* الثورات التقنية تحتم على المؤسسات المالية مواكبة احتياجات العملاء وتلبية متطلباتهم بالشكل السليم* خالفنا "الفيدرالي" 5 مرات في رفع الفائدة لتكريس جاذبية الدينار وبقائه كوعاء موثوق للمدخرات المحلية* نسبة الديون المتعثرة محلياً انخفضت إلى مستوى متدنٍ لم نصل إليه تاريخياً عند 1.6 في المئة * حجم الدين العالمي سجل مستويات غير مسبوقة عند 244 تريليون دولار يعادل 320 % من الناتج الإجمالي رأى محافظ بنك الكويت المركزي الدكتور محمد الهاشل أن العالم مقبل على تحديات جسيمة مختلفة عن السابق، محذراً من أن "الماضي لن يكون مؤشرا جيدا للمستقبل"، في ظل ارتفاع مستويات الدين العالمي وتغير السياسات في الدول الكبرى وغموضها، ما سيلقي بظلاله على النمو العالمي، وبالتبعية على اقتصادات المنطقة.وفي ما يتعلق بالوضع الاقتصادي في الكويت، رأى محافظ بنك الكويت المركزي أن "الاستقرار الاقتصادي يحتاج إلى الاستقرار النقدي والاستقرار المالي وإلى أمور أخرى كثيرة، أبرزها الإصلاحات الهيكلية والمالية والاقتصادية، التي نناشد السلطات دائما لتطبيقها".وأشار الهاشل في مقابلة مع قناة "العربية" إلى أن "السنوات العشر الماضية كانت مليئة بالتحديات، ابتداء بأزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة الأميركية، ثم أزمة الديون السيادية في أوروبا في ٢٠١٠، ثم حين داهمتنا الأزمة في عقر دارنا من خلال انخفاض حاد في أسعار النفط منذ 2014".ولاحظ أن "هذه الأزمات، وخصوصا الأزمة المالية العالمية، كشفت عن ضعف إدارات المخاطر، وضعف معايير الحوكمة في المؤسسات المالية في العالم ككل، وألزمتنا وحتمت علينا نظرةً شمولية مختلفة، وإعادة (مراجعة) منظومة الرقابة بشكل كامل، ليس فقط في الشق الجزئي (micro)، بل أيضا على المستوى الكلي (micro prudential)".ولفت الهاشل إلى أن "البنك المركزي اتخذ إجراءات تحوطية متزنة منذ اندلاع الأزمة العالمية، مكنت القطاع المصرفي من تعزيز مكانته في الاقتصاد المحلي، حتى يستمر في القيام بدوره في الوساطة المالية في الاقتصاد، وأدت إلى دخول البنوك في أزمة انخفاض النفط من موقع قوة، واستمرارها في ممارسة دورها بشكل سليم في الاقتصاد".تحديات عالميةورأى الهاشل أن "العالم مقبل على تحديات جسيمة ومختلفة تماما عما شاهدناه في السابق"، محذرا من أن "الماضي لن يكون مؤشرا جيدا للمستقبل".ومن تلك التحديات، أشار الهاشل إلى "ارتفاع حجم الدين العالمي إلى مستويات غير مسبوقة، عند نحو ٢٤٤ تريليون دولار أميركي، أي ما يعادل ٣٢٠ في المئة من الناتج العالمي الإجمالي"، موضحا أن هذا الرقم يشمل الديون السيادية وديون القطاع الخاص والأفراد. واعتبر أن "تحدي الديون كبير، خصوصا للدول والمؤسسات والأفراد المقترضين بعملات أجنبية، إذ مع ارتفاع معدلات الفائدة والسياسات النقدية الانكماشية في الاقتصادات الكبرى، وكذلك ارتفاع أسعار الصرف للعملات العالمية، سيزداد عبء سداد الديون بالعملات الأجنبية".ولفت الهاشل إلى أن من بين التحديات "التغير الكبير والجذري في السياسات في الدول الكبرى، وغموض هذه السياسات، والتركيز على النظرة الداخلية، وتعزيز النزعة الحمائية، و(بروز) الحرب التجارية بين الاقتصادات الكبرى".ورأى أن هذه العوامل "ستلقي بظلها على نمو الاقتصاد العالمي، خصوصا أننا نعيش في اقتصادات صغيرة ومنفتحة على العالم، وبالتبعية سنتأثر بلا شك، عندما يحدث ركود أو تباطؤ في الاقتصاد العالمي سيؤثر ذلك على الطلب العالمي، وبالتالي يتأثر الطلب على النفط، وهو المورد الأساسي في اقتصاداتنا المحلية، وهذا بدوره سينعكس كأحد الآثار المباشرة على اقتصادنا المحلي".وأشار الهاشل إلى تحدٍ آخر هو "الثورات التقنية والتغيرات الجذرية في طلبات العملاء واحتياجاتهم، وهذا يحتم على المؤسسات المالية أن تنظر نظرة مختلفة تماما إلى احتياجات ومتطلبات العملاء لتلبيتها بالشكل السليم والمطلوب".السياسة النقديةفي موضوع آخر، بيّن الهاشل أنه "ليس بالأمر اليسير رسم سياسة نقدية موائمة للظروف الاقتصادية المحلية في ظل نظام سعر الصرف المطبق في الكويت، والمرتبط بسلة من عملات الدول الكبرى التي تربطنا بها علاقات مالية وتجارية، خصوصا في الظروف الاقتصادية الراهنة، العالمية والمحلية".
وأوضح الهاشل أن "السياسة النقدية الأميركية اتجهت نحو التقييد والانكماش في الفترة الماضية، وإن كان ذلك قد تغيّر أخيرا في الاجتماعين الأخيرين للفيدرالي الأميركي في ديسمبر 2018 ومارس 2019، حيث تغير توجه السياسة النقدية نحو الصبر قليلا والانتظار لحين بروز بيانات أكثر تبين اتجاه الاقتصاد الأميركي".وبين أن سياسة التقييد الأميركية استمرت "على الأقل في الفترة منذ ديسمبر 2015، عندما بدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي برفع أسعار الفائدة مرة واحدة، ثم في ديسمبر 2016 مرة أخرى، ثم في 2017 ثلاث مرات، وفي 2018 أربع مرات".
تحوّط.... وليس شد أحزمةما يتعلق بالقطاع المصرفي، أوضح الهاشل أن "بنك الكويت المركزي يتبع سياسة متحوطة وباتزان هي ليست (شد أحزمة) أو (تحفظ) كما يطلق عليها، وإنما سياسة متحوطة تنظر إلى الأوضاع بنظرة شمولية، وتأخذ في الاعتبار الأوضاع الحالية والمستقبلية كذلك، وتتدرج في تطبيق السياسات التحوطية بشقيها الجزئي والكلي. وبسبب هذه السياسات المتحوطة المتوازنة استطعنا أن نحصن القطاع المصرفي، من دون أي تدخل أو خطط إنقاذ من الحكومة".وردا على سؤال عما إذا كان البنك المركزي سيستمر في السياسة التحوطية أجاب: "درهم وقاية خير من قنطار علاج".
سياستنا النقدية مواتية وموائمة للظروف الاقتصادية في شرحه للسياسة النقدية الكويتية، قال الهاشل: "في الكويت رفعنا الفائدة فقط أربع مرات، وخالفنا الاحتياطي الفيدرالي خمس مرات أخرى، وذلك لتحقيق هدفين قد يكونان متعارضين في الوقت الراهن لكنهما من المتطلبات والثوابت الأساسية عند بنك الكويت المركزي. الهدف الأول هو تكريس جاذبية الدينار الكويتي وبقاؤه كوعاء موثوق ومجزٍ للمدخرات المحلية. هذا الهدف يدعو إلى رفع أسعار الفائدة عندما يرفعها الفيدرالي الأميركي، حتى نحافظ على هوامش إيجابية لصالح الدينار . وفي المقابل، نحتاج لتوفير بيئة مواتية للنمو الاقتصاديوتشجيع القطاع الخاص على الاقتراض للمساهمة في النمو الاقتصادي وهذا يدعوك على الأقل إلى الإبقاء على أسعار الفائدة".وأضاف: "لذلك كان أمام البنك المركزي معضلة وصعوبة في رسم سياسة نقدية، لكن بإشادة من مؤسسات دولية أبرزها صندوق النقد ، استطعنا رسم سياسة نقدية مواتية وموائمة للظروف الاقتصادية، حققت الهدفين معا، فمن جهة عززنا جاذبية الدينار كوعاء للمدخرات، ودعمنا النمو من خلال مخالفتنا لأسعار الفائدة الأميركية".
القطاع المصرفي "متين" أوضح الهاشل أنه "إذا نظرنا إلى مربع السلامة المالية للقطاع المصرفي، من حيث الكفاية الرأسمالية والسيولة وجودة الأصول والربحية، نجد أنها جميعا تدل على متانة وكفاءة القطاع المصرفي". وأضاف: فعلى سبيل المثال، الكفاية الرأسمالية الآن مستوياتها عند 18.3%، كما في 2018، وبما يفوق بكثير الحد الأدنى المطلوب وفق تعليمات البنك المركزي ومتطلبات بازل- 3". وتابع الهاشل: "لدينا خمسة مؤشرات للسيولة جميعها مريحة، بما في ذلك المؤشرات الجديدة وفق متطلبات بازل - 3. وكذلك بالنسبة لجودة الأصول، إذ انخفضت نسبة الديون المتعثرة إلى مستوى متدن لم نصله تاريخياً، عند 1.6 %، . وقد رأينا نمو الأرباح في العامين الماضيين بنسبة 14%، و18%، على التوالي".