إعداد - محمود خليل: لا يعلم كثيرون أن أفريقيا جنوب الصحراء التي لم تصل إليها جيوش الفتح الإسلامي قامت بها دول وممالك إسلامية كان لها دور بارز في نهضة الإسلام والدفاع عنه في مواجهة الهجمات التي كانت تسعى للنيل منه، في هذه الحلقات نستعرض عددا من تاريخ أهم الدول والممالك الإسلامية في أفريقيا جنوب الصحراء، مواقفها من دول الاحتلال الأوروبية دفاعا عن الأرض والدين. كان للوجود العربي الطويل منذ قرون في مناطق السواحل الشرقية تأثيرات كبيرة على السكان المحليين، إذ انتشر بينهم الإسلام، كما تشكلت ثقافتهم التي تعتبر مزيجا من الثقافة العربية والثقافات الأفريقية المحلية، كما ظهر الأثر العربى والإسلامي في البناء، العمارة، الطعام، والعادات والتقاليد، والأسماء، اللباس، والموسيقى، والطرب، والآلات الموسيقية.أطلق المؤرخون القدامى على الممالك التي نشأت في القرن الأفريقي مسمى "ممالك الطراز الإسلامي"، التى يذكرها القلقشندي بـ "بلاد الزيلع هي: البلاد المقابلة لبر اليمن على أعالي بحر القلزم "البحر الأحمر"، وما يتصل به بحر الهند "المحيط الهندي". يقول العمري: "هذه البلاد يقال لها بمصر والشام بلاد الزيلع.. وأن طولها براً وبحراً خاصاً بها نحو شهرين وعرضاً يمتد أكثر من ذلك".يتكون سكان "بلاد الزيلع الإسلامية"، من عناصر حامية وعربية، أغلب العناصر الحامية تعرف بقبائل الصومال، الجالا العربية ويسكنون جنوب نهر هواش والهضبة الصومالية، أما الأعفار أو الدناكل فيسكنون شمال نهر هواش.تجمع بين هذه القبائل وحدة الأصل والتاريخ، يعتقدون أنهم ينتمون لسلالة معينة، لكن لكل منها أصولها، لغاتها، لهجاتها المحلية، يجمعهم الدين الإسلامى والثقافة العربية الإسلامية، لكنهم يختلفون عن جيرانهم في بر الحبش "إثيوبيا"، وفي بر الزنج "كينيا وما وراءها".لم يكن يجمع الزيالعة مملكة واحدة، بل كانت ممالك وسلطنات متعددة، يحكم كل منها ملك مستقل، تداخلت مكانيا وزمانيا، أختلفت كل مملكة عن الأخرى فى مدتها الزمانية ما بين النشأة والسقوط أو الانهيار، تفاوتت مساحتها وتأثيراتها السياسية والدينية. من هذه الممالك، إمارة لامو، إمارة باتا، مملكة شوا، سلطنة مقديشو، سلطنة كلوة، سلطنة إفات، سلطنة عدل، مملكة فطجار، سلطنة هرر، مملكة دوارو، مملكة بالي، مملكة داره، مملكة هدية، مملكة شرخة، سلطنة سفالة.
ورغم تعرض هذه الممالك للصراعات على كرسى السلطة، الإغارات الدائمة من قبل الممالك المسيحية والوثنية، إلا أنها حققت انتعاشاً اقتصاديا، ثقافيا كبيراً في شرقي أفريقيا، مما كان له أثر كبير في نشر الإسلام فى المنطقة.كان سكان ممالك الطراز من المسلمين على المذهب النعماني، إلا مملكة أوفات التي اتبع سكانها المذهب الشافعي، بسبب قربها من مصر، اختلاط أهلها مع المصريين، تأثرهم بمذهبهم، رغم إن المذهب الحنفي لبقية الممالك كان أيضاً أحد المذاهب المتبعة في مصر.كان الحكم في الممالك السبع وراثيا، إلا مملكة بالي التي أصبح فيها الحكم لرجل ليس من بيت الملك الذي سبقه، كان الحكام يعدون حاكم مملكة اوفات مثلهم الأعلى ومرجعهم فيما يواجههم من مشاكل، فكانوا يشاورونه فى بعض الأمور وينفذون مشورته.اشتهرت تلك الممالك بمزروعاتها، من أشجار الموز، الليمون، الجميز، النارنج، الرمان البري، الخوخ البري، كشباد "ثمر حلو المذاق أحمر اللون"، كوشي "ثمره مدور كالبرقوق"، طانة "ثمرها طعمه حلو"، الاوجاق "ثمرها حجمه أكبر من حب الفلفل وطعمه شبيه به في الحرقة مع بعض الحلاوة"، يعتمد الفلاحون في زراعتهم على الأمطار، التي كانت تنزل مرتين في السنة، كما زرعوا القطن، القمح، الذرة، الأرز، اللوبيا، القرع، الباذنجان، كذلك اعتمدوا فى طعامهم على السمك، عسل النحل، الإوز، الدجاج، الحمام، كما وفدت إليهم حاصلات وحيوانات استوردوها من مصر.اعتمد السكان فى حياتهم على عدد من أنواع الحيوانات الأليفة، منها، الخيل، البقر، الأغنام، البغال، الأبل، الجاموس البري، أما الحيوانات المفترسة فمنها، الأسد، النمر، الفهد، وغيرها مثل، الفيل، الزراف، البقر الوحشي، القرود، أما الطيور فكانت من الصقور، النسر الأبيض والأسود، الغراب، الحجل، السمان، الحمام، العصافير، البط، الدجاج.أقام سكان تلك الممالك فى مساكن مبنية من الطين، الحجر، الخشب، سقفت على شكل قباب، لا يحيط بها أسوار، أما في القرى والمدن الصغيرة فبنيت من الاخصاص، أكانت أوانيهم مصنوعة من الفخار المدهون بالأسود، وقودهم من الشمع، وقود مصابيحهم من شحوم البقر.انتعشت التجارة فاهتم التجار بنقل المحاصيل، إلى العديد من البلدان الأخرى عبر البحر، فازدهرت تجارة البحر، التى نقلت العاج، الذهب، المحاصيل، ريش النعام، العسل، الجلود، اللؤلؤ، اللبان، الموز، الصمغ، إلى الشام، العراق، بل وصلت مصر والهند، كما راجت تجارة النحاس، الذهب، الفضة، الحديد، اعتمد أهل الساحل على استخراج الذهب والحديد، كما أدخل المسلمون تربية الماشية، "الإبل والأغنام"، فانتشرت تجارة الجلود، تم تصديره إلى الخارج.بعدما تحولت المنطقة إلى الإسلام، تحول الحكم إلى الأخذ بالنظام الإسلامى، حكم حكامها البلاد نيابة عن الأمويين، حمل البعض ألقاب إسلامية، منها، "الإمام، الخليفة، أمير المؤمنين"، كان النظام ملكياً انتخابياً في كل الأوقات، عملوا بمبدأ الشورى، كان العلم، والكفاية، والعدالة، والإلمام بشؤون الإدارة والمال، وأحوال الولايات، أهم شروط الحكم لديهم.كما عرفت نظام الوزارة، فعمل الوزراء مقصورا على تنفيذ أوامر الحاكم،أيضا ظهرت ولاية الحسبة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، لضبط أمور الدولة، وكانت اللغة العربية، هي لغة الدواوين الحكومية والمراسلات الدولية والتجارة، كذلك ألتزمت بالنظام المالي الإسلامي المستمد من تعاليم القرآن الكريم، مثل "الزكاة، الجزية، الغنيمة"، كانت تدفع لبيت المال، أما القضاء، فكان مستقلاً عن السلطة التنفيذية، يطبق الشريعة الإسلامية.