كتب - مفرح حجاب:غيب الموت صباح أمس، رائد السينما الكويتية المخرج والمنتج الكبير خالد الصديق، عن عمر يناهز 76 عاما بعد معاناة مرضية، ورحلة فنية مؤثرة في السينما الخليجية والعربية، وهو يعد ألمع رواد الفن السابع في الخليج ورغم قلة أعماله خلال مشواره الفني الطويل، الذي كلله بالحصول على شهادة الدكتوراه، إلا انها وصلت إلى العالمية، ورشح أول أفلامه "بس يا بحر" لجائزة "الأوسكار"، واستطاع أن يحقق بنشاطه أثرا مهما على المستويين المحلي والدولي، إذ مازالت أعماله السينمائية حتى اللحظة هي الأكثر نضجا وتأثيرا في الساحة كأحد المخرجين والمنتجين الكويتيين الذين ساهموا في إيجاد سينما بالمنطقة تلتها السينما البحرينية ثم الإماراتية، خلال توقيت صعب للغاية وبإمكانيات بسيطة، ولذلك أحدثت وفاته صدمة في الأوساط الفنية والثقافية وظهر ذلك جليا في تفاعل "السوشيال ميديا" ومنصاتها الخاصة سواء بالتغريد والصور أو ذكر مناقب الراحل ومواقفه.جاءت البداية الحقيقية للراحل الصديق، عبر بوابة تلفزيون الكويت في القسم الهندسي، إذ تولى منصب مدير ستديو، وأول مهمة رسمية له كانت في العام 1964 حيث انتدبه التلفزيون لتمثيله في مهرجان مونت كارلو، وبعد عودته تعاون مع الراحل عبدالوهاب سلطان، رئيس قسم السينما في تلفزيون الكويت آنذاك لإنشاء قسم سينمائي قدم عبره ثمانية أفلام سينمائية ووثائقية مميزة، ثم لمع اسم المخرج الصديق كثيرا بعد انتاجه وإخراجه أول أفلامه "بس يا بحر" في العام 1972، ومن خلاله عرف العالم السينما الكويتية، إذا وضع في الاعتبار ان هذا الفيلم شارك كثيرا في المحافل السينمائية الدولية، ونال العديد من الجوائز حتى أنه رشح لجائزة "الأوسكار" في الدورة 45 لكنه لم يصل إلى القائمة القصيرة والنهائية. من يتابع مسيرة الراحل جيدا يجده حصد العديد من التكريمات والجوائز قبل هذا الفيلم، لكن الصديق استطاع بعبقريته وطموحه وموهبته أن يقدم للساحة الفنية لوحة سينمائية من خلال "بس يا بحر" رسخ فيها ريادته في الخليج، لاسيما بعد أن أصبح يشار إليه بالبنان في الساحة السينمائية الدولية.ولعل من ساهم في نجاح هذا العمل هو الكاتب والمؤلف الإماراتي عبدالرحمن الصالح، الذي عاش في الكويت سنوات طويلة ما أوجد حالة تناغم بينه وبين الصديق جعلت "بس يا بحر" يصبح أول فيلم كويتي يرشح للمنافسة ضمن فئة أفضل فيلم أجنبي في الدورة الخامسة والأربعين لجوائز الأوسكار، وقد شارك في بطولته الفنانون سعد الفرج ومحمد المنصور وأمل باقر وحياة الفهد، وهو عن قصة حب بين شاب فقير يعمل والده صيادا، وفتاة من أسرة ثرية. مدة الفيلم 100 دقيقة من إنتاج شركة "أفلام الصقر".وحصد "بس يا بحر" جوائز عالمية وعربية وشهادات تقدير في مهرجانات عدة، من بينها الجائزة الأولى في مهرجان الفيلم الشبابي في دمشق (1972)، جائزة الشرف في مهرجان طهران الأول للسينما العالمية، جائزة فيبرانشي وجائزة النقاد السينمائيين العالميين في مهرجان البندقية، الجائزة الثانية في مهرجان أوهايو العالمي، في الولايات المتحدة الأميركية وكانت الجائزة الوحيدة المخصصة لفيلم روائي، جائزة الأسد الفضي في مهرجان البندقية، إلى جانب جوائز من مهرجانات وملتقيات سينمائية في شيكاغو، أسبانيا، قرطاج وغيرها.بعد نجاح "بس يا بحر" كان هناك شغف لدى المخرج الصديق، بالسينما وقدم في العام 1976 فيلم "عرس الزين" عن قصة الأديب السوداني الطيب صالح، وتقدم الصديق بالفيلم للترشح لأوسكار أفضل فيلم اجنبي في الدورة 51 من الجوائز، شارك في بطولته علي مهدي، محمد السني، دفع الله، ثريا رورو، أما فيلمه الثالث فكان "شاهين" عن رواية الأديب الإيطالي بوكاشيو، وهو الفيلم الذي تعرض لمشكلات عدة ولم يجد طريقه للعرض، وشارك في بطولته الفنان المصري مجدي وهبة، إلى جانب الفنان السعودي إبراهيم الحربي وغيرهما. يبقى أن المخرج الصديق استطاع أن يميز بين القصة الأدبية والسينما بطريقة مذهلة، ليؤكد انه مخرج مثقف للغاية يقدم سينما فيها الكثير من العمق والمعنى وله دائما أهداف ورسائل مهمة في كل عمل يقدمه. ولعل ما يجدر ذكره أنه في رصيد المخرج الكبير الراحل العديد من الأعمال التي سبقت هذا الفيلم، خصوصا في مجال التلفزيون منها "المطرود" (1964)، فيلم درامي قصير أنتجه الصديق وأخرجه، (1965)، فيلم تسجيلي عن طرق الصيد بالصقور كتب له السيناريو ونفذ إنتاجه وأخرجه. نال الفيلم جوائز تشجيعية ومثّل الكويت العام 1966 في مهرجان السينما التشيكية، كما حصل الفيلم على جوائز أخرى في مهرجانات عربية وعالمية.وأخرج الصديق أيضا أفلاما تسجيلية ووثائقية منها "الحفرة" (1968)، "الرحلة الأخيرة" (1966)، "الأمن الداخلي" (1967)، "وجوه الليل" (1968)، "مسرح الأمل" (1969) وغيرها.
الأعمال القديمة أفضللم يتوقف د.خالد الصديق عن البحث والدراسة في السينما، وكان ينشغل بهما، كما يحب مشاهدة الأفلام العالمية القديمة من جميع المدارس سواء كانت أميركية أو أوروبية أو آسيوية، لاستعادة الذكريات معها، وإعداد الأبحاث عنها. ولم يكن الصديق يخفي انتقاده السينما المعاصرة، بما فيها الأميركية لاعتمادها على الغرافيك وخدع الكمبيوتر، وبقية المدارس السينمائية، لعدم مناقشتها موضوعات مستحقة، وأحياناً تأتي كمحاكاة لأفلام أخرى، مفضلا عليها الأفلام القديمة، التي تناقش قضايا وقصصا اجتماعية إنسانية.ورأى الصديق، صراحة ان كثيرا من الأفلام الأميركية لا تستحق المشاهدة، رغم كلفتها الباهظة والأسماء الكبيرة المشاركة فيها، ومع هذا تحقق إيرادات ضخمة في ظل كم الأخطاء الفنية الجلية للعين التي لا يمكن إغفالها، لكن جمهور السينما من الشباب والأطفال تبهره الخدع والتقنيات ولا يتوقف كثيرا عند الأخطاء.
بريق الأفلام الخاميفضل المخرج الكبير خالد الصديق، أفلام السينما الخام، وقال في ذلك: على الصعيد الشخصي إن أردت تصوير أي فيلم وتوافر التمويل المناسب، فأحب العودة إلى تنفيذ العمل بطريقة الفيلم السينمائي المعروفة، وليس الطريقة الحديثة، موضحا أن التصوير الديجيتال وسيلة جيدة للتوفير في الميزانية، لكنه لا يعطي المخرج الجودة التي نراها على الشاشة مثل التي تعطينا إياها الأفلام الخام ثم التحميض والطبع والعمليات الفنية المعروفة، صحيح انها مكلفة للمنتج لكنها تعطي الصورة السينمائية البراقة والمعتادة. ورأى الصديق، أن البعض قدم أفلاما باستخدام كاميرا الموبايل، والبعض الآخر استخدم كاميرا التلفزيون، وهناك من يستخدم كاميرات حديثة بأسعار غالية، لكنها جميعا لا ترقى لمستوى تصوير السينما التقليدية باستخدام الأفلام الخام.

الصديق في مناسبة فنية

جانب من جوائز الصديق

الصديق سعيداً بجائزته

بطلة فيلم "شاهين"

فيلم "عرس الزين"

أثناء تصوير فيلم "بس يا بحر"