الأحد 14 ديسمبر 2025
19°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الاقتصادية

الطبيعة القانونية للوكالات الواردة في قانون هيئة أسواق المال

Time
الأحد 27 يناير 2019
السياسة
بقلم - د.محمد رباح

تضمن القانون رقم 7 لسنة 2010 ولائحته التنفيذية صراحة نوعين من الوكالات: الأولى هي وكالة التصنيف الائتماني، والثانية وكالة المقاصة. وقد عُرّفت وكالة المقاصة بأنها "أي كيان يوفر مرفقا يتولى عملية التسوية والتقاص بين متداولي الأوراق المالية فيما يتعلق بالدفع أو التسليم أو كلاهما، ويقوم بتوفير الخدمات الخاصة بذلك ومنها خدمة إيداع الأوراق المالية ضمن نظام مركزي لحفظ ونقل الملكية". ومن الملاحظ على هذا التعريف أنه استخدم مصطلحاً ليس له مدلول قانوني واضح في القانون الكويتي وهو لفظ "كيان" ويطلق هذا اللفظ على الأشخاص الذين تثبت لهم الشخصية القانونية سواء كان شخصاً طبيعياً أو شخصاً اعتبارياً، وكذلك تطلق على الحالات التي لم تثبت لها الشخصية القانونية مثل "الأسرة" واستخدام لفظ "مرفق" في القانون الخاص والذي عادة ما يستخدمه المشرع في أساليب القانون العام. فكلمة "كيان" استخدمت في مناطق قليلة في التشريع الكويتي، حيث استخدم المشرع كلمة "كيان" في المادة (9) من الدستور الكويتي عندما تحدث عن الأسرة كأساس للمجتمع والقانون يحفظ كيانها، كما استخدم اللفظ ذاته في المادة (16) من الدستور عندما تحدث عن الملكية ورأس المال والعمل كمقومات أساسية لكيان الدولة الاجتماعي، وورد لفظ "كيان" في المادة (395) من قانون التجارة عندما تحدث المشرع عن الديون المترتبة لأحد الطرفين إذا دخلت الحساب الجاري فقدت صفتها الخاصة وكيانها الذاتي، فضلاً عن أن المذكرة التفسيرية لقانون الشركات التجارية ورد فيها هذا اللفظ عندما تحدثت على أن التعديل في عقد التأسيس أو في النظام الأساسي هو تعديل في كيان الشركة. وكذلك وردت كلمة "كيان" في المادة الأولى من القانون رقم 10 لسنة 2007 بشأن حماية المنافسة حيث عرّف الأشخاص في البند (ب) على أنهم "الأشخاص الطبيعيون والأشخاص الاعتباريون ومنها: التجار والشركات بجميع أنواعها والكيانات الاقتصادية...". ويدل لفظ "كيان" المستخدم في القانون رقم 7 لسنة 2010 على أن المشرع لم يرد أن يحسم الشكل القانوني لوكالة المقاصة وترك تحديد الطبيعة القانونية لوكالة المقاصة إلى هيئة أسواق المال. كما أن لفظ "مِرفق" لم يرد إلا ثلاث مرات فقط في التشريع مقترناً بلفظ "عام" فينصرف مفهوم كلمة مرفق إلى المرافق العامة للدولة كما ورد في المادة (152) من الدستور الكويتي حين تحدث عن أن الالتزام باستثمار مورد من موارد الثروة الطبيعية أو مرفق من المرافق العامة لا يكون إلا بقانون ولمدة زمنية محدودة، كما ورد لفظ "مرفق" في قانون التعبئة العامة في المادة (7) بند سادساً حيث ذكر أن الاستيلاء على العمليات الخاصة بموضوع التزام مرفق عام أو على المحال التي تعمل لحساب الحكومة، وأخيراً المادة (3) من القانون رقم 8 لسنة 2001 في شأن تنظيم الاستثمار المباشر لرأس المال الأجنبي في دولة الكويت والمتعلقة بإصدار التراخيص حيث نصت على أنه "وكل التزام باستثمار مورد من موارد الثروة الطبيعية أو مرفق من المرافق العامة لا يكون إلا بقانون ولزمن محدود". وبالتالي نستطيع القول بأن المشرع استخدم لفظ "مرفق" لوصف الخدمات التي تقدمها الدولة للجمهور وفق قواعد القانون العام، فالمرافق العامة: هي كل نشاط يدار لمصلحة الجمهور ووفق أساليب القانون العام كمرافق البلدية. وكان من الأجدر بالمشرع أن يعرّف وكالة المقاصة باستخدام أساليب القانون الخاص، وذلك لطبيعتها القانونية (كشركة تجارية) تعمل وفق قواعد القانون الخاص، ولا يستخدم ألفاظ القانون العام مثل لفظ مرفق الذي قد يثير اللبس عند تطبيق القانون. وفيما يتعلق بلفظ "المقاصة" فهو تحديد مراكز أطراف التداول وما لهم من حقوق وما عليهم من التزامات تجاه بعضهم البعض. ويتضح مما سبق أن "وكالة المقاصة" هي جهة تقوم -كوكيل بأجر -بتحديد مراكز أطراف التداول وما لهم وما عليهم من حقوق تجاه بعضهم البعض، وتسوية تداولات الأوراق المالية وتحويل ملكيتها ودفع المبالغ المترتبة عليها وقبضها، وحفظ الأوراق المالية لحساب مالكيها مقابل تسليمهم ما يدل على ملكيتهم لها. أما فيما يتعلق في أعضاء وكالة المقاصة فهم أشخاص مرخص لهم تتفق معهم وكالة مقاصة على القيام ببعض المهام التي تقوم بها.
أما بالنسبة لوكالة التصنيف الائتماني فالقانون استخدم مصطلح "وكالة التصنيف الائتماني" والتي لا تزاول أعمالها أو نشاطها لتحقيق أغراضها إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من هيئة أسواق المال. ويمكن إفراغ هذا التعريف إلى ثلاثة أجزاء: الجزء الأول يتمثل في أن المشرع وكذا اللائحة استخدما مصطلح "وكالة التصنيف الائتماني"، وبطبيعة الحال فإن هذا المصطلح لا ينسجم مع ما يرمي إليه باعتبار أنها ليست وكالة ولا تنطبق عليها أحكام الوكالة، ويمكن الذاهب في تسميتها إذا كانت تندرج تحت أشخاص القانون الخاص "شركة تصنيف ائتماني أما إذا كانت تندرج تحت أشخاص القانون العام "هيئة أو مؤسسة تصنيف ائتماني، لأن الجزء الثاني من هذا النص والذي يتمثل بالشخصية الاعتبارية اشترط على من يتولى عملية التصنيف الائتماني أن يكون شخصاً اعتبارياً ولا يمكن للشخص الطبيعي مزاولة نشاط التصنيف الائتماني، أما الجزء الثالث فهو وجوب حصول هذا الشخص الاعتباري على ترخيص بمزاولة هذا النشاط، ولذلك لا يمكن لوكالة التصنيف الائتماني مزاولة نشاطها إلا بعد الحصول على ترخيص من قبل الهيئة ولم يتطلب القانون أن يكون الشخص الاعتباري شركة مدرجة في البورصة، ولذلك يمكن أن يأخذ الشخص الاعتباري أي شكل من أشكال الشركات. أما بشأن التصنيف الائتماني ذاته فهو عبارة عن عملية تهدف إلى توفير المعلومات والتقييم المستقل بشأن مدى ملاءمة المؤسسة المالية وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها التعاقدية، أو جودة الأوراق أو المنتجات المالية، وفي الوقت ذاته لا يعتبر التصنيف ضمانا بقدرة المؤسسة على الوفاء بالتزاماتها. وقد عرّف قانون الأوراق المالية الأمريكي وكالة التنصيف الائتماني بأنها "أي شخص -(أ) يعمل في مجال إصدار التصنيفات الائتمانية على الإنترنت أو من خلال وسيلة أخرى يمكن الوصول إليها بسهولة، مجانا أو بمقابل رسوم معقولة، ولكنها لا تشمل إعداد تقارير الائتمانية للشركات بشكل تجاري؛ (ب) ويستخدم نموذج كمي أو نوعي، أو كليهما، لتحديد التصنيفات الائتمانية؛ (ج) ويتلقى الرسوم من المصدرين أو المستثمرين أو غيرهم من المشاركين في السوق، أو تكون الرسوم عبارة عن مزيج يتلقاه من هؤلاء الأشخاص". وبذلك نجد أن القانون الأمريكي لم يعتد بإعمال فكرة الوكالة على وكالة التصنيف الائتماني بالرغم من أنه أطلق لفظ "وكالة التصنيف الائتماني" عليها. وبعكس المشرع الكويتي، قام المشرع الأمريكي بتعريف معنى التصنيف الائتماني حيث نص على أنه " يعني مصطلح "التصنيف الائتماني" تقييم الجدارة الائتمانية للملتزم ككيان أو فيما يتعلق بأوراق مالية أو أدوات مالية محددة".
ومما تقدّم يلاحظ أن القانون ولائحته التنفيذية لم يعرّفا الوكالات ذاتها في هذا الخصوص، وبالتالي فإن عدم اعتماد تعريف محدد لمفهوم الوكالة يقود للبحث في طبيعة عمل ومضمون كل من وكالة التصنيف الائتماني ووكالة المقاصة، ويمكن إرجاع لفظ "الوكالة" الذي استخدمه المشرع في قانون هيئة أسواق المال ولائحته التنفيذية فيما يتعلّق بالتصنيف الائتماني والمقاصة إلى مفهوم الوكالة وفقاً لما نص عليه القانون المدني في المادة (698) حيث عرفها بأنها عقد يقيم به الموكل شخصا آخر مقام نفسه في مباشرة تصرف قانوني، وبهذا المعنى الدقيق فإن وكالة التصنيف الائتماني تخرج من المفهوم لأن وكالة التصنيف الائتماني لا تعتبر وكيلا عن الأطراف ذات العلاقة في عمليات التصنيف الائتماني، في حين أن وكالة المقاصة تعتبر وكيلا عن الأطراف ذات العلاقة في عمليات التسوية عن ناتج عمليات التداول. وبالذهاب إلى أبعد من ذلك، تعتبر وكالة المقاصة وكالة تجارية وفقا لما نص عليه قانون التجارة الكويتي في المادة (5) حيث نص على أنه "تعد أعمالاً تجارية الأعمال المتعلقة بالأمور الآتية، بقطع النظر عن صفة القائم بها أو نيته..." وذكر في البند (6) منها تأسيس الشركات وبيع وشراء الأسهم، فالاعتداد بالشخصية الاعتبارية وعملية بيع وشراء الأسهم عملاً تجارياً بنص القانون، مما يترتب عليه أن تكون وكالة المقاصة باعتبارها "شخصاً اعتبارياً" مرخص له في تنفيذ عملية التقاص والتسوية المترتبة عن عمليات بيع الأسهم عملاً تجارياً، وتكون الوكالة في هذا العمل بأجر وفقاً لما نصت عليه المادة (261) فقرة (1) من قانون التجارة الكويتي ما لم يتفق على غير ذلك، وبالتالي فإن وكالة المقاصة تعد وكالة بالمعنى التقليدي، في حين أن وكالة التصنيف الائتماني لا تعتبر كذلك البتة.

دكتور القانون التجاري وأسواق المال
كلية الحقوق – جامعة الكويت

آخر الأخبار