الاثنين 28 أبريل 2025
30°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

امبراطورية غانا... وزعيم الطوارق الملثمين

Time
الأربعاء 08 مايو 2019
View
290
السياسة
إعداد - محمود خليل:

لا يعلم كثيرون أن أفريقيا جنوب الصحراء التي لم تصل إليها جيوش الفتح الإسلامي قامت بها دول وممالك إسلامية كان لها دور بارز في نهضة الإسلام والدفاع عنه في مواجهة الهجمات التي كانت تسعى للنيل منه، في هذه الحلقات نستعرض عددا من تاريخ أهم الدول والممالك الإسلامية في أفريقيا جنوب الصحراء، مواقفها من دول الاحتلال الأوروبية دفاعا عن الأرض والدين.

كانت دولة "غانا" الوثنية من أقدم الممالك التى ظهرت في إفريقيا، لكن كيف انتشر الإسلام فيها؟ كيف تحول أهلها إلى الإسلام؟
تعتبر امبراطورية غانا أقدم امبراطوريات السودان الغربي، تعتبر من أقدم تجارب الحكم الوطني الناجح التي دللت على قدرة الأفريقيين على تدبير شئونهم بأنفسهم، بناء حضارة كبرى في القرن التاسع الميلادي حتى منتصف القرن الحادي عشر، يرجع تاريخ نشأتها إلى ما بين القرنين الثالث والرابع الميلاديين، أما لفظة "غانة"، غاناتا، الاتا، أو كما ذكرها ابن بطوطة باسم "إيولاتن" فكانت لقبا يطلق على ملوكها، ثم اتسع مدلولها حتى أصبح يطلق على العاصمة والامبراطورية.
تعود أصول سكانها إلى الآشورية والبابلية القديمة، بينما يذكر البعض أنهم من شمال أفريقيا "برقة" الليبية حاليا، فيما كونت قبائل السوننك أغلب سكانها، بلغ عدد ملوكها 44 ملكا، كان أولهم "كازا"، اتخذ مدينة "أوكار" قرب "تمبكت" الحالية عاصمة له.
اعتمدت الامبراطورية على تجارة الذهب كمصدر رئيس لدخلها، حتى عرفت ببلاد الذهب، أصبح ملوكها من أغنى ملوك الأرض، أصبحت العاصمة من أكبر أسواق بلاد "السودان الغربي"، كما اعتمد اقتصادها أيضا على الزراعة، التبادل التجاري.
استطاعت الامبراطورية أواخر القرن الثامن الميلادى، بعد انتقال الحكم إلى فرع "السوننك" من إخضاع بلاد التكرور، الولوف، السرير، ثم توسعت في القرن الحادى عشر الميلادي، لتسيطر على منطقة أعالي "نهر السنغال" وأعالي "نهر النيجر"، ينابيع نهر "النيجر"، حتى الصحراء الغربية "موريتانيا حاليا"، انتقلت عاصمتها إلى مدينة كومبي "غانة".
انتشر الإسلام في بلاد المغرب الأقصى، في القرن الثاني الهجري، إذ بدأت المحاولات الأولى لنشر الإسلام بين قبائل الطوارق "الملثمين"، في عهد الدولة الأموية، في ولاية "عقبة بن نافع" الثانية، إذ استطاع فتح هذه البلاد، من ثم اتجه جنوبًا حتى وصل إلى مدينة "تارودنت"، "غانة"، "التكرور".
توسعت المملكة جنوبا في عهد دولة الأدارسة، بالمغرب الأقصى، لنشر الإسلام بين القبائل الزنجية بالسودان الغربي، فدان لها معظم ملوك هذه المنطقة بالولاء، تم الاستيلاء على مدينة "أودغشت"، التي كانت محطة رئيسة لقوافل التجارة، اتخذوها عاصمة لهم بعد القضاء على ملك غانة الوثني.
استطاع الأمير "أبو بكر بن عمر اللمتوني"، زعيم الطوارق الملثمين، الاستيلاء على "غانة"، بعدما استولى على العاصمة وأخضعها لدولة المرابطين، اعتنق ملكها الإسلام، فتركوه في الحكم بعدما أعلن خضوعه لهم ودفع الخراج، ثم أسلم عدد كبير من سكان المملكة.
بعدما تحولت الأمبراطورية إلى الإسلام، يصفها البكري حينما زارها بقوله: مدينة "غانة" مدينتان يحيطهما سور، إحداهما للمسلمين وبها اثنا عشر مسجدًا، يُعيَّن لها الأئمة والمؤذِّنون، والقضاة، أما المدينة الأخرى، فهي مدينة الملك وتسمى بالغابة، وبها قصر الملك ومسجد يصلي فيه من يَفدُ عليه من المسلمين. يضيف: مترجمو الملك وصاحب بيت ماله وأكثر وزرائه كانوا من المسلمين، ما يدل على أن الإسلام انتشر غربي إفريقيا حتى أن قبائل "التكرور" بأكملها أسلمت على يد الملك "وارجابي بن رابيس"، كما امتد الإسلام إلى باقي مدن الامبراطورية.
لم تستمر سيطرة المرابطين كثيرا إذ اغتيل الأمير "أبي بكر"، على يد أتباع أحد زعماء قبائل "الموسى"، فأعلنت "غانة" استقلالها وانفصالها عن دولة المرابطين، كما انفصلت بعض الولايات التابعة لامبراطورية "غانة"، وأصبحت ممالك مستقلة، بينما تقلصت سلطة ملوك "غانة" ما أضعف المملكة ومهد للقضاء عليها.
بعد سنوات معدودة امتنعت قبائل السوسو "الصوصو" الوثنية، التي استقلت بولاية "كانياجا"، عن دفع الجزية لحكومة "غانة"، ثم هاجمت مطلع القرن الثالث عشر الميلادي، العاصمة "كومبي" بعد معركة طاحنة مع ملك "غانة" الإسلامية، تم خلالها تدمير ما بقي من العاصمة لتختفي الامبراطورية من التاريخ.
إذا كانت الامبراطورية اختفت سياسيا فإن أثرها الديني لم يختف، بل استمر لأن أهلها اشتهروا بحماسهم للإسلام والدعوة إليه، حتى إن بعض العشائر من السوننك اختصت بالدعوة إلى الإسلام ونشره غربي إفريقيا بين "السنغال" و "النيجر"، وصارت مدينة "تمبكت"، التي أسسها الطوارق آخر القرن الخامس الهجري، حاضرة الثقافة العربية وسوقًا يؤمها الرحالة والتجار، كما أصبح مسجدها الجامع "سنكرى" جامعة إسلامية، بعدما انتشرت اللغة العربية بين كثير من أهالي "غانة" الإسلامية، لأنها لغة العبادة، الثقافة، التجارة، المعاملات.
عاش التجار المسلمون مع غير المسلمين في غرب إفريقيا، وافق ملكها على السماح لهم ببناء ما يشبه المراكز التجارية، بالتالي استقر عدد من التجار المسلمين في كومبي، مدينة السوق الكبرى في غانا، ازدهر المجتمع المسلم في كومبي، بنوا 12 مسجدًا، كانت مصدر إشعاع روحي لسكان المنطقة، ساهم في تعريف السكان المحليين بالإسلام، من ثم اعتنق كثير منهم الدين الجديد.
يقول البكري، في كتابه "المسالك والممالك"، واصفا غانة فى تلك الفترة: بلد متقدمة للغاية اقتصاديًا، كان بلدًا مزدهرًا، وكان الملك قد استخدم المترجمين المسلمين، وكان معظم وزرائه وأمنائه من المسلمين أيضًا.
يضيف:وجرى تعليم الوزراء المسلمين بما فيه الكفاية لتسجيل الأحداث باللغة العربية والرد، نيابة عن الملك، مع الحكام الآخرين، كما أنهم مسلمون، فهم ينتمون إلى الجسم السياسي الأكبر للعالم الإسلامي، وهذا من شأنه أن يجعل من الممكن إقامة علاقات دولية معهم.
آخر الأخبار