الأربعاء 02 أكتوبر 2024
32°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الأخيرة

الوليد بن عبدالملك ...إصلاح وتنمية

Time
الخميس 15 يونيو 2023
View
13
السياسة
محمد الفوزان

عُرف عن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان أنه كان حريصًا على تربية أبنائه تربية دينية صحيحة، وإعدادهم لجسام الأمور.
وأولى أكبر أبنائه الوليد عناية خاصة، وعُني بتدريبه على الإدارة والسياسة وفنون القتال، وحضه على التزود من العلم؛ وكان أبوه يقول له: لا يلي العرب إلا من يحسن لغتهم، ونشأ على مداومة تلاوة القرآن؛ فكان يختمه في كل ثلاثة أيام، وقيل: في كل سبعة، ولم يهمل هذا الورد حتى بعد أن تولى الخلافة وكثرت مهماته.
وبعد أن تولّى الخلافة عقب وفاة أبيه في (15 من شوال 86هـ = 9 من أكتوبر 705م) وهو في ريعان الشباب مزودًا بثقافة واسعة وخبرة إدارية ونضوج عقل، تسلم مقاليد الأمور ودولته يسودها السلام بعد أن قضى أبوه معظم خلافته في القضاء على الفتن والحروب الداخلية التي كادت تمزق أوصال الدولة.
وبدأ في الإصلاح والتعمير، وإحياء حركة الفتوحات الإسلامية في المشرق والمغرب؛ فتم على يديه في المدة التي قضاها في الخلافة، وهي لا تعدو عشر سنوات، ما قد تعجز الدول عن تحقيقه في قرون عديدة.
استعان الخليفة الوليد بن عبد الملك بواليه على العراق، الحجاج بن يوسف الثقفي، في إقرار الأمن في شرق العالم الإسلامي، وكان فضله على استقرار دولة عبد الملك بن مروان لا ينكر، وكانت وصية عبد الملك لأبنائه في مرض موته: أكرموا الحجاج؛ فإنه الذي وطّأ لكم هذا الأمر.
وكان الحجاج مخلصًا للأمويين، لم يأل جهدا في توطيد سلطانهم، وفي إقرار الأمن، والإصلاحات، وكانت أياديه ظاهرة فيها، فاستكمل في عهد الوليد بن عبد الملك الفتوحات الإسلامية في الجناح الشرقي للدولة، وعمل على إنعاش البلاد التي أنهكتها الحروب والثورات، فاهتم بإصلاح القنوات التي تخرج من دجلة والفرات، وأعاد فتح القنوات القديمة التي رُدمت، وشق قنوات جديدة، وعُني بإصلاح السدود، وتجفيف المستنقعات، وإحياء الأرض البور.
وشهد عصر الوليد بن عبد الملك أعظم حركة للفتوحات الإسلامية في الدولة الأموية؛ فبسط المسلمون أيديهم على أكبر بقعة من العالم القديم المعروف، آنذاك، واتسعت دولتهم على نحو لم تشهده من قبل، وبرز في عهده عدد من القادة الأكفاء الذين اتسموا بالقدرة العسكرية والمهارة الحربية، وعُرفوا بالشجاعة والتضحية، فقاموا بعبء هذه الفتوحات، وأعادوا للأذهان ذكرى الفتوحات التي تمت في عهد الخلفاء الراشدين.
وعرف عن الوليد بن عبد الملك أنه كان مغرمًا بالبناء والتشييد، محبًا للعمارة على نحو لم يعرفه خلفاء بني أمية؛ فحفر الآبار والعيون، وأصلح الطرق التي تربط بين أجزاء دولته المترامية الأطراف، وبنى المساجد والمستشفيات.
وأثنى المؤرخون على جهوده العظيمة في هذا الميدان الذي شمل معظم أرجاء دولته؛ فعُني بتجديد الكعبة، وتوسيع المسجد الحرام، وأعاد بناء المسجد النبوي، وزاد فيه من جهاته كلها، فأدخل فيه حجرات أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم)، وعهد بهذه المهمة إلى ابن عمه وواليه على المدينة عمر بن عبد العزيز.
وبعث إليه الأموال والرخام والفسيفساء وثمانين صانعا من الروم والقبط من أهل الشام، وجدد أيضا المسجد الأقصى في فلسطين، ويعزى إليه فكرة عمل المحاريب المجوفة في المساجد، وإقامة المآذن، كما أرسل إلى واليه في مصر بتجديد جامع عمرو بن العاص.
أما أبدع ما أنشأه الوليد فهو الجامع الأموي في دمشق، الذي جاء آية من آيات الفن البديع والعمارة الإسلامية، وبالغ في تشييده وتزيينه؛ ليكون مظهرًا لقوة الدولة ومبلغ حضارتها، وأنفق عليه أموالاً طائلة، واستغرق بناؤه عهد الوليد كله، وبقيت منه أعمال أنجزها أخوه سليمان بن عبد الملك من بعده.
أما عملية التعريب فقد كانت طويلة، بدأها عبد الملك وسار الوليد على نهجها؛ فأمر واليه على مصر عبد الله بن عبد الملك بتدوين الدواوين في مصر باللغة العربية، بعد أن كانت تُكتب بالقبطية، فكان هذا تتمة لما بدأه عبد الملك بن مروان في سياسة التعريب التي لم تتم نهائيا إلا بعد تعريب دواوين خراسان سنة (124هـ = 741م)، وقد ساعد التعريب على شيوع اللغة العربية وانتشارها بين الموالي، وأصبحت لغة الثقافة، بالإضافة إلى كونها لغة الدين.
كان من نتيجة استقرار الدولة أن زادت ماليتها وتكدست خزائنها بالأموال، وأنفق الوليد جزءًا منها على البناء والتشييد، وخصص جزءًا آخر لتقديم الخدمات للناس من دون أجر، فأمر بتشييد المستشفيات لذوي الأمراض المزمنة، وأعطى رواتب لذوي العاهات من العميان والمجذومين وغيرهما، ومنح كل مُقعد خادمًا، وكل ضرير قائدًا.
ونجح الوليد في مدة خلافته التي لم تتجاوز عشر سنوات أن يقيم دولة عظيمة، وأن ينعم الناس في ظلها بالرخاء، وأن تنشط حركة العمران، وتزدهر الثقافة وحلقات العلم في المساجد الكبرى، حتى صارت دولته أقوى دولة في العالم آنذاك، ولم تطل به الحياة فتوفي في منتصف جمادى الآخرة سنة 96هـ = 25 من فبراير 715م.

[email protected]
آخر الأخبار