كتب ـ جمال بخيت:يقدّم الروائي الأردني سامر المجالي في روايته الأخيرة رؤية تاريخية، تتناول مرحلة حرجة من تاريخ المنطقة العربية عامة، وهي السنوات الممتدة بين عامي 1900 و1920، جاعلاً من مدينة الكرك الواقعة في جنوب الأردن مركزاً تنطلق منه الأحداث، لتبلغ دمشق وإسطنبول وغيرهما من المدن والبقاع في الجغرافيا الأوسع.حفلت الرواية التي تحمل عنوان "المؤابي" بالأحداث التي جسدت البيئة المؤابية بملامحها العشائرية، وعلاقتها بالمحيط العربي وبالسلطة العثمانية، وبتطلعات أهلها وطموحاتهم التي عبرَّت عن وعيهم بالمرحلة وتطورات أحداثها الحاسمة.وقد طُوّع التاريخ في الرواية الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون" ليكون تابعاً للرؤية الفنية، ويظهر خلالها بحساب دقيق لا يؤثر في طبيعة العمل الروائي وبناه التي تمنحه الهوية. وتعددت الشخصيات التي اشتبكت على مدار مئتين وثلاثين صفحة، لتقدم الرؤى باختلاف مسارات أصحابها الذين عاشوا تلك المرحلة، ما بين موالٍ للدولة العثمانية، وثائر عليها، وباحث عن مجد شخصي، وصاحب مبدأ لا يحيد عنه.
وتُعبّر الرواية عن تبدلات في تلك الرؤى، وتطوُّر في مواقف الشخصيات نتيجة تراكمات الأحداث، فبطل الرواية والمخطط لثورة قامت ضد العثمانيين، وُصف في مرحلة من المراحل بأنه: "رجل داهية، وهو وإن أبدى تريثاً ظاهرياً في ذاك اليوم الذي اجتمعنا فيه لتدارس الموقف، إلا أنه في حقيقة الأمر كان يضع اللمسات الأخيرة على خطته التي أرادت لتلك الثَّورة أن تقوم دون أيّ تأخير".غير أن البطل يرى بعد أن وضعت الثورة أوزارها أن "علينا أن نهتم بالحياة من الآن فصاعداً، كفانا موتاً، مواجهة الحياة لا تقلّ شجاعة عن مواجهة الموت، لقد فقدت عشائرنا كثيراً من شبّانها وزهرة رجالها في صراعها مع هذا العالم الذي لا يرحم أحداً، ويوجّه كذلك ابنه قائلاً: "هذه الدَّولة قَدَر يا فارس، ونقيضها قَدَر كذلك، فاظفر منها في الحالتين بما يجعلك عالي الشَّأن".وتقدم الرواية كذلك وصفاً للطبيعة المؤابية وطريقة الحياة البسيطة آنذاك يقول: الكاتب :"وراء الطُّور تهجع الأغنام في زرائبها، في مثل هذه السَّاعة حين تدنو الشَّمس من كهف الغروب يعجُّ الفضاء بالقطعان العائدة من مراعيها.وتتشابك الأحداث فتمتد إلى دمشق، حيث يبرز الصراع بين حكم الاتحاديين الأتراك والحركة العربية الناشئة، وما واكبه من عسف وتنكيل، وتدخلات من الدول العظمى، خاصة فرنسا وبريطانيا اللتين أرادتا تحقيق مكاسب انتهت بتقسيم سوريا الكبرى.