كتب - فالح العنزي:نادرة هي الأعمال التلفزيونية التي تشد المشاهد على مدار حلقاتها، وقلة هم الممثلون الذين يحبسون أنفاس المتابعين حتى اللحظات الأخيرة، من هذه النوادر مسلسل "العاصوف"ومن هؤلاء القلة الفنان السعودي ناصر القصبي، الذي استطاع خلال السنوات الأخيرة لفت انتباه المشاهد العربي والزامه بمتابعة ما يقدمه، خصوصا بعدما بدأ باختراق العمق السعودي ونبش قضايا المجتمع وطرحها على الشاشة مدعوما بمنصة اعلامية وفرت له كافة الامكانات ليقول ما عجز عن قوله الآخرون في الدراما السعودية، ناصر القصبي الذي عرف بجرعته الكوميدية العالية توجه في العامين الأخيرين الى التراجيديا الصريحة، الى الحقيقة بتفاصيلها، قلب في أوراق الواقع وانتزع صفحاته واحدة تلو الأخرى.في"العاصوف" الذي تصدى له تأليفا وكتب فيه السيناريو والحوار عبدالرحمن الوابلي قدم القصبي حقبة زمنية حساسة وحرجة عاشها السعوديون في بداية ومنتصف السبعينات شهدت أحداثا خطيرة لعل أبرزها حادثة اقتحام الحرم المكي التي ارتكبتها فرقة ارهابية مارقة يقودها متطرف متشدد يدعى جهيمان اعدم على يد القوات السعودية لكن ظلت أفكاره المتطرفة والمتشددة مسيطرة على الكثير من الشباب السعودي غسلت أدمغتهم بسموم تحت شعار الإسلام والجهاد. في "العاصوف" قدم المخرج السوري المثنى صبح صورة تلفزيونية جميلة عكست أجواء السبعينات بكل تفاصيلها، شوارعها، وأنفاس مواطنيها، الحرية التي كانت دارجة وتمارس في جنح الظلام وشدة النهار، عادات وتقاليد، وقصص حب وغراميات، فتيات كالأمهار، رجال بعيون زائغة تفصل قوام كل غزال تمشي، رجال دين، وسفهاء ومصلحون، أجداد وأمهات وآباء وأحفاد، خليط مجتمعي، محافظ، متزمت ومتشدد، بينما يجسد خالد الطيان "ناصر القصبي" النموذج الأصدق لرجل سعودي بطبيعته، مثلما يتبع شهواته كرجل تجده يحفظ كرامة زوجته وبيته، لم يعرف الحرام لانه نشأ في بيئة محافظة وبيت ملتزم، لم يكن خالد الطيان شخصية عابرة او رئيسية في احداث المسلسل بل كان راويا لتاريخ وحقبة زمنية، تنقل بنا من يوم الى شهر الى عام، شاركناه في مصائبه قبل افراحه، في مراهقته وعشقه وزواجه، دخلنا منزله وجلسنا برفقة افراد عائلته، عشنا معه لحظات عشقه المجنون لزوجته جهيم "ريم عبدالله"، كان يريدنا ان نشاهد المملكة من خلاله ونجح في مهمته، الوابلي صاحب رواية "بيوت من تراب" لم يفرط في القصة التي اعدها بنفسه ونقلها بكل حذافيرها من بيوت الطين الى المدنية والتلفزيون والتلفون والسيارة، تجول بنا بحذر شديد لانه يعرف بأن كل مجتمع لا يخلو من السلبيات وان كل ما سطره قلمه لم يأت به من خيالات افكاره او بناتها، وكأنه يصرخ بصوته عاليا: "نحن لسنا في المدينة الفاضلة"، فعلا هي غير موجودة في قواميس الواقع بل فقط في صفحات الدفاتر وأحلام الشعراء.
"العاصوف" والمراد به هنا الرياح الشديدة التي عصفت بالمجتمع السعودي في تلك الحقبة الزمنية، الخلايا النائمة التي كانت تخطط في الأزقة تنشر سمومها كأفاع لا يسمع فحيحها، المد المتشدد المغلف بالدين، الخطايا والسجن والانفلات والغفلة التي مكنت مجموعة متطرفة من جنسيات سعودية عربية من تنظيم وترتيب أوراقها والحذر في تحقيق مآربها، جماعة اسلامية ارتعدت بوفاة الملك خالد بن عبدالعزيز وماذا سيكون مصيرها، ماذا سيفعل بها العاهل السعودي الجديد الملك فهد بن عبدالعزيز، مباشرة واضحة للمؤلف من دون تزييف أو التفاف على حقيقة المجتمع السعودي.لن أتوقف عند اداء الممثلين فقد قدموا ما عندهم وما لديهم وشكل "خالد وجهيم" ثنائيا جيدا جمعتهما كيمياء من نوع خاص، استغلها جيدا المخرج السوري المثنى صبح، الذي تعامل مع الصورة بطريقة الدراما السورية من ناحية الكادرات وتركيزه على زوايا معينة تخاطب العين قبل الاذن والعقل، وهي مشاهد تبرز قوام المرأة "جهيم" وتفاصيل جسدها ولا نعرف ما الرسالة التي اراد ان يوصلها، وهو مخرج محترف لديه مئات الزوايا، فهذه النوعية من الكادرات والزوايا يلجأ اليها عادة مخرجو الكليبات الغنائية الا إذا كانت تعجبه ويستمتع بها، المثنى صبح وبغض النظر عن وجود بعض السلبيات المتعلقة بالصورة وعدم اجادة بعض الممثلات اللهجة السعودية، الا انه اجاد الى جانب رؤيته الاخراجية المتمكنة في توزيع الادوار والمهام وقراءته الجيدة للنص ومعايشته الحقبة الزمنية وترجمة ذلك الى صور مشهدية اقرب الى الواقع ونجح في فرض عمله كواحد من افضل الاعمال التي انجبتها الدراما السعودية، ويعكس ذلك تصدره المشاهدة بشكل يومي، وحلوله "ترند" في التواصل الاجتماعي بصور ومقاطع فيديو من الحلقات، ونقاش المغردين لا سيما حلقات تناولت اقتحام الحرم المكي وتداعياته.

اقتحام الحرم المكي