صعود الأسعار منذ ديسمبرالماضي مع التزام الأوبك وحلفائها بخفض الإنتاج لامتصاص الفوائض كشف الموجزالاقتصادي لبنك الكويت الوطني عن اسواق النفط عن عودة الأسواق إلى الارتفاع من جديد بعد مضي حوالي شهرين من العام الجديد، حيث شهدت أسعار النفط تحولاً كبيراً وعوضت ما يقارب حوالي نصف الخسائر التي فقدتها في الربع الأخير من العام 2018 عندما تراجعت الأسعار بنسبة 35% تقريباً. حيث ارتفع سعر مزيج خام برنت، المعيار القياسي لمعاملات النفط العالمية، بنسبة 25% حتى الآن في العام 2019 وبلغ 65.1 دولار للبرميل بعد أن سجل أفضل أداءً شهري له منذ ثلاثة أعوام في يناير الماضي. كما ارتفع الخام الأمريكي الخفيف، نفط غرب تكساس الوسيط ، بنسبة 23% منذ بداية العام حتى تاريخه وبلغ سعره 55 دولاراً للبرميل، مما يرشح الاسعارللارتفاع 20 % خلال العام الحالي.واتخذت الاسعار اتجاها صعودياً منذ بداية شهر ديسمبر الماضي، حيث ارتكز ذلك إلى حد كبير، وإن لم يكن بشكل حصري، على التزام الأوبك وحلفائها باتفاق فيينا في ديسمبر الماضي لامتصاص الإمدادات الفائضة من السوق.كما أثرت المخاطر الجيوسياسية على جانب العرض، حيث إن فرض العقوبات الأمريكية على فنزويلا في يناير واقتراب انقضاء مهلة 180 يوماً التي وضعتها الولايات المتحدة قبل فرض العقوبات على إيران في مايو، وتقنين تدفقات النفط الخام في كندا بسبب اختناقات خطوط الأنابيب، ساهمت كل تلك العوامل في تعزيز أوضاع سوق النفط، خاصة بالنسبة للنفط الثقيل الغني بالكبريت. أما على صعيد الطلب قال الموجزتعد التوقعات لفترة الستة أشهر إلى أثني عشر شهراً المقبلة داعمة أيضاً. حيث تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يزداد الطلب العالمي على النفط في العام 2019 بواقع 1.4 مليون برميل يوميا ليصل إلى 100.6 مليون برميل يوميا مقابل 1.3 مليون برميل يومياً في العام 2018. حيث أنه وفقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية ستدخل عدد من المشاريع البتروكيماوية الناشئة في الولايات المتحدة والصين حيز التنفيذ، هذا بالإضافة إلى أن تراجع أسعار النفط في الربع الرابع من العام 2018 شكل أحد العوامل الايجابية التي تصب في مصلحة نمو الطلب على النفط. كما أن تراجع درجات الحرارة وبرودة فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي (زيت التدفئة) يعتبر ايضاً من العوامل الداعمة، على الأقل خلال الربع الأول من العام 2019.وتأتي توقعات الطلب على النفط بشكل ايجابي نسبياً على الرغم من إشارة توقعات صندوق النقد الدولي لضعف نمو الاقتصاد العالمي هذا العام، حيث قام مؤخراً بخفض توقعاته الخاصة بنمو الاقتصاد العالمي للعام 2019 بنسبة 0.2% ليصل بذلك معدل النمو المتوقع إلى 3.5% على خلفية ضعف أداء منطقة اليورو والصين، وتشديد السياسات النقدية، واحتمال تدهور العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة. وبالنسبة لهذا العامل الأخير، يبدو أن أسواق النفط تتبنى موقفاً أقل خطورة، إلا أنه نظراً لتذبذب المباحثات التجارية ما بين شد وجذب فقد تتصاعد وتيرة التوترات في أي وقت. ويتضح التغير في التوقعات بصفة خاصة في سوق العقود الآجلة، حيث أنه على مدار الشهرين الماضيين انقلب منحنى الرسم البياني لمزيج خام برنت للعقود الآجلة من هيكل ‹›كونتانجو›› – Contango، بمعنى أن أسعار تسليم عقود النفط قريبة المدى (الفورية) أقل من الأسعار المستقبلية، واتخذ اتجاها معاكساً تماماً ودخل مرحلة الميل إلى التراجع. ويبدو هنا أن أسعار التسليم الفوري أعلى من التسليم خلال 12 شهراً على سبيل المثال، في دلالة على تحسن أوضاع السوق. كما شهدت أسواق النفط عودة صناديق التحوط والمضاربين، حيث عزز مديري الصناديق من مراكزهم بالنسبة لمزيج خام برنت. كما يبلغ عدد عقود خيار الشراء حوالي ستة أضعاف عقود خيار البيع تقريباً، فيما يعد أفضل أداء ايجابي للسوق منذ اكتوبر الماضي.
وقال الموجز ان الاسواق شهدت بداية بطيئة لامتثال الأوبك وحلفائها بخفض الانتاج، حيث بلغ إجمالي إنتاج الأوبك وحلفائها في يناير 44.75 مليون برميل يومياً، بما يعني أن المجموعة قد حققت 66% فقط من هدفها الرامي إلى تخفيض الإنتاج بواقع 1.2 مليون برميل يومياً خلال النصف الأول من العام 2019. إلا أن ذلك يخفي مدى الانجازات الضخمة من قبل بعض كبار منتجي الأوبك في وقت مبكر من دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، مثل السعودية (130%) والكويت (117%) وبعض المنتجين من غير الأعضاء مثل كازاخستان (135%) والمكسيك (132%). في المقابل، تبرز روسيا (18 %) والعراق (-11 %) ضمن المنتجين الرئيسيين من حيث احرازهما لأقل معدلات الامتثال، مع قيام تلك الأخيرة بزيادة انتاجها لمستويات اعلى من المستوى المرجعي المحدد لشهر أكتوبر.إلا أنه على الرغم من ذلك، هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأنه كما حدث في اتفاق فيينا للعام 2016، سيحقق الاتفاق الحالي للأوبك وحلفائها أهدافه المرجوة خلال الأشهر القليلة المقبلة.وبصفة عامة، تبدو السعودية مصممة على إعادة الأسعار إلى ما تعتبره على الأرجح أنسب نطاق توازن في عصر النفط الصخري الأمريكي، أي في حدود 65-75 دولاراً للبرميل. وتقترب تلك الحدود من مستوى سعر التعادل النفطي في ميزانية للمملكة، كما انه ليس مرتفعاً لدرجة تدفع إلى التأثير سلباً على مستويات الطلب، ومع تزايد إدراك المملكة للتأثير الكبير الذي تحدثه البيانات الأمريكية على افاق سوق النفط، بدأت المملكة في التحكم في معدلات تصديرها للنفط إلى السوق الأمريكية، حيث يضاف كل برميل خام غير مكرر إلى مستويات المخزونات المرصودة عن كثب في البلاد.والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيكون ذلك كافياً لتحقيق توازن السوق وعكس الوضع الحالي لمخزون النفط الخام العالمي الآخذ في الارتفاع في ظل نمو إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة؟المعروض النفطي يواصل ارتفاعه في العام 2019من المتوقع أن يرتفع إنتاج الولايات المتحدة من النفط في العام 2019 بواقع 1.5 مليون برميل يومياً ليصل إلى 12.4 مليون برميل يومياً، وذلك بعد أن سجل نمواً قوياً بواقع 1.6 مليون برميل يومياً (19% على أساس سنوي) في العام 2018 ليصل إلى 10.9 مليون برميل يومياً وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية. وفي ذلك السياق، سيكون نمو انتاج النفط الامريكي بواقع 1.5 مليون برميل يومياً في العام 2019 كافياً بحد ذاته في تجاوز معدلات خفض حصص الانتاج بواقع 1.2 مليون برميل يومياً التي ترتب لها الأوبك وحلفائها. وعلى الرغم من عدم ارتفاع سقف توقعات وكالة الطاقة الدولية في تقديراتها لنمو إنتاج النفط الخام الأمريكي خلال العام 2019، إلا أنها تتوقع نمو العرض من خارج الأوبك عند مستوى 1.3 مليون برميل يومياً في العام 2019، فيما يتجاوز حصص خفض الإنتاج التي حددتها الأوبك وحلفائها. وفي ضوء ذلك، خفضت وكالة الطاقة الدولية من "توقعاتها المتعلقة بالأوبك" بالنسبة لكمية النفط المطلوب ضخها لتلبية الطلب إلى 30.65 مليون برميل يومياً في العام 2019. وبافتراض بلوغ معدل امتثال الأوبك إلى نسبة 100% بنهاية الربع الأول من العام 2019 واحتفاظها بهذا المستوى حتى نهاية العام، نتوقع أن يتخطى انتاج المجموعة تلك "التوقعات" بحوالي 100 ألف برميل ليصل إلى 30.75 مليون برميل يومياً. وقد أدى خفض الأوبك لحصص الانتاج وفرض العقوبات على فنزويلا وإيران، بالتزامن مع انقطاعات الانتاج في كندا، إلى انخفاض المعروض النفطي من الخام الثقيل بشدة. وتصاعدت الضغوط على أسعار الخام الثقيل، كما يمكن أن يلاحظ في اقتراب الفارق بين سعر مزيج خام برنت (الخفيف، الحلو)، وخام دبي والكويت للتصدير، وهما من النوع الأثقل والأعلى من حيث معدل الكبريت. وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، تم تداول تلك النوعيات من النفط بسعر أعلى من خام مزيج برنت.ويبدو ان أوضاع السوق تسيرنحو مزيدً من التحسن رغم المخاطر، حيث تشير ديناميكيات السوق الحالية إلى أنه بمجرد أن يتم التخلص من الإمدادات الفائضة من النصف الثاني من العام 2018، من الممكن أن يتوازن العرض والطلب العالميين بحلول منتصف العام 2019. ونرى أن ميزان مخاطر أسعار النفط يتخذ اتجاهاً تصاعدياً، على الأقل خلال النصف الأول من العام. وبالطبع، أي عدد من المتغيرات قد يظهر أو يتلاشى بما قد يدفع أسعار النفط نحو التراجع. كما قد يضعف نمو الطلب العالمي، على سبيل المثال، متأثراً بضعف النمو الاقتصادي أكثر من المتوقع في الأسواق الناشئة واستمرار تذبذب النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين. وقد يرتفع العرض من الولايات المتحدة ومن خارج منظمة الأوبك بأكثر مما كان متوقعا، في حين قد تفشل الأوبك في تحقيق الحصص المستهدفة لخفض إنتاجها، وربما قد تتراجع روسيا عن الاتفاقية. وربما تقوم الولايات المتحدة بتمديد العقوبات على إيران لمدة ستة أشهر أخرى. لذا يتوجب على الاسواق تهيئة نفسها لمرحلة صعبة على أي حال.