذلك الضغط العالي خلال السنوات التي تهيمن فيها الأندية الإنكليزية على الساحة الأوروبية.وبعد طريقة الضغط المتواصل التي كان يعتمد عليها ساكي، جاء الدور على الطريقة الأكثر حذراً التي كان يعتمد عليها مارسيلو ليبي، ثم ظهرت طريقة 4 - 2 - 3 – 1، والاعتماد على اللاعبين الذين لديهم القدرة على المراوغة والمرور من لاعبي الفريق المنافس، قبل أن يأتي عصر الاعتماد على التكتل الدفاعي مع جوزيه مورينيو ورفائيل بينيتز. وفاز منتخب اليونان بكأس الأمم الأوروبية معتمداً هذه الطريقة. وبعد ذلك، جاء غوارديولا بطريقته التي تعتمد على التمرير السريع والاستحواذ على الكرة، ثم الطريقة التي تعتمد على الضغط المتواصل على حامل الكرة.ويعني هذا أن آخر طريقتين (الاستحواذ على الكرة والضغط المتواصل) هما طريقتان تعتمدان على الهجوم في المقام الأول. وربما يكون السبب وراء انحسار طرق اللعب الدفاعية هو العوامل التجارية التي تبحث دائماً عن المتعة والإثارة، إلى جانب هيمنة الأندية الكبرى على الساحة المحلية، والتغييرات التي طرأت على قوانين وقواعد اللعبة حتى تصبح أكثر متعة.أفكار متنوعة لكن يجب الاعتراف بأن التمييز بين الهجوم والدفاع كان دائماً مضللاً، فعلى سبيل المثال يميل المدير الفني الهولندي لويس فان غال إلى استخدام مصطلح "الهجوم" ببساطة ليعني امتلاك الكرة، لكن هناك كثيرين يرون أن أسلوبه الذي يعتمد على الاستحواذ على الكرة هو أسلوب عقيم. وهناك مثال آخر يتمثل في أن المنتخب الألماني بقيادة يواخيم لوف في كأس العالم 2010، كان يلعب علىالهجمات المرتدة السريعة، لكنه كان يقدم كرة قدم أكثر إثارة من تلك التي كان يقدمها المنتخب الإسباني بقيادة فيسينتي ديل بوسكي. وهذه هي المفارقة الغريبة فيما يتعلق بطريقة الضغط: فعندماتسعى لاستعادة الكرة فإن ما تقوم به يندرج تحت مصطلح "دفاعي"، رغم أن هذا الأمر ضروري للغاية من أجل الحصول على الكرة لكي تقوم بشن الهجمات على مرمىالفريق المنافس. وبعبارة أخرى، فإن هذا هو الشكل المثالي للدفاع والإثارة والديناميكية، لعالم يبحث دائماً عن المتعة المستمرة لجمهوره عبر شاشات التلفزيون. وربما يكون التناقض الأكبر يتمثل في أن الأسلوب السائد في عصر كرة القدم الذي يعتمد على الرأسمالية المفرطة كان مستوحى في الأساس من فريق سوفياتي كان يلعب تحت قيادة مدير فني شيوعي!

رانغنيك من أوائل المولعين بالضغط على حامل الكرة

لوبانوفسكي عراب "الضغط العالي"