منوعات
النفس اللوامة... محرك الإنسان للخير أو الشر
الأحد 02 مايو 2021
530
السياسة
أشياء أقسم بها الله في القرآنكتب ـ محمود خليل:"نزل القرآن الكريم بلغة العرب ومن عاداتهم القسم إذا أرادوا تأكيد أمر، وقد جرى القران الكريم على هذا النحو، فاستخدم صيغا متعددة للقسم، منها ماهو ملموس وما هو معنوي، فما الأشياء التي استخدمها الله تعالى في القسم وما دلالاتها ؟"يوم القيامةأقسم المولى عز وجل في بداية سورة "القيامة" بيوم القيامة في قوله تعالى، "لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ"، واتبعها بالقسم بالنفس اللوامة، في قوله تعالى، "وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ"، وهي جملة قسم معطوفة على ما قبلها من القسم، بيوم القيامة.من المعلوم أن للإنسان نفسين اثنتين، واحدة أمارة تأمره بالسوء وتلح عليه لفعله، والثانية مطمئنة، تأمره بالخير وتنهاه عن الشر، أما النفس اللوامة فتجمع بين الاثنين، فالنفس المطمئنة تلوم الإنسان على ترك الخير وفعل الشر، والنفس الأمارة بالسوء تلومه على فعل الخير وترك الشر، لذا كان قسم الله تعالى بالنفس اللوامة لأنها هي التي تحرك الإنسان وتغير اتجاهاته إلى خير أو شر. إن النفس اللوامة التي تلوم الإنسان عند التقصير وتحاسبه عند الإخلال بالتكاليف والواجبات الشرعية أو عند الوقوع في الأخطاء والمعاصي، من أفضل الأنفس عند الله لأنها تعمل كرقيب على الإنسان حتى لا يقع في المعاصي وتلوم صاحبها وتشعره بالذنب عندما يخرج عن دائرة الصواب إلى دائرة الانحراف، لذلك تعتبر النفس اللوامة درجة وسطى بين النفس المطمئنة والنفس الأمارة بالسوء، لقوله تعالى "وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى".ويرى المفسرون أنها سميت لوامة لكثرة ترددها وتلومها وعدم ثبوتها على حال، بل إنها تلوم صاحبها في الدنيا عند الموت على ما حصل منه من تفريط أو تقصير في حق من الحقوق أو غفلة عن عبادة.تتحدث سورة "القيامة" التي ورد فيها هذا القسم، وهي سورة مكية، آياتها 40، ترتيبها في المصحف 75، في الجزء التاسع والعشرين، عن هؤلاء الذين لا يخافون الآخرة، لأنهم لا يؤمنون أو لا يريدون أن يؤمنوا بها، وجاء في سبب نزول السورة أن عدي بن ربيعة وكان جارا للنبي، صلى الله عليه وسلم، جاءه فقال له: متى يكون يوم القيامة وما أمره؟ فأخبره به النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: يا محمد لو عاينت ذلك اليوم ما صدقتك ولم أؤمن بك أو يجمع الله هذه العظام، وأشار إلى عظام كانت أمامه فأنزل الله تعالى هذه الآيات التي أقسم فيها بيوم القيامة على أنه حقيقة، وهو يوم غائب لكنه سيأتي ولا شك، ثم أقسم بالنفس اللوامة، التي بين جنبي الإنسان، لكنه لا يعلم حقيقتها، كما يعرفها الله تعالى، لذا أقسم بها الله تعالى على أساس علمه بها لأن الله تعالى يقسم بالحق فمعرفة الإنسان نسبية وأما معرفة الله عز وجل فقطعية. يعتبر اللوم، الذي يسمونه اليوم "الضمير الحي"، هو النفس اللوامة، وهو نوع من الإيمان، لأن الشقي لا يلوم نفسه على ذنب، إنما يلوم نفسه على ضياع المعصية، والذنب إذا ضاع منه، يقول آخرون إن اللوم يأتي من نفس الفاجر والمؤمن، والسعيد هو الذي يلوم نفسه على ارتكاب المعاصي وترك الطاعات، والشقي هو الذي لا يلوم نفسه إلا على فوات حظها وهواها. تعد النفس اللوامة من أفضل النفوس التي لامت نفسها في طاعة الله وصبرت على لوم اللائمين في سبيل الله ومرضاته، وهي النفس التي لا تأخذها في الحق لومة لائم، أما التي رضيت عن أعمالها ولم تلم نفسها فهي التي يلومها الله عز وجل لأنها نفس لوامة، ملومة، جاهلة، وظالمة، لذا يقول ابن عباس: ما من نفس إلا وتلوم نفسها يوم القيامة، فإن كانت طائعة فإنها تلوم نفسها على قلة الطاعة، وإن كانت عاصية فإنها تلوم نفسها على المعصية. اختلف العلماء في تحليل النفس اللوامة، فقال بعضهم، هي لا تثبت على حال واحدة، تتلون، تتقلب، تذكر الله كثيراً، تغفل عنه قليلاً، تنيب، تحب وتبغض، تفرح وتحزن.