الثلاثاء 06 مايو 2025
30°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
المحلية

النص الذي لن يراجعه "أبو هادي"!

Time
الأربعاء 18 مايو 2022
View
5
السياسة
حين وقفت الزميلة سوزان ناصر باكية أمام باب المكتب، عرفت ان أمرا جللا قد حدث، لكنني قلت في نفسي "ليته أمر غير ما أخشاه وأتحسب له".. خصوصا أن الدموع وملابس الحداد لم تفارقها منذ وفاة والدتها (رحمها الله) قبل شهور قليلة.
لكن ما كنت أخشاه وأحذره كان قد حدث، قالت وقد خالط صوتها نشيج حزين، "توفي... أبو هادي"... وقعت العبارة على سمعي كصاعقة ضربت عصفورا بلله الماء في ليلة شتائية قارسة البرد، ارتجفت، مادت بي الأرض، وشعرت برأسي يدور، ولفني ظلام حالك، وضربت رأسي مئات الصور للرجل الذي عرفته قبل ثمانية عشر عاما أو يزيد.
في البوم الصور ـ التي كان يحبها أبو هادي ويقضي الساعات في تأملها وفحصها لاختيار أمثلها للنشر ــ تذكرت أول مرة التقيته في مارس 2004، حين بدأت عملي في الجريدة. كنت قد سمعت عن الرجل كثيرا قبل أن التقيه، وكله مما يندرج في اطار التصورات التي يبنيها عادة الموظفون عن رؤسائهم، ومديريهم، لكن ما إن طرقت الباب حتى تبددت كل التصورات، وتبخرت، فالرجل القابع دائما خلف مكتب خشبي كبير، ممسكا بسيجاره، الذي تنبعث منه رائحة قوية، ودخان أقوى يعبق المكان، علت محياه سمات الطيبة والألفة والوداعة، ولا تفارق شفتيه الابتسامة، مع ضحكة عالية مجلجلة من القلب.
تكررت اللقاءات بعد ذلك، بشكل شبه يومي على مدى سنوات طوال، حفلت بالاحداث والذكريات، والمواقف. وإذا كان رثاء "الحكيم"، وذكر مناقبه ومآثره في مقال واحد أمرا صعبا.
كان الراحل الكبير دؤوبا في العمل إلى حد يبعث على الدهشة والاعجاب، فلوقت طويل، كان أول من يصل مكتبه في الجريدة، وآخر من يغادر، كان يداوم يوميا بهمة لا تفتر وعزم لا يلين وكأنه في سباق مع الزمن، ودون كلل أو ملل، وإلى حد يحسده عليه الشباب.
أكتب هذه الكلمات في رثائه، ويعتصرني الالم، وأعرف ـ للمفارقة ـ أنه سيكون النص الذي لن يراجعه "أبوهادي"، وسيحرمني رحيله الحزين ــ وكل زملائي ــ من ملاحظاته؛ فقد طارت الفراشات لتحط على أجمل الورود.
رحم الله أستاذنا الكبير شوكت الحكيم وغفر له، وألهم أهله وذويه وتلامذته ومحبيه الصبر والسلوان.

محسن شريف
آخر الأخبار