الأحد 29 يونيو 2025
38°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة

الفساد المالي مدمر للدولة والمجتمع

Time
الخميس 14 فبراير 2019
View
5
السياسة
محمد الفوزان

أخطر شيء على الأمم هو الفقر والجهل، والظلم والفساد المالي والاجتماعي، وغياب العدالة في توزيع الثروة وحقوق الناس.
ثورة الزنج من أعنف الثورات التي شهدها عصر الخلافة العباسية، للاسباب ذاتها التي كانت ما بين عامي 255و 270هجرية، فما قصة ثورة الزنج، ومن هو قائدها، وماذا فعل الزنج العبيد في مدينة البصرة؟
في سنة 255هجرية ظهر رجل بظاهر البصرة زعم أنه علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ولم يكن صادقًا، بل كان أجيرًا، واسمه علي بن محمد بن عبد الرحيم، وأصله من قرية من قرى منطقة الريّ (طهران حالياً)، أخذ هذا الرجل في دعوة الزنج العبيد، الذين كانوا يكسحون السباخ بالبصرة، وكلّمهم عن الحرية والعدل والمساواة، والفساد المالي، وضرورة توزيع الثروة بين الناس بالعدل والقسط، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
عناوين براقة جاذبة، فالتفت عليه جماعة من الزنج والعبيد والمظلومين وجهلة الناس، واجتاز بهم نهر دجلة، ولم يكن عددهم كبيرًا، إنما كانوا لا يزالون قلة، ففكّر في كيفية توسيع قاعدته.
وهنا فلنأخذ العبرة، أخطر شيء على الأمم هو الفقر والجهل وغياب العدالة والفساد المالي والإجتماعي، والإخلال في توزيع الثروة بالحق والعدل، والأمّة المغيّبة (صناعة الجهل) عن الوعي والعلم، كبنيان بلا قواعد وأعمدة راسخة، مع أول هزة يقع البنيان على الجميع، فلتكن معركتنا الحقيقية لنهضة أمتنا توعية الأجيال والتوقف عن صناعة الجهل وتغييب الحقيقة، والعلم عن الناس وتربيتهم على العقيدة الوسطية السمحة والأخلاق الفاضلة.
انتقل هذا الرجل إلى بغداد ليدعو الناس، خصوصا الفقراء الجهلة والمظلومين، إلى مبادئه البراقة وقال لأصحابه:" إنني أحفظ سورًا من القرآن في ساعة واحدة جرى بها لساني من غير أن يحفظها لي أحد"، وزعم لهم أنه يعلم ما في ضمائرهم، وأن الله يُطلعه على ذلك، فراج أمره في بغداد، وكثر جمعُه، فعاد بهم إلى أرض البصرة وأخذ في الاصطدام مع والي المدينة، وانتصر عليه مرات عدة، وهُزم هو مرات عدة، لكنه كان قويّ العزيمة ثابت الرأي، وحتى يستميل الناس إليه لم يكن يتعرض لأموالهم، ولا يؤذي أحدًا، وإنما يأخذ مال السلطان، فقَوِي شأنه واستفحل أمره.
شعر الخليفة العباسي المعتمد بالله بخطورة هذا الرجل، وتنامي قوته، فأرسل إليه جيوشاً عدة لمحاربته، وانتصر عليه، ثم انتقل هذا الرجل بثورته إلى فارس ليدعو الناس هناك مستغلاًّ، جهل أهل هذه البلاد واستعداد الناس لقبول مثل هذه الأفكار، ومكث هناك فترة حتى جاءته الأخبار بأنّ أهل البصرة قد اتسعت أملاكهم، وكثرت أموالهم، فقرّر الهجوم على البصرة.
يقول بعض رواة التاريخ: ان هذا الدعي كان يتعامل بالسحر والشعوذة، وكان له شيطان من الجن يأتيه بالأخبار ويخاطبه بما وقع، فقام هذا القاتل في أتباعه، وقال لهم محرضًا على الهجوم على البصرة:" دعوت الله على أهل البصرة فخوطبت إنما أهل البصرة خبزة لك تأكلها من جوانبها، فإذا انكسر نصف الرغيف خربت، فأوّلت الرغيف القمر وانكساره انكسافه، ورفعت البصرة لي بين السماء والأرض، ورأيت أهلها يُقتلون، ورأيت الملائكة تقاتل معي وتثبت جيوشي". وجاء كما نقل له من الأخبار، فانكسفت الشمس ليلة 14 شوال سنة 257هجرية بالبصرة، فحميت نفوس أتباعه الجهلة الزنج، وظنوا أنهم على الحق.
إن شيطان أهل الباطل في عصرنا هو الإعلام الفاسد بلاضمير، الإعلام المزيف، الذي يقلب كل حقيقة باطلاً، وكل باطل حقيقة، كأنه دجال هذا العصر. ما يفعله الإعلام الفاسد؛ هو إقناع الناس بأنّ رجلاً أخرس قال لرجل أطرش أن رجلاً أعمى شاهد رجلاً مشلولاً يلحق برجل مقطوع اليدين ليمنعه من شدّ شعر رجل أصلع! هذا مايفعله الإعلام الفاسد عندما يمارس صناعة الجهل بين الناس، وما دام الناس لا يقرأون ولا يعتبرون، ولا يملكون الوعي، فيظل غباؤهم وجهلهم، أقوى سلاح في صالح كل من يريد أن ينشر الفساد بيننا.
هجم هذا الدعي ومن تبعه من الجُهّال على مدينة البصرة يوم 14 شوال سنة 257هجرية، فدمروا المدينة تدميرًا كاملاً، وأحرقوا جامعها، وقتل من فيها من الرجال والعلماء والأعيان، وهرب والي المدينة ومن معه، وتركوا أهلها لمصيرهم المحتوم، ونادى أحد أمراء هذا الدعيّ في أهل المدينة:" من أراد الأمان فليحضر". فاجتمع عنده خلق كثير من أهل البصرة، فغدر بهم المجرم وأمر بقتلهم جميعًا، وكانت الزنج تحيط بجماعة من أهل البصرة ثم يقول بعضهم بعضا: "كيلوا"، وهي الإشارة بينهم إلى القتل، فيحملون عليهم بالسيوف، فلا يُسمع إلا قول" أشهد أن لا إله إلا الله"، من أولئك المقتولين، وصراخ وضحك الزنج عند ضربهم للناس بالسيوف!
وورد في المصادر والمراجع:" ظل أتباع الدعيّ يفعلون ذلك بالبصرة اياما عدة، وحرقوا الزروع والكلأ، من الجبل إلى الجبل، فكانت النار تحرق ما وجدت كل شيء من الإنسان والحيوان والزروع والبيوت، وقُتل في هذه الواقعة عشرات آلاف من المسلمين، وكانت هذه الواقعة إيذانًا باندلاع الثورة الشاملة للزنج، وظهور قوتهم بشكل علنيّ وقويّ ضد الخلافة العباسية، واستمرت هذه الثورة نحو 15 سنة.
أدت هذه الفتنة كذلك إلى نشر الأمراض والأوبئة بسبب ما عاناه الناس من فقر وجوع حتى أكلوا الجيف، وأدت إلى أن يأسر الزنوج آلاف الحرائر. وورد في بعض المصادر والمراجع التاريخية أنه قتل من المسلمين عدد كبير، أقل تقدير له هو مليون ونصف المليون مسلم، خلال 15 سنة، كما اعتبرت هذه الحركة الفاسدة من الأسباب التي ساعدت على تفكك الدولة الإسلامية خلال العصر العباسي الثاني.
في النهاية فشلت ثورة الزنج في أن تكون ثورة اجتماعية، بسبب الجرائم الوحشية التي ارتكبوها، من اغتصاب واسترقاق النساء الكريمات، وسلب ونهب، وقتل مئات الآلاف، والاعتداء على الأطفال والشيوخ، وتدمير المدن، والنيل من صرح الحضارة الإنسانية، وانتهت الى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليها بعد أن عانت الأمة الإسلامية الويلات من مغامراتها.
إنه لايصح إلاّ الصحيح، والعاقبة للمتقين.
آخر الأخبار