الغنى يكمن في الرضا

محمد الفوزان

يقول أحد الآباء: "ابني متفوق كثيراً في دراسته، ونتيجة لهذا التفوق فقد تم قبوله بمنحة مجانية في إحدى المدارس المشهورة التي لا يستطيع شخص مثلي دفع رسومها، ولو عمل عشرة أعوام".
المهم، كان كل شيء مجانياً بالنسبة لولدي، لكنني كنت خائفاً من أن يؤثر عليه مجتمع هذه المدرسة،‏ الطلاب الأثرياء، وخشيت أن يشعر بالنقص، أو أن يتخذ موقفاً مني لأنني لم أقدم له الكثير، حتى جاءني استدعاء من ادارة المدرسة في أحد الأيام، وان أولياء الأمور كانوا يشتكون من ولدي!
سألت ابني: ماذا فعلت؟
أجاب: لم أفعل شيئاً يا أبي، كان زملائي في الصف يتفاخرون بسيارات آبائهم، فتفاخرت أنا أيضا!
سألته: بماذا تفاخرت؟
قال: بسيارتك يا أبي! قلت لهم: لدى أبي عربة أيضاً، سوى أن أبي شخص عبقري، فقد استبدل الإطارين الأماميين بحمار، وهذا من ذكاء أبي، وحرصه على السلامة، لو كنتم تعلمون.
أعني هل سمعتم يوماً أن حماراً قد تجاوز السرعة القانونية في الطريق؟‏
أدري أن هناك حميراً تتجاوز السرعة القانونية، لكنها من نوع آخر، لا تفكروا كثيراً ودعوني أُكمل.
إن أبي لا يضطر للتوقف كثيراً في محطات البنزين، المزدحمة هذه الأيام، وأنا شخصياً أُفضل أن أسير، وأنا أركب عربة بإطارين وحمار، على أن تستقلني عربة بأربعة إطارات، وأنا واقف بمكاني!
حين ذهبت الى المدرسة قال المدير: نعم، وقد تم استدعاؤك لأن بعضاً من زملاء ابنك في الصف طلبوا من آبائهم استبدال إطارات سياراتهم الأمامية بحمار! ويقولون إنه السبب".
اعتذر الوالد من مدير المدرسة وأولياء الأمور له عن حديث ولده، لكنه‏ انفجر ضاحكاً فور خروجه من المكتب، اذ ذهب وهو يقول: "كنت أخشى عليه أن يشعر بالنقص، فأشعرني بالغنى"!
كُن شاكراً على ما تمتلك من النعم، فلسوف يزداد ما لديك مع مرور الوقت، لكن إذا ركزت فكرك فقط على ما لا تملُك، فلن تحصل أبداً على ما يُكفيك، فالغنى الحقيقي الرضا بما تمتلك، وكأنك تملك كل شيء.
يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "من أصبح منكم آمنا في سِرْبِه معافىً في جسده عنده قوت يومه فكأنما حِيْزَت له الدنيا" (رواه الترمذي وابن ماجة، وحسنه الألباني).
إن القناعة تورث صاحبها غنى النفس واستعلاءها عن الشهوات واللذائذ، وهو ما قرره الرسول (صلى الله عليه وسلم) بقوله: "ليس الغنى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس" (رواه البخاري ومسلم).
ويقول صلى الله عليه وسلم: "يا بن آدم ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس"( رواه مسلم).

امام وخطيب

[email protected]