الأربعاء 07 مايو 2025
34°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

القيروان... بناها عقبة بن نافع ولقبت بـ "أم الأمصار"

Time
الأربعاء 14 أبريل 2021
View
20
السياسة
إعداد - علا نجيب:

دعا عقبة بن نافع لأهلها فقال: "اللهم املأها علما وفقها، وعمرّها بالمطيعين لك، والعابدين، واجعلها عزا لدينك وذلا لمن كفر بك، وأعز بها الإسلام، اللهم حببها لسكانها، وآتها رزقا رغدا من كل مكان".
تعتبر القيروان نبراس العلم، ومنبع الشعر في المغرب العربي الكبير، بناها عقبة بن نافع، في العام 50 هـ، لتكون مركزا لنشر الإسلام في افريقيا ومحط رحال المسلمين وجيوشهم، واختار لها موضعا فى منتصف الطريق بين الحصون البيزنطية ومخابئ البربر جنوبي تونس، تفاديا لهجمات أساطيل البيزنطيين الذين كانوا يحكمونها، وكانت المنطقة موحشة، تسكنها الحيوانات الضارية، والأفاعى، والسباع فدعا عليها، فهربت، من ثم شرع الجنود في تنظيفها، وبُنيت المدينة بمسجدها الجامع، الذى عُرف بعد ذلك بجامع عقبة.
بدأ بناء المسجد بسيطا صغير المساحة، وكانت جدرانه سميكة ومرتفعة مشدودة بدعامات واضحة، وتستند أسقفه على الأعمدة مباشرة، أما المئذنة فتعد واحدة من أجمل المآذن التي بناها المسلمون، إذ كانت تتكون من ثلاث طبقات مربعة الشكل متدرجة الحجم، وفوق الطبقات الثلاث قبة عالية يُصعد إليها عن طريق درج ضيق، كما أنشيء له تسعة أبواب كانت آية فى الإبداع والجمال، ويقال إنه مستمد من الجامع الأموي بدمشق.
ضم الجامع حلقات درس للعلوم الفقهية لتدريس المذاهب الإسلامية، وعلى رأسها مذهب الإمام مالك بن أنس، الذي أصبح المذهب الرسمي في القيروان بعد تولي الملك المعز بن باديس، وانتشر بعد ذلك في صقلية والأندلس، وقد أمّ الجامع ووفد إليه كثير من الصحابة والتابعين، مثل، عبد الله بن عمر بن الخطاب، و إسماعيل بن عبيد الله الأنصارى المعروف بتاجر الله، وغيرهم من كبار العلماء، كما أسست المدارس الملحقة بالجامع لتدريس العلوم المختلفة، وعرفت باسم"دور الحكمة"، وجاء إليها العلماء والباحثون من جميع البقاع لتنشئة الأطفال الصغار على علوم القرآن والسيرة النبوية، كما أسست مكتبات عامة وأخرى بالمساجد والزوايا، كانت تضم نوادر الكتب والمخطوطات، ومن أشهرها بيت الحكمة الذى أنشأه، إبراهيم الثاني الأغلبي، كما ضمت معهدا علميا للبحث العلمى والترجمة من وإلى اللاتينية التي لم يكن يتقنها كثيرون.
عُرفت القيروان أيضا بانها خامس مدينة إسلامية بعد المدينة المنورة، والقدس الشريف، والكوفة، والفسطاط، وتعد أول وأقدم مدينة إسلامية بالمغرب العربي، والثانية في افريقيا، انتشر العلم بين ربوعها، ونافست قرطبة في الأندلس، ثم فاس فى المغرب الأقصى، وزاد عدد مدارسها وجامعاتها بشكل كبير، فأطلق عليها دار الحكمة لكثرة مكتباتها العامة والملحقة بالمساجد، كما احتضنت بين جنباتها الكثير من الشعراء والأعلام من الأندلس وافريقيا، منهم "أسد بن الفرات"، "ابن رشيق القيرواني"، و"الشيخ عبد الرحمن خليف"، إمام مسجد عقبة بن نافع.
باتت المدينة بؤرة العلم والتجارة مع الأمصار المجاورة، وأثنى عليها المؤرخ الإدريسي في كتابه "نزهة المشتاق"، بعد زيارته لها، وقال فيها، "القيروان أم أمصار، وعاصمة أقطار، أعظم مدن الغرب قطرا، وأكثرها بشرا، وأيسرها أموالا، وأوسعها أحوالا، وأتقنها بناء، وأنفسها همما، وأربحها تجارة".
كانت أول مدينة تعرف منشآت النزهة المائية، ولعل أشهرها "بئر بروطة"، و"بركة فسقية الأغالبة"، المزودة بصهريج كبير لتخزين مياه الشرب، والتى نقلها الأوروبيون لبلادهم، وقت أن كانت تعانى من الجهل.
كما تفنن أهلها في الحرف التقليدية، وأشهرها صناعة الزربية القيروانية، وهي نوع من أنواع السجاد المصنوع من صوف الماعز، وكانت تصدر لبلاد الأندلس، كذلك صناعة الأواني النحاسية والخشبية، مما جعلها مركزا حيويا للتجارة، كما أنشئت بها مستشفيات متعددة، بها أقسام وأطباء في جميع التخصصات، وكانت تعالج الأهالي مجانا.
آخر الأخبار