صدر عن سلسلة ترجمان في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب "الهزيمة الغريبة"لمارك بلوخ بالفرنسية 1940الذي يعد شهادة نُظّمت في عام 1940، ترجمته إلى العربية عومرية سعيد سلطاني.ويمثل الكتاب وثيقة كتبها مؤرخ كبير من خلال تجربته بوصفه ضابطًا في الجيش الفرنسي كان في الميدان عندما اجتاح جيش هتلر بلجيكا واحتل الأراضي الفرنسية، بينما كان الجيش الفرنسي يتراجع من دون خطة، يشرح فيها أسباب الهزيمة يومًا بيوم وسط الفوضى التي ضربت القيادة العسكرية والضباط، قائلًا إن الهزيمة فكرية في الأساس لأنها حصيلة مواجهة بين خصمين ينتميان إلى عصرين مختلفين، فالستراتيجية الفرنسية العسكرية تنتمي إلى الحرب العالمية الأولى، بينما كان الجيش الألماني مواكبًا كل التطورات الميدانية والمادية.وفي سياق المقارنة بين الحربين الأولى والثانية، يقول المؤلف إن التاريخ علم التغيير، وإنه يَعلَم ويُعلِّم أنّ أيّ حدثين لا يتشابهان أبدًا في ظروف حدوثهما، لكن المشكلة لا تتعلق برجال الحرب فحسب، فالاستهتار تفشّى في كل المجالات؛ والعيب كان في النظام الذي كان من المفترض أنه ديمقراطي، إلّا أن النظام البرلماني كثيرًا ما كان يقوم على الدسائس.يتألف الكتاب من 184 صفحة من القطع المتوسط، وثلاثة فصول، في الفصل الأول، "تعريف بالشاهد"، يعرّف بلوخ بنفسه، وهو اليهودي بالولادة من دون أن يُشعره ذلك بفخر أو بخزي، لا يستدعي أصوله اليهودية إلا حين يتعلق الأمر بمواجهة شخصٍ معادٍ للسامية، وهو رفض بين الحربين الكونيتين الاستفادة من تشريعات تعفيه من الخدمة العسكرية في الجيش الفرنسي، وبقي في عام 1939 نقيبًا، وهي رتبة رقّي إليها في عام 1919، بُعيد مشاركته في الحرب الأولى.
أوكلَت إليه هيئة الأركان العامة وظيفة ضابط ارتباط مع القوات البريطانية، ثم أصبح بين ليلة وضحاها الآمر الناهي في مستودعات الوقود "في أحد جيوشنا الأكثر تجهيزًا بالآليات على الجبهة بأكملها"، كما يقول، وعاش الانسحاب الفرنسي من جنوب مدينة ليل، وتدمير مستودعات الوقود.في الفصل الثاني، "شهادة مهزوم"، يقول بلوخ إنه لا ينوي هنا كتابة تاريخٍ نقديّ للحرب، ولا حتى تاريخ الحملة العسكرية في الشمال، "فأنا لا أملك الوثائق الضرورية، ولا الكفاءة التقنية للقيام بذلك. لكن، من الآن فصاعدًا، ستكون ثمّة ملاحظات تتّسم بما يكفي من الوضوح بحيث لا يمكن التردّد في الإشارة إليها". يتحدث بلوخ عن أخطاء كثيرة ومختلفة تراكمت آثارُها، "فقادت جيوشنا إلى الكارثة، غير أن ثمة تقصيرًا كبيرًا يهيمن عليها جميعها، فقادتنا، أو الذين تصرفوا باسمهم، لم يجيدوا فهم هذه الحرب، وبعبارة أخرى، كان انتصار الألمان فكريًّا في الأساس، وذلك ما يشكِّل ربّما أخطر ما في هذا الانتصار".ويختم بلوخ الفصل بالقول إنّ قادة الجيش الفرنسي ما كانوا ليرضخوا للإحباط بقدر كبير من الرضا عن النفس، "وهو واحد من أسوأ خطايا الحكمة، لو أنهم وثقوا بمواهبهم الخاصة، لكنهم كانوا مهيّئين في أعماق قلوبهم، ومنذ وقت مبكر، لفقدان الأمل في البلد الذي كان عليهم الدفاع عنه، وفي الشعب الذي كان يزوّدهم بالجنود. وهنا علينا أن نغادر المجال العسكري، لنبحث بعيدًا في العمق عن جذور سوء فهم خطير جدًّا، هذا إن لم نضطر إلى اعتباره أحد الأسباب الرئيسة للكارثة".في الفصل الثالث، "فرنسي يفحص ضميره"، يرى بلوخ أن ليس من هيئة مهنية، في أيّ أمة من الأمم، تُعتبَر مسؤولة بالكامل عن أفعالها؛ إذ يتطلب تحقيق مثل هذا الاستقلال الأخلاقي أن يكون التضامن الجماعي على قدر كبير من التلاحم".