الأحد 27 أبريل 2025
26°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
كل الآراء

العولمة والهوية الثقافية

Time
الاثنين 04 مايو 2020
View
20
السياسة
د. خالد الشرقاوي السموني

إن الهوية هي الكيفية التي يعرف الناس بها ذواتهم أوأمتهم، وتتخذ اللغة والثقافة والدين أشكالا لها، فهي تستطيع أن تكون عامل توحيد وتنمية، كما يمكن أن تتحول إلى عامل تفكيك وتمزيق للنسيج الاجتماعي، الذي تؤسسه عادة اللغة الموحدة والتقاليد والمصير المشترك، في الوقت الذي يشهد العالم انفتاح الثقافات على بعضها من خلال الاتصال الثقافي والتواصل الاجتماعي، وهوما قد يحدث أحيانا صداما بين الثقافات.
إن ما يشغل اهتمام النخب الثقافية في الوقت الحاضر هوكيف يمكن التوفيق بين العولمة والهوية الثقافية، نتيجة الشعور بمحاولة تنميط سلوكيات البشر وثقافتهم في المجتمعات وإخضاعها لنظام قيم، وأنماط سلوك سائدة في المجتمعات الغربية، مما ساعد على ظهور العصبيات القبلية والطائفية والمذهبية والقومية الضيقة، تحت ذريعة حماية الخصوصيات الثقافية.
وعلى هذا الأساس نطرح التساؤلات التالية: هل ما جاءت به الحداثة الغربية من قيم ثقافية تتلاءم وطبيعة الهوية الثقافية للمجتمعات غير الغربية؟ وهل التمسك بالخصوصية الثقافية يعتبر ابتعادا ورفضا للعولمة الثقافية؟ وهل يمكن الحديث عن ثوابت ومتغيرات في القيم في ظل التغيرات الاجتماعية والثقافية في المجتمع؟ ثم هل الهوية الثقافية شيء انتهى وتحقق في الماضي، في فترة زمنية معينة؟ هل الهوية الثقافية قابلة للتحول والتطور والتعايش مع "عولمة الثقافة "؟
في مقالنا هذا المختصر لن نستفيض في الإجابة عن هذه التساؤلات، فقط سنلقي بعض الأضواء، نعتبرها أساسية في كل بحث في هذا المجال الفكري والفلسفي، ففي البداية لا بد أن نشير إلى أن الهوية الثقافية، هي مجموعة من السمات والخصائص التي تنفرد بها شخصية مجتمع ما، وتجعلها متميزة عن غيرها من الهويات الثقافية لمجتمعات أخرى، وتتمثل تلك الخصائص في اللغة والدين والتاريخ والتراث والعادات وغيرها من القيم الثقافية المختلفة (العقائدية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية)، والتي تشكل في مجموعها صورة متكاملة عن ثقافة هذا المجتمع.
وقد ظهر في العالم تياران: تيار يؤيد العولمة ويدافع عنها، وتيار يعارضها ويناهضها، التيار المؤيد للعولمة، يستند إلى أنها أحدثت نقلة نوعية في كل ميادين المعرفة، وقربت المسافات، واختصرت الزمن، وساهمت في التلاقح بين الحضارات؛ وتعزيز ثقافة التنوع الإنساني والقيم الثقافية، ومن بين رواد هذا التيار نجد الأميركي "همنغواي"، والروسي "تشيكوف"، والألماني "غونتر غراس"، والأيرلندي "برناردشو".
أما التيار المعارض للعولمة، فيستند إلى أنها غيرت البنية الأساسية لكل مكونات الحياة على جميع المستويات: السياسية والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، فساهمت في ازدياد معدلات البطالة وفي انخفاض الأجور، واتساع الهوية بين الفقراء والأغنياء، وتقليص دور الدولة في مجال الخدمات كالصحة والتعليم، ومن بين رواد هذا التيار نجد النمساوي ـ" هانس بيتر مارتن " والألماني "هارالد شومان".
كيف يمكن التوفيق بين التيارين المتعارضين، حتى تكون لدينا نظرة موضوعية عن فكرة العولمة؟. إن ما يهمنا أكثر في هذ الصدد هي العولمة الثقافية، فهناك من اعتبرها أخطر من العولمة الاقتصادية بما تحمله من قيم غربية تريد أن تفرضها كنموذج مثالي على باقي الثقافات العالمية.
لكن انتقاد العولمة الثقافية، بحجة ما تحمله من قيم بعيدة عن الهوية الثقافية المحلية للمجتمعات، لا يكون بالأساس عن طريق تأكيد الهوية وترسيخها والتشبث بها كنسق مغلق، لأن ذلك لن يمكن المجتمع أن يساير العصر وما ينتجه من ثقافة وإبداع وفكر وتقدم معرفي بصفة عامة، بل يبقى مشدودا إلى الفكر الجامد، غير القادر على التحرر الثقافي من النسق القيمي للثقافة المحلية أوالخصوصية، وهوما أدى إلى العودة القوية لثوابت الهوية الثقافية، نتيجة الشعور بالإحباط من العولمة وما تحمله من قيم للحداثة ومحاولة نقدها والبحث عن خيارات جديدة في التراث وفي الدين.
إن انفتاح الثقافة المحلية على المحيط الخارجي، ينبغي، في رأينا، أن لا يكون مؤشرا على إضفاء صفة القداسة على العولمة الثقافية، وأن لا يكون معنى عولمة الثقافة هوفرض ثقافة أمة على سائر الأمم، أوثقافة الأمة القوية الغالبة على الأمم الضعيفة المغلوبة، ذلك أن قدرة العولمة الثقافية في فرض وجودها واستمرارها لن يتحقق ما لم تراع هذه العولمة خصوصية ثقافات المجتمعات، ومراعاة تاريخ الشعوب وحقوقهم الثقافية.
ومن هذا المنطلق، فإن إعادة بناء النظرية النقدية للعولمة الثقافية صار ضروريا، لكي تعرف النخب الثقافية والمجتمعات كيف تتفاعل معها في ظل المتغيرات الراهنة والمستقبلية، وماذا تأخذ منها وماذا تدع، وماذا تترك، فليس كل ثقافة قادمة من الغرب مقدسة، وفي هذا الخصوص، نشير إلى أن الحداثة،كفكرة غربية، تم تجاوزها، وظهرت مرحلة "ما بعد الحداثة" التي تعيش هي بدورها أزمة، لعدم قدرتها على الحسم في كثير من الإشكالات المعاصرة للثقافة والهوية والدين.

مفكر مغربي
آخر الأخبار