الناجحون بين مقعد غازي وشعر طلال!
"إن رغبتي في إتقان ما أقوم به من عملٍ لم تعنِ قط رغبتي في التفوق على أي إنسان آخر. كنتُ ولا أزال أرى العالمَ يتسع لكل الناجحين بالغًا ما بلغ عددهم.
وكنتُ ولا أزال أرى أن أي نجاح لا يتحقق إلا بفشل الآخرين هو في حقيقته هزيمة ترتدي ثياب النصر"، هذه عبارة نقشها الدكتور غازي القصيبي، رحمة الله في عقلي، منذ أن قرأت كتابه بعنوان "حياة في الإدارة" قبل تخرجي في الجامعة.
ربما حينها كان حد تفكيري بالعبارة لم يتخط حدود المنافسة بين الطلبة سواء بالدراسة أو الانتخابات الجامعية، وكلا الأمرين هما منافسة شريفة، وليس لفشل الآخرين حيز.
والتحقت بالعمل بالقطاع الحكومي، ومارست العمل التطوعي في الوقت ذاته، وتوسعت مداركي، وأخذت أنهم الخبرة من تجارب الفشل قبل تجارب النجاح.
وتعلمت الدروس من الصفعات التي تلقتها وجنات الآخرين، حتى لا تطال اليد وتصفعني، أخطأت في قرارات، وأصبت في أخرى.
جاملت في مواضع، وتحملت في مواضع أكثر، وفي كل مرة أتذكر أن من لا يخطئ لا يتعلم، واعتقدت أنني سأكمل صعود السلم، فالعالم يتسع لكل الناجحين.
أنا أُعطي وغيري يُعطي، مؤمنين أن لكل منا في العالم مقعداً، والعمر يمضي ولم نشعر، بل مستمرون بالعطاء إلى أن تبدأ المقاعد من الغير تُشغر، وان المقاعد الشاغرة أصبحت أبعد، رغم أن القصيبي (رحمه الله) ذكر في كتابه "الذين يعرفون فرحة الوصول إلى أعلى السلَّم هم الذين بدأوا من أسفله"، إلا أن الفرحة أصبحت في يومنا هذا لمن من بدأ السلم من الأعلى! مع هذا، المؤمنون بشغفهم والمحبون لعملهم يستكملون مسيرة العطاء، ويخطئون بِعَد مقاعد الناجحين المتبقية عمدا، حتى لا يتهاونوا بالصعود محبطين فيبدأون بالنزول للأسفل.
والخطر هنا عندما يسلك الأغلب سلوك الشق الثاني من عبارة القصيبي الشهيرة، وهم الفاشلون الذين يحققون نجاحهم على نجاح الآخرين، لأنه الطريق المضمون والأسهل والأسلم، وبهذا الفعل دُمّر البلد؛ لأن هؤلاء ولاؤهم للسلطة وأصحاب القوة، وليس للمؤسسة.
عطاؤهم محدود؛ لأنهم لم يترعرعوا مع بقية فريق العمل، هؤلاء ليس هدفهم التطوير والإنتاج، بل هدفهم البحث عن مقاعد شاغرة أخرى أعلى سلم آخر.
هؤلاء قصيرون النفس، غير منجزين، مثلهم مثل أي استعمار يحطم حضارة مستعمرة، حتى يمحي تاريخها، لينسب الأمجاد لنفسه، ملحقين الضرر بالفرد والمؤسسة، وقد دُمرت بيئة العمل، والمقعد لم يصبح شاغراً!
هذه هي حال أغلب الكفاءات، والكوادر الوطنية، التي ترعرعت على الإخلاص بالعمل، وتأصل فيها الولاء، لا يرون سوى تحقيق الهدف والانجاز؛ لأنهم يعتبرون انفسهم جزءا من المؤسسة.
يشعرون أحيانا بصراع داخلي بين العاطفة والمنطق، بين ترك المقاعد للقريبين من أصحاب السلطة والقوة، وصناعة مقاعد خاصة بهم في عالمهم، وبين الاستمرارية في صعود السلم، حتى لو كان صعودا ببطء متسلحين ببيت شعر من قصيدة الشاعر طلال الرشيد، الذي قال فيه:
"ماخذينا الصيت من جمع الذهب
ولا نسابة شيخ أو قربة وزير".
ختاما، ولاننا نعيش العولمة، توسعت مدارك الناجحين، وأيقنوا أن العالم غير محدد بحدود، وإن المقاعد موجودة على مدار الأرضية، لذلك هاجر العديد من أصحاب الكفاءات، كالأطباء، وأصحاب العلم والمعرفة، والمتفانين لمن خصص المقاعد للناجحين لا أصحاب "الظهر"، الأمر الذي سيؤثر، إن لم يكن قد أثّر بالفعل، على المؤسسات والبلد.
كاتبة كويتية
م. أفراح جاسم السعيدي