الأخيرة
العراقي إلياس كوركيس ونهضة الصين
الأربعاء 27 مارس 2019
70
السياسة
محمد الفوزانكانت الصين دولة شعبية فقيرة جداً وضعيفة لغاية عام 1977 وكانت أعلى المنتجات الصناعية الرئيسية في البلاد هي "الغزل والأقمشة والفحم الخام والحبوب والقطن" واليوم أصبحت دولة صناعية عملاقة، تفوقت على إنكلترا وفرنسا والمانيا وايطاليا وغيرها من الدول العريقة في مجال الصناعة والاقتصاد وحسب دراسة جامعة أكسفورد البريطانية، فان التنمية الاقتصادية الصينية هي الأولى في العالم حاليا. قصة تحول تنمية اقتصاد الصين من هزيل ركيك الى الأول عالمياً نوجزها في الأسطر التالية: عام 1978 وبعد تولي "دينغ هسياو ينغ" الأب الروحي للنهضة الحديثة في الصين، طلبَ من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الحاكم، الموافقة على التعاقد مع خبير تنمية إدارية واقتصادية عالمي للنهوض بالواقع الاقتصادي المتردي للصين الشعبية، وبعد رفض طلبه سبع مرات "لم يكل أو يمل" حتى في المرة الثامنة أقنعهم بفكرته ووافقت اللجنة.وخاطب "دينغ هسياو ينغ" شخصياً عمادة كلية الإدارة والاقتصاد والسياسة في جامعة أكسفورد البريطانية، الأولى عالمياً في هذا التخصص، وأبلغهم عن رغبة الصين، بالتعاقد مع بروفيسور متخصص بالتنمية الاقتصادية والإدارية، للعمل مع الحكومة الصينية بصفة مستشار أول، ويُدفع له خمسة أضعاف راتبه الحالي مع امتيازات إضافية آخرى كتذاكر السفر المجانية ثلاث مرات بالسنة وعطلة 60 يوما مدفوعة الأجر.رفضت جامعة أكسفورد طلبه، لكنه لم ييأس وعاودَ الكَرَةَ ثانيةً وعرض عليهم أن يدفع للكلية رواتب الأستاذ للسنة الماضية كلها، وافقت العمادة وعملت إعلانا، ووضعته في لوحة إعلانات الجامعة، فتقدم البروفيسور إلياس كوركيس ذو الأصول العراقية، ووافق على العرض وذهب للصين، وأمرَ "دينغ هسياو ينغ" وزراء الحكومة الصينية بتنفيذ ما يطلبهُ منهم الخبير، وكانت أولى خطواته: ـ التحول التدريجي إلى اقتصاد السوق، وفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية، وبخاصة في مجال الصناعة، وقد حدد "الخبير أربع نقاط أساسية لمشروعه مع حكومة الصين وهي:أولاً: العمل من أجل حكومة نظيفة وأمينة ونزيهة. ثانياً: تضييق الفجوة الاقتصادية بين شرق وغرب الصين بتبادل الخبرات المتوفرة.ثالثا: العمل على تقليل التضخم بالعملة.رابعاً: قام شخصياً بتدريب الوزراء على الإدارة والقيادة وتعلم الإنكليزية، ونقل الوزراء هذه التجربة إلى موظفي وزاراتهم.وبعد ثلاث سنوات من بداية عمله ووضعه خطة استراتيجية لكل وزارة، أخذت تجربته الإصلاحية لاقتصاد الصين تظهر للعيان، وبعد خمس سنوات من عمله استطاعت الصين بلورة مفهوم اقتصاد السوق الاشتراكي، واستحداث تسوية عملية ونظرية بين الحفاظ على دور الدولة التدخلي في الاقتصاد من جهة وخلق فضاءات أو جزر اقتصادية ليبرالية متعولمةمن جهة أخرى، ومن جهة ثالثة عمل الخبير على ربط الاقتصاد الصيني بالاقتصاد العالمي، وتلك التجربة الحديثة سمحت للصين بالاندماج من دون أن تعاني من الزلازل التي تواكب عادة التحول من اقتصاد مغلق إلى اقتصاد متعولم.وبدأ البروفيسور إلياس الإصلاح في المناطق الريفية بتدشين نظام الأسر المنتجة، ثم واصل عمله الإصلاحي في البلاد، و طال الإصلاح قطاع الصناعة الذي به استمرت الصين في انفتاحها الاقتصادي، وساعد الصين في الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.ويقول الأستاذ في جامعة بكين لي جانغ، كانت الرشوة والسرقة متفشية في الدوائر الحكومية لكن قراراًحكيماً من المستشار التنموي البروفيسور إلياس للصين أدى الى زيادة دخل الموظف، كلما زاد حجم الإنتاج وزادت المبيعات، وجعل نسبة من الربح تذهب للموظف، والعامل والمدير وهذا ما جعل الجميع يُفكر في زيادة إنتاجية.هذا هو المفكر والستراتيجي الاقتصادي العراقي العربي الذي صار سببا في نهضة الصين، خلال عشر سنين فقط، فانظروا كيف نملك عقولا جبارة في التنمية في جميع المجالات لكنها مهدرة ومهمّشة بسبب المحسوبيات والواسطات ومنظومة الفساد التي تسيطر على قراراتنا في عالمنا اليوم؟ انه البروفيسور العراقي الياس كوركيس الاستاذ في جامعة اكسفورد البريطانية مؤسس إستراتيجية مشروع نهضة التنمية الإقتصادية في الصين، والذي جعلها "تقفز" من مراتب متدنية إلى الصدارة عالمياً، فالإصلاح والنهضة والتنمية تحتاج فقط إلى قرار ومتابعة وتنفيذ ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، والقضاء على الرشوة والمحسوبيات.