الثلاثاء 01 أكتوبر 2024
33°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الافتتاحية

برنامج الحكومة... كلام ليل يبسط يمحوه النهار

Time
الثلاثاء 18 يوليو 2023
View
62
السياسة
يُروى في بعض كتب التاريخ أن أحد خلفاء بني العباس أراد يوماً أن يسرّي عن نفسه، فطلب أحد المطربين المشهورين في زمنه، وكان أبوإسحاق الموصلي، فأخذ الأخير ينشد ما يفرح الخليفة، الذي كان يظهر عليه الانشراح.
وحين رأى الموصلي ذلك بدأ يطلب منه ما يشتهي، فطلب أولاً منزلاً، فقال الخليفة: "خلعنا عليك منزلين"، وبعد وصلة طرب أخرى، طلب مزرعة، فقال الخليفة: "لك مزرعتان"، وبعد برهة طلب بعض المواشي والأحصنة، فقال الخليفة نعطيك أكثر مما طلبت، فأجاد الموصلي بالغناء، وكان آخر ما طلبه بعض الجواري، فاستجاب الخليفة طلبه.
في صباح اليوم التالي ذهب أبو إسحاق الى القصر كي يحصل على ما خلعه عليه الخليفة، وحين مثل بين يديه، قال: "يا أمير المؤمنين، أمس خلعت عليَّ ما طلبت، وأتيت اليوم لأحصل عليها"، فأجاب الخليفة: "أمس أجدت الغناء وأطربتنا، وكنا نستحسن ذلك بالكلام الطيب، وكلما أجدت أسمعناك من النوع نفسه لكلامك، أي باختصار أفرحتنا وأبسطتنا فقلنا لك ما يبسطك، وكلام الليل يمحوه النهار"، وهكذا خرج الموصلي خالي الوفاض.
هذا الكلام للأسف ينطبق على برنامج الحكومة الذي ناقشه أمس مجلس الأمة، وكأن فيه الكثير من الوعود، والمشاريع الجميلة على الورق، لكنها تحتاج الى سنوات للتنفيذ، هذا اذا لم تواجه بعراقيل كما هو معهود جراء العلاقة المتلبسة بين السلطتين، ولقد بدأت المواجهة قبل إعلان البرنامج، مع استقالة وزيرين، وإعلان بعض النواب توجيه أسئلة تنم عن سجال متوقع بينهم وبين مجلس الوزراء.
ومن تابع جلسة أمس يدرك مدى عجز مجلس الوزراء الحالي عن تطبيق ذلك البرنامج، لأسباب عدة، أهمها فقدانه القدرة على تأمين السيولة المالية لهذه المشاريع، كذلك خلوه من خطط واضحة، أو كما قلنا أمس ليس هو إلا صياغة جديدة لشعارات وضعتها حكومات أخرى، وذهبت من دون تحقيق الحد الأدنى منها، لأنها اصطدمت بمجلس الأمة والنواب الذين لا يطربهم غناء الوزراء.
منذ العام 1992 إلى اليوم، لم تختلف برامج الحكومات عن بعضها بعضا، إلا في تغيير الصيغة، أو قص فقرات من البرامج السابقة ولصقها في البيان المقدم إلى مجلس الأمة، أما الممارسة فهي ذاتها، بل يوما بعد يوم تصبح أكثر سوءا، لأن الأسلوب لم يتغير، فيما الشعب أصبح على قناعة بالمثل الشعبي "اقبض من دبش" لأنه عاش طوال 20 عاماً على وعود لم تنفذ.
لن نعيد ونكرر عن حال البنية التحتية السيئة، أو منع الفرح، وكأن الكويت عبارة عن زنزانة فيها من المحظورات الكثير التي تدفع الناس إلى الهجرة في المناسبات والإجازات إلى الخارج، والدليل على ذلك أن ما قاله سمو رئيس الوزراء عن البرنامج، وأن الحكومة أخذت "بعين الاعتبار سبل تحسين المستوى المعيشي وتلبية الحاجات الاجتماعية وفي مقدمتها بناء المواطن الكويتي باعتباره محور اهتمام برنامج عمل الحكومة عبر القضايا الإسكانية والتعليمية والصحية والترفيهية وغيرها من الموضوعات التي تحقق تطلعات الشعب الكويتي الوفي وتعزز من بقائه وتحسن من جودة معيشته".
فهذا ما قيل في برامج الحكومات السابقة كلها منذ 30 سنة، لكن لم يتحقق أي شيء منها، لهذا نعم سمع الشعب كلام الحكومة الذي يبسط، لكنه سيقبض من دبش.

أحمد الجارالله

آخر الأخبار