منوعات
"المراجعات والبدائل"... لم يعد ممكناً مواصلة الاستكانة لهوس الحرية المطلقة
السبت 17 ديسمبر 2022
5
السياسة
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب المنصف المرزوقي المراجعات والبدائل: أي أسس لفكر سياسي مجدّد؟، وهو من تقديم فيصل القاسم. ويقع في 312 صفحة.يحاول الكتاب الإجابة عن أسئلة من قبيل: ما الذي يتميّز به القرن الحادي والعشرون عمّا سبقه من قرون، ومنها القرن العشرون نفسه؟ وبأيّ حقائق نتمسك؟ وهل ما زال لمفهوم "الحقيقة" معنى، حيث إنّ أكبر ما نواجه على الصعيد الفردي من التحديات اليوم هو تسونامي المعطيات وتسارع تغيّرها؟ وعلى الصعيد الجماعي، إضافة إلى جميع الأزمات الاقتصادية والسياسية والصحية المتلاحقة التي عرفتها البشرية على مرّ العصور، فإن أكبر تحدٍّ اليوم هو تفاقم الأخطار البيئية والوبائية. فكيف نفهم عالمنا؟ وكيف نتعامل معه؟ مع العلم أنّ الأيديولوجيات الخمس الكبرى التي تتحكم في أفكارنا وأعمالنا، يبدوأن الواقع تجاوزها، وأصبحت خارج الموضوع تمامًا؟ ويرى المرزوقي أن كل الأيديولوجيات هي تجارب فكرية اجتماعية سياسية معيشة، لذا هي تستدعي إعادة النظر في المفاهيم الكبرى التي بنت عليها رؤيتها للواقع، وخاصة رؤيتها للإنسان الذي يركن وراء كل الصعوبات وكل الإخفاقات.لذا وجد المرزوقي أن الوطنية ـ القومية، قد افترضت أنه، للوقاية مما تختزنه المجموعات البشرية الأخرى من عنف وعدوانية، لا خيار غير رصّ صفوف الشعب المهدد على الدوام والاحتماء بدولة مسلحة مستعدة للحرب، هكذا يمكن الحفاظ على السلام والتمتع بالأمان. وقد أثبتت التجارب التاريخية أن هذا المنطق، وإن كان وراء فترات السلام المتقطعة، كان ولا يزال سبب كل فظاعات الحروب والدولة الوطنية لفرض وجودها في حاجة إلى الحرب حاجتها إلى السلام.وبخصوص الليبرالية ركَّز كتاب المراجعات والبدائل على أن الحرية قيمة القيم، وأن انتصارها سيؤدي إلى تحرر الإنسان من القيود التي كبّل بها نفسه، وأن التجارب التاريخية أثبتت أنها تفجّر أحسن ما في هذا الإنسان من طاقات الخلق والإبداع مثلما تفجّر أسوأ ما فيه من غرائز الجشع والتجبّر والاستغلال. يتساءَل الكتاب، ما الذي نربح في مقابل توسيع شعورنا بالانتماء والمسؤولية إلى البشرية جمعاء؟ أهدتنا الحياة عالمًا بأسره عند الولادة، وتهدينا العالمية عندما نتبناها منهجًا فكريًا وأخلاقيًا كل ما أنتجته عبقرية البشر على مرّ العصور.ويؤكد المرزوقي أنه لم يعد ممكنًا أيضًا مواصلة الاستكانة لهوس الحرية المطلقة المعفاة من كل مسؤولية كما تفهمها الليبرالية، ما يعني ضرورة عودة قوية للدولة بوصفها ضامنة لأولوية المصلحة العامة على المصالح الخاصة. مثل هذه الدولة لا تكون إلا الدولة الديمقراطية، لقدرتها على حفظ كرامة البشر السياسية وامتصاص العنف المجتمعي، وتسهيل العلاقات السلمية بين الدول الشبيهة.وإنه من تجريب الأيديولوجيا الدينية يتضح عبث إقحام المقدس في شؤون البشر وضرورة التخلي عن أوهام الأيديولوجيا التقدمية للمستقبل.