د.معراج أحمد معراج الندويالصبر ليس مُجرّد كلمة تُردّدها الألسن مع ضيق الصّدر، وتململ القلب، إنّما هو الذّي لا يُصاحب السّخط ولا القلق، والصبر الحقيقي هو الذي تختاره من دون أي ضغط وبهدوء لأنه وسيلة، وليس غاية، للوصول الى الهدف .الصبر هو محاولة النفس على تحمل الألم والأذى وفقدان الحقوق والعدل، وهو احتمال المكاره من غير جزع، أو هو قسر النفس على مقتضيات الشرع والعقل.لا تخلو حياة الأمم والشعوب مما يستوجب الصبر، لكن كلٍّ بمقدار وفق قدر ما يواجهه من الأذى والضيق، ولكلٍّ مجال يستوجب الصبر في وقت من الأوقات حسب حاله وما يواجهه من ظروف وتحديات ومعوقات.وهو أولى خطوات التعامل مع ما يصيب الإنسان مما يكره، إذ إنه لو غاب لحل الجزع واليأس والاكتئاب، والإنسان في حالة كهذه يُفسد أكثر مما يصلح، ويتخبط ويتيه أكثر مما يتريث ويخطط ويدبر بروية وحكمة ليحقق ما يبغي، وينجو مما يكره، إنه لا يليق به الانكسار مع كل رياح تلفح به تقلبات الدهر وأقدار الحياة.الصبر الجميل هو صبر بلا شكوى، ولا سخط ولا جزع، وهو صبر الرضا والتصديق، صبر العزة والاختيار لا القهر والاضطرار، ويقود الإنسان إلى الثبات. وهو نوعان: صبر على ما تحب، وصبر على ما تكره. فعلى ما تحب كالصبر على الطاعات والمحافظة عليها، وعلى ما تكره هو الصبر على أي نوع من الابتلاءات بقناعة أن الابتلاء موقت.الصبر لازم من مقتضيات الحياة كما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في حديث أنه قال:" فاصبر، فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، فإن مع العسر يسرا".ثم قال: "عجبًا لأمرِ المؤمنِ، إن أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمنِ، إن أصابته سراء شكرَ، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر، فكان خيرًا له". إن المسلم حين يتأمل في حياته وما يعتريها من عوارض وأحوال وكوارث ونكبات، يجد الصبر ضرورة حياتية لكل عملٍ في الحياة، سلباً كان أو إيجاباً، فالصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له، كما لا حياة لجسد لا رأس له. فالصبر للمسلم واجب في الحياة الفردية وفي الحياة الجماعية.إن لكل ليل فجرا، وأن الأحزان مهما طالت لا تدوم، وأن الكروب مهما حلت لا تبقى. واصبر عليها صبرًا جميلاً. فإنه لا يوجد كرب إلا ومعه فرج. ولا يوجد صبر إلا ومعه نصر، فهو الذي يعطي قوة تحمل المصائب، ويدفع حرارة البلاء ويكابد وقعه، ويحفظ صاحبه من اليأس والقنوط، ويبعث نفسه على التفاؤل والطمع في رحمة الله.أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية وآدابهابجامعة "عالية كولكاتا" الهندية
[email protected]