كتب ـ محمد غانم وفارس العبدان:بات موضوع "التركيبة السكانية"، الشغل الشاغل للمواطنين، وحظي باهتمام متزايد من المؤسسات الحكومية والنيابية والأهلية على حد سواء، من حيث علاقته بمهامها ومسؤولياتها، وفي ظل حرص المسؤولين والسياسيين والباحثين وغيرهم من المواطنين، على إثارة القضية بين الفينة والأخرى، بدافع لفت الانظار اليها والى مخاطرها وآثارها المهددة اجتماعيا وأمنيا واقتصاديا وثقافيا، إسهاما في توعية المجتمع بأبعادها؛ والتحذير من أن البلاد في خطر داهم نتيجة "خلل التركيبة" المتمثل في ارتفاع أعداد غير المواطنين بوتيرة متصاعدة أدت إلى انخفاض نسبة المواطنين إلى الوافدين بصورة لافتة، ومن ثم تسرب القلق الى نفوس أهل الديرة.وفي هذا الإطار، عقدت "السياسة" ندوتها الأولى بعنوان "قضية التركيبة السكانية واثارها"، حيث طالب المشاركون بضروة تعديل الوضع غير القانوني لكثير من المقيمين، عبر خلق دور مباشر لهيئة لقوى العاملة ووزارة الداخلية، لمتابعة مخالفي الاقامة، وتشكيل لجنة خاصة بعيدة عن كافة الجهات، لدراسة أوضاع التركيبة واتخاذ قرار محايد، يضع حدا للمشاكل الناتجة عن ذلك الخلل.واكد المشاركون ضرورة توجيه مخرجات التعليم لاصلاح التركيبة السكانية، فالكثير من الوظائف بها تكدس بالموظفين المواطنين فيما تعاني وظائف أخرى من العزوف.واشاروا الى ضرور ة التعامل مع قضية التركيبة السكانية برؤية واسعة، وتحديد الاسباب الحقيقية للمشكلة والآثار الناجمة عنها، وأوصوا بالغاء نظام الكفيل وسن قوانين تردع تجار الاقامات، وتطبيق جميع التوصيات التي صدرتها المنظمات الحكومية وغير الحكومية في هذا الصدد.

الندوة بإشراف سعود الفرحان
اللواء متقاعد فيصل الجزاف* الجانب الأمني على قدر عالٍ من الأهمية خصوصاً في جليب الشيوخ* يجب العمل على تشييد مدن عمالية بخدمات جيدة تحفظ للوافد كرامته وأمنه* شركات ترمي عمالتها في الشارع بعد استكمال المشاريع وتجب محاسبتهاد.فيصل الشريفي* السكان سيتجاوزون 5 ملايين بنهاية 2022 ما يشكل ضغطاً على الحكومة* توجيه مخرجات التعليم ضروري لإصلاح الاختلال ومسايرة احتياجات سوق العمل* يجب التعامل بتريث وعقلانية بخصوص إقصاء الوافدين وتنفيذ سياسة "الإحلال"د.سامي الرويشد* "التركيبة" بريئة من مشاكل العمالة براءة الذئب من دم ابن يعقوب* لجان كثيرة تم تشكيلها لكنها بلا أثر ولا فاعلية... والحل في "الاستقدام الذكي"* تفعيل قرار مجلس الوزراء الصادر في 1996 يحل المشكلة من جذورهاالمحامي عبدالله الضعيان* إلغاء نظام الكفيل وإسناد الكفالة لـ"القوى العاملة" و"الداخلية"** إصدار التشريعات والقوانين اللازمة لحل المشكلة مسؤولية الحكومة ومجلس الأمة* وقف إصدار القوانين الوطنية التي تتعارض مع المعاهدات الدولية


اكد رئيس جمعية الضباط المتقاعدين اللواء فيصل الجزاف، ان الجانب الامني في قضية التركيبة السكانية، يبدو ماثلا أكثر من غيره في ما يتعلق بخلل التركيبة السكانية التي تعيشها البلاد، ذلك أن تكدس العمالة في منطقة جليب الشيوخ، مثلا، يشكل بؤرة للمخالفات العديدة التي يجب التعامل معها بحزم قانوني.واشار الجزاف الى تقارير حكومية صدرت حتى قبل الغزو الغاشم، تؤكد ان استمرار منطقة الجليب، بهذه الطريقة، هو عبارة عن بؤرة ستكبر وتسبب قلقا امنيا واجتماعيا، والدليل البارز على هذا الزعم، ما حصل خلال فترة "كورونا" وما استتبعها من أحداث مربكة.ولفت الى تأثير العشوائية في هذه المنطقة، على الاشخاص الذين لديهم اقامات وملتزمون بالقانون، ويفترض بالجهات المختصة تحديد آلية للتعامل مع هذه المشكلة.واوضح ان عدد المخالفين غير معروف حتى الان، وقد يفوق الالاف، حيث ان وزارة الداخلية والقوى العاملة هما الجهتان المسؤولتان عن تحديد العمالة الموجودة هناك، وقد يكون هناك ضحايا بين تلك العمالة، حيث تم استقدامها للكويت ورمي العشرات بل المئات منهم في ظروف غير قانونية أو صحية.
مناطق عماليةواضاف الجزاف ان من الضروري ان تكون هناك مدن ومناطق عمالية، وتسريع تشييدها وفق القانون، ضمن اجراءات صحيحة، حتى يعيش الوافد معيشة صحيحة ومريحة وبلا مخالفات.وقال ان من أوجه الخلل أيضا، تراخي الجهات المسؤولة عن مراقبة استقدام العمالة، بعد ثبوت رمي بعض الشركات للعمالة التي على كفالتها في الشارع عقب انتهاء مشاريعها.وزاد بأن الكثافة الناجمة عن زيادة أعداد الوافدين، أدت الى الضغط على المنظومة الصحية وعلى حركة المرور في طرقات البلاد، مشددا على أنه اذا اردنا تعديل الوضع غير القانوني للتركيبة السكانية، فإننا بحاجة الى ان يكون للقوى العاملة ووزارة الداخلية دور مباشر في متابعة مخالفي الاقامة الذين قد تكون لبعضهم حقوق.واقترح الجزاف تشكيل لجنة خاصة ومحايدة، تدرس أوضاع التركيبة السكانية من كافة الجوانب، واتخاذ قرار محايد بعيد عن مصلحة أي جهة وتحدد ارقام المخالفين ليكون المجتمع مستقرا.نمو سكانيمن جهته، اكد الاكاديمي بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب د.فيصل الشريفي، ان الكويت باعتبارها دولة جاذبة للعمالة، تصنف ضمن الدول التي لديها نمو سكاني عال، ومعدل النمو فيها سجل عام 1974 أعلى مستوى نمو على مستوى العالم.واضاف الشريفي ان نسبة النمو السكاني في البلاد بلغ 3,3 %، وسط توقعات ببلوغ عدد السكان بنهاية 2022 لأكثر من 5 ملايين مواطن ومقيم، وهذه الأعداد تشكل ضغطا على برنامج عمل الحكومة بشكل مباشر او غير مباشر.واشار الى ان نسبة الوافدين المتوقعة ستكون بحدود 3 ملايين و100 الف، وعدد المواطنين مليون و300 الف، بينهم أكثر من مليون من الاناث، معظمها من العمالة المنزلية، وفي تقديري ان ذلك يشكل ضغطا هائلا على الخدمات المقدمة.وجود الوافدينوقال الشريفي: لا اعتراض لدي على وجود الوافدين، ولا على النسب التي يمثلونها في إطار العمل، فعدد المواطنين يمثل 29% الى الوافدين الذين تصل نسبتهم الى 71% تقريباً.وأوضح ان الاشكال الحقيقي ليس في وجود الوافدين، بل في الدور الذي تقوم به العمالة في تنمية البلاد ونهضتها، مضيفا ان المشكلة تكمن في العمالة الهامشية وغير المنتجة، التي لا دور لها في تعزيز الاقتصاد الوطني، ومن المفترض معالجة هذه الاشكاليات للإستفادة من الخبرات والمهارات المتوفرة بين الوافدين.ولفت الشريفي الى وجوب ان تتحول الاقامات الى يد الحكومة ونزعها من يد المواطن والتاجر والشركات، وأن تستبدل بعقود مباشرة بين الوافد والمستثمر، تحدد نوع العلاقة بينه وبين اصحاب الاعمال، وان تخضع الاقامات للجهات الحكومية بشكل مباشر.واشار الى ان اقصاء الوافدين والعمل بسياسة "الاحلال" يجب أن يكون متريثا وعقلانيا، فهناك وظائف نحتاج وجود الوافدين فيها، لاسيما في القطاعات الصناعية والانشائية والصحية.البعد التاريخيبدوره، رأى كبير اختصاصي القانون د.سامي الرويشد، أن قضية التركيبة السكانية لها أبعاد متعددة، ومن الضروري تشخيصها قبل الحكم عليها، لافتا إلى "بعد تاريخي" للقضية فهي ليست بدعة، بل نتيجة للحراك السياسي في الدولة خلال مرحلة معينة، ونتج عنها مصطلح جديد اسمه التركيبة السكانية، ولم نكن ندري هل هو امر سلبي ام ايجابي؟وأضاف الرويشد ان القضية ليس لها تعريف محدد، وقد عرّفها مجلس الوزراء باسم "تعديل التركيبة السكانية"، ما يوحي بانه امر سلبي، كما تم تشكيل لجنة في عام ٢٠١٥ مشكلة من عدد من الوزارات صبت تركيزها في أمر واحد فقط هو "دارسة المواضيع المتعلقة بموضوع التركيبة السكانية"، ولم يكن الهدف الاساسي اصدار قرارات من شانها تعديل اختلالاتها، لكن اي موضوع يطرح على مجلس الوزراء سواء كان امنيا او اقتصاديا يتم تحويله على هذه اللجنة، وبالتالي انجزت اللجنة تقريرين ليس لهما علاقة بتعديل التركيبة.مصطلح هلاميواشار الرويشد إلى "البعد القانوني" في القضية، مشيرا الى غياب أي مادة او نص قانوني يسمي المشكلة بـ"التركيبة السكانية"، فهذا مصطلح هلامي غير معرف حتى الان، فهذا المصطلح خرج لوجود بعض المنظومات التابعة للدولة في زمن ما اصابها الضعف والوهن ولم تستطع مواكبة التطورات الجارية في البلد، لذلك اخترعوا هذه الشماعة المسماه بالتركيبة السكانية، ليعلقوا عليها كل مظهر سلبي حتى لو كان بسيطا كمشكلة نمو شجرة في عرض الطريق فتقوم هيئة الزراعة بتعليق الامر على شماعة التركيبة السكانية.وقال إن الذي يتبادر للذهن عند الحديث عن التركيبة السكانية، مسألة العمالة الوافدة، وهذا غير صحيح ايضا، فهذه العمالة ينظمها قانون العمل في القطاع الاهلي والحكومي وديوان الخدمة المدنية، وهي محكومة بقوانين لها علاقة بترتيب سوق العمل، وبالتالي فإن التركيبة السكانية بريئة من مشاكل العمالة براءة الذئب من دم ابن يعقوب، لانه ببساطة شديدة اذا أريد اصلاح خلل في دائرة فمن الواجب ان اذهب لهذه الدائرة واصلح الخلل، ولايجب ان اذهب لدائرة اخرى، وعلي سبيل المثال، اذا كان بيني وبين جاري مشكلة فإنني لا اطالب الحكومة بابعاد هذا الجار، بل علي انا إصلاح اموري معه، واذا عندي مشكلة في المرور لا اعلقها على التركيبة السكانية فعلي ان ابذل كل الجهد اولا في اصلاح وتعديل الخلل المروري.منظمة الهجرةواقترح الرويشد حلا للمشكلة، يكمن في التعاطي مع ما دعت اليه منظمة الهجرة الدولية، في مشروعها المهم الداعي الى "الاستقدام الذكي"، والذي يمكن تطبيقه في الكويت لاسيما ان القرارات موجودة وهناك قرار صادر من مجلس الوزراء عام ١٩٩٦ يقر بانشاء "وكالات استقدام"، كما تفعل الدول المتقدمة في هذا المجال.وأضاف: الدول تتهافت الآن على استقبال المهاجرين لأن المنظمات تدفع لها مبالغ مالية كبيرة، الا الكويت لديها مشكلة بسبب الخلط بين العامل والوافد، والحل الوحيد، في تقديري، هو العمل بقرار سنة ١٩٩٦ الصادر من مجلس الوزراء، فهو القادر على تنظيم هذه المسألة، حيث يوفر القرار مثلثا لادارة عملية استقدام العمالة، الضلع الاساسي فيه ان يكون لديك "ملحق عمالي" بسفارات الدول التي يتم استقدام أكبر عدد من العمالة منها، كالهند والفلبين ومصر، والضلع الثاني إغلاق مايسمى بـ"تقدير الاحتياج" وتبدأ المكاتب بتوريد العمالة بشكل صحيح ومدروس وبموافقة الملحق العمالي، بعد فحص الأوراق وتطبيق الاشتراطات، فلايصح ان اي شخص يقوم باستقدام شخص دون ضوابط. وأكد أن العمل بهذا الاسلوب، وعندما يأتي العامل الى الكويت، تكون العلاقة ثلاثية مع المكان الذي يعمل به (وهو الضلع الثالث) والمكتب والملحق الثقافي، وهذا ما تدعو اليه منظمة الهجرة التي أصيب ممثلها بالصدمة عندما أطلعوا على قرار مجلس الوزراء المذكور وقالوا: هذا ما ندعو اليه حرفيا!"فيتو" خليجيوزاد الرويشد: اننا في حاجة ماسة الى تحرير مصطلح التركيبة السكانية، بحيث يكون جامعا لجميع العناصر، ومانعا من دخول عناصر غير مؤهلة، ففي مؤتمر الدول الاسلامية في عام ٢٠١٤ في باكو، قدمت تركيا مقترحا جيدا سمي "بنك العمالة" او "السوق المفتوح" للعمالة بين الدول الاسلامية، بحيث يتحرك العامل بحرية من خلال عرض سيرته الذاتية في هذه الاسواق للجهات الراغبة في تشغيله، لكن الاشكالية التي واجهت هذا المقترح ان دول الخليج كان لديها "فيتو" عليه لدواع امنية واجتماعية.الى ذلك، قال رئيس مجلس ادارة مركز التنمية المستدامة المحامي عبدالله الضعيان: عندما نتحدث عن التركيبة السكانية فإننا نتحدث عن المواطن والمقيم، وفي ما يخص الأخير علينا أن نتساءل أولا: هل اتى الى البلاد من تلقاء نفسه؟ ام هناك جهة استقطبته؟ واذا تم استقطابه فلابد أن يكون ذلك وفق قوانين معينة، وإلا فإن الأمر سيتصل بتجارة الاقامات والتي ليس من ورائها غير المخالفات والعمالة الهامشية، وما يستتبعها من مشاكل أمنية واقتصادية واجتماعية.وأضاف الضعيان: نحننعرف ان الكويت، بالنسبة لكثير من المقيمين، تمثل الجنة الموعودة، بما فيها من مزايا كدعم الكهرباء والماء والسلع والاعفاء من الضريبة والعلاج شبه المجاني، وجميعها مغريات قد تجعل بعضهم يبيع ممتلكاته في بلده لكي يصل لهذه الجنة، وقد يكون هناك كفلاء استقدموه وفقا لقوانين الاقامة وتصاريح واذون العمل لكن عبر تجار الاقامات، وهذه الطامة الكبرى التي يجب مواجهتها، والامر سهل لكننا نبدو كمن لا يريد هذا الحل. وقال: هناك اتفاقيات دولية، كالميثاق الدولي للعهدين السياسي والمدني، وقد احتوت اهداف التنمية المستدامة على الحفاظ على حقوق الانسان، ويجب التذكير بأن "التنمية المستدامة" تضم ١٧ هدفا تم اقرارها في ٢٥ سبتمبر ٢٠١٥ وانضمت اليها الكويت وكل دول العالم، وهي رؤية تضع ملامح جديدة للعالم الجديد، بحيث توفر الرفاة لجميع البشر وتعنى في المقام الاول بالحفاظ على البيئة والاقتصاد والمجتمع، وفي الهدف الحادي عشر تم فرض اهتمام خاص ل٤ فئات، والكويت تفاعلت مع الاتفاقية من خلال قوانين خاصة ايضا، منها المعاقين والنساء والاطفال والمسنين، وعندما نضع القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية قد تجد تعارضا مع بعضها،وفي هذا الخصوص، أرى أن اخر قرار صدر، ويتعلق بوافدي ال ٦٠ سنة، يفرض عددا من التساؤلات والمآخذ، من حيث التضارب الذي عنيناه بين القوانين الدولية التي تحافظ على كرامة الانسان، والقوانين الوطنية التي قد تنحو منحى آخر متعارضا. وشدد الضعيان على ان الحل الأمثل لمعالجة اختلالات التركيبة السكانية، يكمن في الغاء نظام الكفيل، وعلى القوى العاملة كفالة العامل حسب الحاجة اليه، بما يضمن عدم دفع العمالة ثمن التاشيرة او سمة الدخول للبلاد.وأكد أن "مما لاشك فيه، ان العاملة الوافدة ساهمت في بناء البلد وخدمة المواطن، ولكن كما بذلوا واسهموا يجب علينا رعايتهم رعاية كريمة توفر لهم افضل سبل للعيش، من خلال تعديل القوانين الموجودة، لاسيما أن جميع دول العالم تقر التامين الصحي للجميع وتساوي بين كل الفئات، وهذا هو المطلوب، بحيث يعيش الوافد عيشة كريمة، ويكون محافظا، في الوقت ذاته، على القوانين التي ترعاه الرعاية اللازمة.