الاثنين 23 سبتمبر 2024
40°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
منوعات

"... بلى ولكن ليطمئن قلبي"

Time
الخميس 07 يونيو 2018
View
5
السياسة
إعداد - صبري زمزم:

الأمثال العربية كلمات خالدة عبر الزمان، قيلت مرة في موقف داخل قصة أو حكاية لها أبطال وبطلات مشهورون أو مغمورون، جرت على ألسنتهم فاستملحتها الأذواق، وربطت بينها وبين القصة الأصلية، وهي مورد المثل، ثم كرروها وأعادوها كلما استجد حدث يتشابه معها، وهو مضرب المثل، وبين المورد والمضرب عصور وأجيال تجتر الأمثال، فتعيد إلى الأذهان القصص الأصلية التي سُك فيها المثل كالعملة المتداولة من يد إلى يد، ونحن هنا نحاول أن نشير إلى القصة الأصلية وراء كل مثل نذكره،بعضها من كتب الأدب وبعضها ورد في القرآن الكريم وبعضها في الحديث الشريف.


هناك من الآيات ما شاع استخدامها على الألسنة وجرت مجرى الأمثال في كل زمان ومكان، وردت فى القرآن في سياق معين ارتبط بها وعندما يحدث ما يشبه هذا السياق إذا بالناس ينطقون بها للتعبير عن لسان الحال الذي هو مضرب المثل الذي يتطابق مع لسان المقال الذي يسمى مورد
المثل .
ومن ذلك قوله تعالى : " بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي"، تلك العبارة القرآنية التى وردت ضمن قوله تعالى في سورة البقرة :"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، الآية (260)
وعن سياق الآية في القرآن يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم": ذكروا لسؤال إبراهيم عليه السلام، أسباباً منها أنه لما قال لنمرود {ربي الذي يحيي ويميت} أحب أن يترقى من علم اليقين بذلك، إلى عين اليقين، وأن يرى ذلك مشاهدة، فقال {رب أرني كيف تحيي الموتى قال: أو لم تؤمن ؟ قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي} فأما الحديث الذي رواه البخاري عند هذه الاَية عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى، قال: أو لم تؤمن ؟ قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي". وكذا رواه مسلم عن حرملة بن يحيى، عن وهب به، فليس المراد ههنا بالشك، ما قد يفهمه من لا علم عنده بلا خلاف، وقوله {قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك} اختلف المفسرون في هذه الأربعة ما هي، وإن كان لا طائل تحت تعيينها، إذ لو كان في ذلك مهم لنص عليه القرآن، فروي عن ابن عباس، أنه قال هي الغرنوق والطاووس والديك والحمامة، وعنه أيضاً أنه أخذ وزاً ورألاً وهو فرخ النعام، وديكاً وطاووساً. وقال مجاهد وعكرمة: كانت حمامة وديكاً وطاووساً وغراباً. وقوله {فصرهن إليك} أي: قطعهن، وقال العوفي عن ابن عباس {فصرهن إليك} أوثقهن، فلما أوثقهن ذبحهن، ثم جعل على كل جبل منهن جزءاً، فذكروا أنه عمد إلى أربعة من الطير، فذبحهن ثم قطعهن ونتف ريشهن ومزقهن وخلط بعضهن ببعض، ثم جزأهن أجزاء، وجعل على كل جبل منهن جزءاً، قيل أربعة أجبل، وقيل سبعة، قال ابن عباس: وأخذ رؤوسهن بيده ثم أمره الله عز وجل أن يدعوهن فدعاهن كما أمره الله عز وجل، فجعل ينظر إلى الريش يطير إلى الريش، والدم إلى الدم، واللحم إلى اللحم، والأجزاء من كل طائر، يتصل بعضها إلى بعض، حتى قام كل طائر على حدته، وأتينه يمشين سعياً ليكون أبلغ له في الرؤية التي سألها، وجعل كل طائر يجيء ليأخذ رأسه الذي في يد إبراهيم عليه السلام، فإذا قدم له غير رأسه يأباه، فإذا قدم إليه رأسه تركب مع بقية جسده بحول الله وقوته، ولهذا قال {واعلم أن الله عزيز حكيم} أي عزيز لا يغلبه شيء، ولا يمتنع من شيء، وما شاء كان بلا ممانع، لأنه القاهر لكل شيء، حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره. قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن أيوب في قوله {ولكن ليطمئن قلبي} قال: قال ابن عباس: ما في القرآن آية أرجى عندي منها. وقال ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال: اتفق عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص أن يجتمعا قال: ونحن شيبة. فقال أحدهما لصاحبه: أي آية في كتاب الله أرجى عندك لهذه الأمة ؟ فقال عبد الله بن عمرو قوله الله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم، لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً} الاَية، فقال ابن عباس: أما إن كنت تقول هذا، فأنا أقول أرجى منها لهذه الأمة، قول إبراهيم {رب أرني كيف تحيي الموتى ؟ قال: أوَلم تؤمن ؟ قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي} فرضي من إبراهيم قوله {بلى}، قال فهذا لما يعترض في النفوس ويوسوس به الشيطان.
وهكذا صارت هذه العبارة القرآنية الخالدة مثلا سائرا على الألسنة في كل زمان ومكان ينطق به الناس فى المواقف المشابهة لما يعترض في النفوس ويوسوس به الشيطان من أمور تحتاج إلى مزيد من التثبت والتأكد بعين اليقين، وهذا رغم توافر اليقين وعدم غيابه‘عندئذ لا يجد الإنسان ما يعبر به عن هذه الحالة الملتبسة بين اليقين وعين اليقين سوى أن يقول المرء: "بلى ولكن ليطمئن قلبي".

آخر الأخبار