الأحد 08 يونيو 2025
35°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الدولية

" النهضة" تسعى إلى انقلاب ناعم يعيد تونس إلى عصر الظلامية

Time
الأربعاء 28 أغسطس 2019
View
5
السياسة
فيما تحتدم المنافسة على الانتخابات الرئاسية والتشريعية يزيد تسليط الضوء الاقليمي والدولي على تونس لمعرفة وجهة تلك الانتخابات المفصلية التي ستجري الشهر المقبل، وفي هذا الشان اصدر مركز الشرق الاوسط للاستشارات السياسية والستراتيجية تقريرا عن وضع حزب النهضة الاسلامي رصد فهي سعي الحركة للسيطرة الناعمة على الرئاسة والبرلمان.
وفي التقرير ان تونس تواجه بعد نحو أسبوعين سيناريوهات صادمة قد تدفع بالحزب الإسلامي المتأثر فكرياً بمدرسة حركة الاخوان المسلمين الى سيطرته ضمنياً على أهم مؤسسات البلاد الحيوية بعد دخول نائب رئيس حركة النهضة الإسلامية السباق الرئاسي المبكر، سبقه قرار مشاركة رئيس الحركة راشد الغنوشي على رأس قائمة حزبه للانتخابات التشريعية في طموح لترأس مجلس النواب.
ولا يمكن استبعاد سيناريوهات احتمال سيطرة "النهضة" على الرئاسة والبرلمان في تطور ملحوظ يترجم حالة تشتت معارضي التيار الإسلامي المتمدد، وان لم تتعزز جبهة معارضة بالتحالفات الممكنة، فقد لا يكون مستغرباً أن تستقبل تونس أول رئيس إسلامي في تاريخها.
فالحركة بترشيحها زعيمه ونائبه للانتخابات الرئاسية والبرلمانية تعيش حالة ثقة مبالغ فيها، وغرور سياسي مستفيدة من تفتت خصومها بعد انهيار حليفها في السلطة الحزب الحاكم (نداء تونس) وتفككه وتشتت بقية خصومها السياسيين وضعف شعبيتهم، ما دفع حزب الإسلاميين للانقلاب مرتين على ناخبيه ناقضاً عهوده التي مكنته من كسب تعاطف شعبي آخذ في التقهقر تدريجياً منذ نجاح"ثورة الياسمين".
الانقلاب الأول "النهضة" تمثل في تنصلها من أهدافها التاريخية كالالتزام بمبادئ "ثورة الياسمين"، والقطع مع النظام القديم، فضلا عن غموض مواقفها إزاء تحقيق اهداف تأسيسها كتطبيق شعار "الإسلام هو الحل". فبعد تمكن الإسلاميين طيلة سنوات ما بعد الثورة من توسيع نفوذهم في الإدارة ومؤسسات الدولة، سارعوا للتنصل من هويتهم الإسلامية، وإعلانوا تحول حركتهم حزبا أقرب الى العلمانية ظاهريا، لكن قد يكون هذا التحول عكس ما يبطن ويكون فقط للبروباغندا وقبول الحزب دولياً وكسب ثقة الرأي العام المحلي والعربي والدولي، وهناك تشكيك في أن "النهضة" غير ملتزم تمامًا بقطعه الارتباط الديني، وان التحول كان مجرد عرض صورة من شأنها إرضاء العلمانيين التونسيين وحلفائهم في الغرب.
ونظرا لاعتقاد" النهضة" الراسخ ان صفة إسلامي باتت توحي بالراديكالية، سعى بكل قوة الى التنصل من صفة الإسلامية، ووصف أعضائه بالإسلاميين، وشرع خلال السنوات الأخيرة بتجديد نفسه وهويته وتبني العمل الحزبي المدني، لكن هناك تخوف من ان يكون هذا الانقلاب على الصورة النمطية مجرد مسايرة للوضع العام، ثم ما ان تتمكن من مقاليد السلطة قد تعاود تنفيذ رؤيتها الأصيلة التي كان أساس نشأة الحركة.
لكن تبقى غايات التحول مبطنة ولا يمكن معرفتها الا على المدى المتوسط إذا تمكنت حركة "النهضة" من بسط قوتها الناعمة على مفاصل السلطة في تونس تدريجياً، وهذا ما يلاحظه المتابعون بارتفاع سقف طموحاتها الى حد السعي لإدارة الرئاسة والبرلمان والحكومة.
أم الانقلاب الثاني فتمثل في نقض قيادات "النهضة" وعودهم وبخاصة زعيمها راشد الغنوشي الذي تعهد في أكثر من مرة أنه لا يسعى للمناصب بقدر خدمة الشعب وتحقيق مبادئ الثورة. وفي حين أكد مرار انه يرتضي ان يبقى زعيماً لحزب بلا منصب في الدولة، انقلب مرة واحدة على تصريحاته ليقحم نفسه ونائبه للتنافس على رئاستي البرلمان والبلاد في رغبة واضحة لكسب السلطة.
وتبدو بذلك خطوة الإسلاميين للسيطرة على السلطة، وان تأخرت الا انها توصف انها أنضج من خطوة "الاخوان" في مصر لإدارة السلطة عقب الثورة، لكن مخطط "النهضة" على ما يبدو قد يصطدم بغضب شعبي يعبر عنه الناخبون في مكاتب الاقتراع، وذلك بسبب ضعف سجل إنجازات "النهضة" الشعبية والاقتصادية كونها حليف في السلطة، ولمواجهة هذا الاحتمال قد تراهن الحركة على توقع عزوف عن الانتخابات، وهو ما قد تستفيد منه في حال تشتت الأصوات لخصومها مقابل امتلاكها لأكبر قاعدة انتخابية مستقرة وملتزمة نسبياً الولاء لقيادات الحركة وخيارتها.
على صعيد آخر، بعد وفاة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي نهاية الشهر المنصرم، يسعى مريدو الإسلاميين في تونس الى تصوير زعيم الحركة الغنوشي على انه عراب وحكيم ومرشد ثورة "الربيع العربي" التي انطلقت من تونس في 2010 وأطاحت النظام العلماني الذي حكمه الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
وتعمل حسابات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي الى جانب بعض منابر الاعلام الداخلي والخارجي والمتضامنة مع الإسلاميين الى تلميع صورة "النهضة" كونها الفريق السياسي الوحيد المتآلف والمنظم والقادر على إدارة شؤون البلاد، غير أن الأرقام والاحصاءات أظهرت فشل حكوميتين ادارهما قياديون من"النهضة" في تحسين مؤشرات الاقتصاد المتراجعة منذ 2011، رغم بعض التحسن الطفيف لقطاعات مستفيدة من عودة الامن، كقطاع السياحة.
بترشيح الحركة رئيسها للتنافس التشريعي ونائبه للرئاسة، تعاود "النهضة "استنساخ طموح "الاخوان" في مصر لبسط الهيمنة على السلطة، وبدا أن دخول الإسلاميين التنافس االانتخابي اتى بعد حسابات وتحليلات دقيقة للواقع السياسي المضطرب، حيث لا تسجل الحياة السياسية أي تكتل شعبي قوي يمكن أن يضاهي البناء الحزبي لحركة "النهضة" المنسجم ظاهريا والمتصدع داخليا، وبذلك فان قرارها دخول المنافسة ليس متسرعا كما جرى مع "اخوان مصر"، لكن في توقيت مدروس في ظل زيادة اتهامات بعض المرشحين بتهم فساد، او شكوك تحوم حول قدرتهم في العبور بتونس من أزمة اقتصادية واجتماعية متفاقمة.
وخلافاً لوعودها بالتمسك بالمشاركة السياسية في البرلمان، فاقت طموحات "النهضة" الحديثة في العمل السياسي قدراتها على التغيير الذي يتطلع اليه التونسيون، وبدا اهتمامها بالسباق الرئاسي والتشريعي يعكس حالة انتهازية لعدم تماسك المكونات السياسية الاخرى والمعارضة لها بخاصة، اذ تشير أرقام بعض مراكز استطلاعات الرأي الى رغم تراجع شعبية"النهضة" الا انها تبقى في ذهنية جزء من الناخبين الحزب القوي، من ناحية التمويل والتنظيم وعدد المنتمين والأعضاء والمتعاطفين.
بلغت حركة" النهضة" حالة من الغرور السياسي اذكاها استمرار توسع نفوذها في كل تونس، في ظل انهيار حليفهاالعلماني ثاني أكبر حزب سابقا (نداء تونس) الذي تفكك وتصدع باستقالات اعضائه بعد رحيل زعيمه، ويعتقد الغنوشي ان "النهضة"، أحد أكثر الأحزاب السياسية نفوذاً في العالم العربي، ليعلن في وقت سابق تجاوز أصوله كحزب إسلامي معتنقاً بالكامل هوية جديدة سوقها كحزب من الديمقراطيين المسلمين. وفي ظل عدم تمكن أي من الأحزاب الجديدة أو القديمة من تكوين جبهة متآلفة وقوية وممثلة بشكل واسع في تونس، تبقى "النهضة" الأكثر تمثيلا، وامتلاكا لقواعد تمثل خزانا انتخابياً مستقرا، رغم تراجع عدد المتعاطفين معها وبخاصة الذين لم يستفيدوا من الوعود الكثيرة التي أطلقتها الحركة خلال الانتخابات السابقة.
ومع استمرار انقسام الأحزاب العلمانية وضعف الأحزاب الوليدة وكثرتها، وعدم انسجاماها قياداتها، تراهن "النهضة" على استغلال الفرصة والظفر بأكثر النتائج وكسب السلطة بطرق سلمية وديمقراطية.
وكانت الشعارات الأولى لأعضاء الحركة بعد اول ممارسة للسياسة منذ نحو ربع قرن من المنع في ظل نظام بن علي السابق متجانسة مع أهداف تأسيس الحركة، فعقب الإطاحة بنظام بن علي أطلق أعضائها وقياديوها شعارات أبرزها تأسيس دولة بمعايير الخلافة، سرعان ما نفت هذه المزاعم لاحقا، وزيادة الجمعيات الإسلامية ونشاط الإسلاميين في النسيج الاجتماعي، وهو ما زاد من تفريخ حالات تطرف بلغت اوجها بمشاركة آلاف التونسيين بالقتال في سورية والعراق وليبيا، وزيادة الاحتجاجات والاعتصامات المحرضة على التطرف.
ويذكر أن أحد قيادات" النهضة" اعترف أخيرا لإحدى القنوات الدولية انه الحزب الإسلامي في صورته الجديدة لا يسعى للتغول على السلطة بترشيحه رئيس الحركة ونائبه لمناصب قيادة البلاد.اذ وفق تعبير عامر العريض، قيادي "النهضة"، فان" الحزب يحترم قواعد اللعبة الديمقراطية، ويسعى بكل حرية الى المشاركة في المنافسات الانتخابية مثله بقية الأحزاب". وقال:" لكن اختيار كل من زعيمه راشد الغنوشي ونائبه عبد الفتاح مورو للترشح الى التنافس على المناصب القيادية في الدولة يراعي قواعد الديمقراطية، وليس هناك نية للتغول، بل رغبة برفع مستوى المنافسة والتشجيع على المشاركة السياسية والاقبال على الانتخاب". لكن تبقى الإعلانات والتصريحات تخدم تسويق الصورة الجديدة للحزب المتنصلة من الهوية الإسلامية وقد تعكس جدية التنافس على قيادة البلاد وممارسة السلطة نوابا الإسلاميين على المدى المتوسط، فشعار تأجيل تنفيذ رؤية "النهضة" اعترف به رئيس الحركة الغنوشي منذ 2011.
آخر الأخبار