الاثنين 30 سبتمبر 2024
32°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

الطلاق المتأخر... حصاد الزواج الفاشل

Time
الأحد 22 يوليو 2018
View
5
السياسة
القاهرة - علا نجيب:

بعد سنوات العشرة والحب الطويلة ورحلة كفاح كان الزمن شاهدا عليها، أبناء باتوا على أعتاب مرحلة الشباب، يلجأ بعض الأزواج والزوجات للتخلص من حياتهم الزوجية، دون الاكتراث للمحيطين بهم أو سنوات عمرهم الطويلة وقد أكدت دراسة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر، أن طلاق سن الخمسين يعود للعزوف العاطفي، رغبة الرجل في اختيار زوجة تلبي احتياجاته العاطفية والجنسية. فيما أكد معهد « جوتليو جاراس» البرازيلي للدراسات الاجتماعية أن مصطلح «مزاج الشيخوخة»، الذي يعصف بالطرفين يعد أحد أسباب اقدامهما على الانفصال، اذ يشعر الشريك بالتردد والحيرة فيقرر تغيير حياته كلها.
عن الأسباب التي تدفع بعض الأزواج والزوجات لوضع نهاية لحياتهم الزوجية والطلاق في خريف العمر، أجرت «السياسة»، هذا التحقيق.
تحفل محكمة الأسرة بقصص لزيجات استمرت طويلا لكنها انتهت بين جدرانها، ومنها قصة السيدة آمال التي لم تكن تتخيل بعد أن تخطت الخمسين من عمرها أن يقدم زوجها على الانفصال عنها بعد زواج استمر أكثر من عشرين عاما، نجم عنه ثلاثة أبناء، أصغرهم بالمرحلة الثانوية، بعدما ساندته في رحلة كفاحه الشاقة، حتى بات واحدا من أشهر رجال الأعمال، الذين يشار اليهم بالبنان في مدينتها الهادئة بمحافظة الغربية.
تعرف الزوج المتصابي على احدى الفتيات اللعوب، التي أوهمته بالحب والسعادة التي لم يعد يجدها في زوجته العجوز، على حد قولها، ليقرر بعدها الانفصال عنها وتطليقها طلقة بائنة رغم توسلات أبنائه ودموعهم.
قررت طرق أبواب محكمة الأسرة للحصول على حقوقها الشرعية، بمجرد معرفة الزوج بنواياها ثارت ثائرته، حاول التعدي عليها، ضاربا بسنوات العشرة عرض الحائط، لتصاب بمرض نفسي أقعدها عن الحركة، غابت عن الوعي والادراك.

مكافأة نهاية الخدمة
تقول «سمية «، تزوجت في سن الخامسة عشرة من أحد أقاربي، الذي كان يكبرني بعشر سنوات ، انتقلت للعيش معه في منزل والده المتواضع، عاهدت نفسي أن أسانده وأقف بجانبه مهما حدث، بعت قطعة الأرض التي ورثتها عن والدى لشراء أحد المحال التجارية لبيع قطع غيار السيارات.
عشت مع زوجي أكثر من ثلاثين عاما، رزقنا الله رزقا كبيرا، عشنا في سعادة وهناء مع أطفالنا الأربعة، نجحنا في تعليمهم وتزويجهم، الا أن الأحوال تبدلت وتغيرت عندما تعرف زوجي على أحد أثرياء القرية، وكان له علاقات نسائية عديدة، أغوي زوجي باحدى الفتيات، التي نجحت في اصطياده، تزوج منها دون مراعاة مشاعر أبنائه أو سنوات عشرتنا الطويلة. شعرت بتغير في معاملته، أصبح يعتدي على بالضرب، نقل ملكية أملاكه باسمها، طردني من منزل الزوجية، طلقني طلاقا غيابيا، بعد عدة أشهر طردته زوجته بعدما سيطرت على أملاكه، لم يعد يمتلك من حطام الدنيا شيئا.

فتور وملل
يؤكد محمد جابر، 60 عاما، الذي اضطر إلى تطليق زوجته ورفيقه حياته بعد عشرة خمسة وثلاثين عاما، بسبب الملل والفتور، أن الزوجة عندما تصل إلى سن اليأس، تنصرف عن الاهتمام بشؤون زوجها، تهجر فراشه، تشعر أن العلاقة الحميمية لم تعد من أساسيات حياتهما، تعتبرها ترفا ومتعة شهوانية، وبعد أن سيطر الروتين على حياتهما، أقدم على قرار الانفصال دون الشعور بذنب، خصوصاً أن زوجته تفهمت القرار، بل رحبت به.

عدم تكافؤ
داخل أحد أروقة محكمة الأسرة بالقاهرة، جلس «محمود»، الذي يعمل مهندسا استشاريا باحدى الشركات الكبرى، استطاع بذكائه أن يحتل مركزا مرموقا بها، مازال رغم سنوات عمره التي تجاوزت الخمسين، بل أن الشيب الذي غزا شعره أضفي عليه مزيدا من الجاذبية. بعد دخوله الجامعة تعرف على "نادية" جارته الجديدة، التي كانت تتمتع بجاذبيه وجمال صارخ، لكنها لم تحظ بقدر عال من التعليم، فوالدها كان يعمل بائعا باحدى الأسواق الشعبية، منذ اللحظة الأولى لرؤيته لها وقع في هواها، متناسيا الفروق الطبقية والثقافية بينهما، بات يحلم بيوم زواجه منها، برغم معارضة والديه، الا أنه قرر الزواج من فتاته وتحدي الجميع.
بعد مرور السنوات الأولى لزواجهما تيقن من الفارق الكبير في ثقافتيهما، خصوصاً مع انجابهما للأطفال، فالزوجة لا تحسن تربيتهم أو تفهم التغييرات النفسية التي يمرون بها، ما زاد من الهوة بينهما.
دبت الخلافات بين الزوجين، حاول الأصدقاء التدخل لحل الخلافات بينهما، تقبل عيوبها، حاول تغييرها للأفضل، رغم فشله الا أنه فضل العيش معها حفاظا على أبنائه وعدم هدم كيان أسرته الصغيرة.
بدأت زوجته في اثارة المشكلات معه فور علمها بقراره السفر لاحدى الدول العربية، رفضت رفضا قاطعا السفر معه، اتهمته بالأنانية والتخلي عن مسؤولياته، اقامت ضده دعوى خلع بعد 25 عاما من الزواج.

منتصف العمر
يقول الدكتور ناصر نور، استشاري العلاقات الزوجية: تتعدد الأسباب وراء طلاق خريف العمر، منها الملل والرتابة اللذان يعصفان بحياتهما، اذ يشعر كل منهما كأن الأيام باتت متشابهة، خصوصاً بعد كبر الأولاد والانتهاء من دراستهم وزواجهم، اذ يشعر كل منهما أنه غريب عن الطرف الآخر، لا يتفهم متطلباته أو أحاسيسه. وهذه الحالة يعاني منها غالبا الرجل بعد سن الأربعين، وتسمى أزمة منتصف العمر، بينما تعاني منها المرأة عند سن اليأس، حيث يشعران بحاجة إلى الاحتواء والاحتضان، خصوصاً أثناء العلاقة الحميمية، التي تتباعد فترات ممارستها.
ويعد هجر الزوجة للفراش أحد أسباب الطلاق، فالرجل يريد الشعور بفحولته الجنسية في تلك الفترة، اثبات أنه ما زال قادرا على القيام بها، رغم شيبه وشيخوخته، لذا فأغلبهم يبدأ بالبحث عن فتاة شابة، تشعره بقوته، فيما يعرف بالمراهقة المتأخرة. لافتا إلى أن هناك أسباب أخرى لهذا الطلاق، مثل، مرض أحد الطرفين، الرغبة في التخلص من الضغوط النفسية التي خلفتها المشكلات المتكومة منذ لحظة الزواج، الرغبة في الهرب بعيدا عن الاخر.
وقد تلجأ بعض الزوجات للطلاق لشعورهن بالتردد والحيرة جراء زيجتهن، أغلبهن تصيبهن نوبات من الصراع النفسي والعزوف العاطفي تجاه الشريك، ترى أن حياتها الزوجية لابد أن تنتهي لتبدأ حياة جديدة، تعتمد على الانفتاح، تكوين صداقات جديدة، ممارسة هوايات حرمت منها بفعل الزواج والانجاب، للأسف فان التكنولوجيا الحديثة والدراما، دعمت تلك النظرية، شجعت الزوجات على ذلك، ما يهدد نسيج المجتمع وترابطه.

تراكم المشكلات
ترى الدكتورة نهى رجب، أستاذة علم النفس، أن الطلاق في تلك الفترة العمرية عادة ما يكون ناجما عن تراكم مشكلات زوجية في السنوات الأولى، التي يكون الزوجان فيها غير متفاهمين، لم يتعرفا على طباعهما، يحاولان تسيير عجلة الحياه، خصوصاً في ظل وجود الأطفال، أملا في اصلاح حالهما، لينتهي بهما المطاف إلى الطلاق، بعد شعورهما باليأس وعدم جدوي المحاولات، الغريب أن شعور الندم لا ينتابهما، بل يشعران براحة ونشوة. مشيرة إلى أن هذا الطلاق لا يكون الأبناء ضحاياه، لأن أبناء الطلاق المتأخر يكونون قد تزوجوا، شقوا طريقهم في الحياة، بل يصبح الزوجان الضحية، ويؤكد ذلك ما أشارت اليه الدراسة التي قام بها معهد «جوتليو فارجاس» البرازيلي للعلوم الاجتماعية، بأن 54 بالمائة من الزوجات اللاتي عانين من الانفصال، أصبن بالاكتئاب بسبب الخوف من الوحدة، فقدان الأمل في الحياة، لم يعد لها ملاذا.
وأكدت دراسة أجراها معهد الأبحاث العامة البريطاني، أن سهولة الطلاق والانفصال تهدد حياة الملايين من المسنين، تجعلهم عرضة للاصابة بالأمراض العقلية والنفسية، فالعلاقة الزوجية من شأنها واعطاؤهم القدرة على مواجهة المشكلات معاً لافتة إلى ضرورة أن يعمل الطرفان سويا على التقارب الروحي والنفسي، يبادرا بالاشتراك في الأنشطة الاجتماعية، عقد صداقات جديدة لدعم الثقة بالنفس، والشعور بأهمية الشريك الأخر، كما تعمل ممارسة الرياضات الذهنية على تخليص الذهن من المشكلات، تنقية العقل من كافة الطاقات السلبية تجعله يعيد اكتشاف نفسه من جديد، بل ويشعر بمدى أهمية الحياة الزوجية التي مجدها الله وكرمها.

تحدي المجتمع
ترى الدكتورة نجوى الديب، الأستاذة بمركز البحوث الاجتماعية، أن قوانين الأسرة أعطت المرأة مزيدا من الحرية في انهاء الحياة الزوجية، كالخلع والطلاق للضرر وهو حق لم تكن تستطيع القيام به من قبل، كذلك استقرارها الاقتصادي بعد خروجها للعمل، شعورها أنها لا تختلف عن الرجل. لافتة إلى أن الأمهات قديما كن يتحملن كافة الأعباء والاهانات دون تذمر أو ضيق، لوجود أطفال، الا أنه حاليا باتت الأم تفضل راحتها النفسية والهدوء على «الديكور الاجتماعي»، الذي يرى أن الطلاق في هذه السن جريمة شنعاء.
تضيف: أما الزوج فغالبا ما يرى أن حياته ذهبت فداء الأبناء والزوجة، فيقرر تعويض ما فاته بالدخول في علاقة جديدة أو الانفصال الاكتفاء بالعيش وحيدا أو مع أصدقاء قدامى، يقدمون لأنفسهم دعما معنويا، لم يجدوه في الزواج، بالطبع فان الطلاق في تلك المرحلة يعد نوعا من أنواع الفشل العاطفي.

أبغض الحلال
يقول الدكتور حسين منصور، أستاذ الشريعة الاسلامية، جامعة الأزهر، ان ازدياد حالات الطلاق في المجتمع بات يهدد دعائمه، بالطبع فانه أبغض الحلال عند الله، لكن الكارثة أن يلجأ الزوجان اليه بعد سنوات العشرة الطويلة، التي من المفترض أن تكون رسخت المودة والرحمة بينهما، جعلتهما يتغلبان على كافة مشكلاتهما. مشيرا إلى أن سوء الاختيار والتغاضي عن المشكلات وعدم علاجها منذ البداية، يعد السبب الأقوى للطلاق، اذ تستفحل وتترك أثارا سلبية على الطرفين.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم، «وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَاِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا اِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا»، فالقرآن الكريم وضع أسس التعامل مع الخلافات بالهجر، الضرب الخفيف الذي لا يترك أثارا نفسية أو واضحة على الجسم، اللجوء لحكم بينهما، عادة ما يكون الأبناء مكلفين بتقريب وجهات النظر بين الوالدين وعلاج المشكلات، لذا على الزوجين أن يتقيا الله ويتبعا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
آخر الأخبار