القاهرة - أمل زيادة:بهاء عبدالمجيد روائي حصل على درجة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي تخصص شعر، قضى فترة في أيرلندا أثناء إعداد الدكتوراه تعرف فيها على الحضارة الأوروبية، وقرأ الأدب الارلندي بتمعن، خاصة كتابات جيمس جويس، وبكيت، واسكار ويلد، وسينج وغيرهم، وهعو ما انعكس على روايته "خمارة المعبد". وقبلها سافر في منتصف التسعينات للولايات المتحدة الأميركية في منحة الفولبرايت ليكمل الماجستير.حول رحلته لأميركا، وروايته "النوم مع الغرباء"، أكد الروائي الدكتور بهاء عبدالمجيد في حوار مع "السياسة" أن بطل الرواية باسم لم تكن معرفته مكتملة بالغرب خلال غربته في أميركا فعاد بخيبة أمل، لأنه تفاعل مع المرأة بثقافة الرجل الشرقي "أمتعها ثم ضربها"، مبينا أن الشاب العربي يهوى تقليد الغرب في تحرره ويعترض على قوانينه، وفيما يلي التفاصيل:
* الغرب... شعوب لا تمل الكفاح لتحقق حريتها ونحن لا نحقق أحلامنا * جماليات اللغة الأساس في أي عمل أدبي لتحقيق الإمتاع والإيقاع مهم* الثقافة المصرية تعاني من أزمة توحيد الهدف وتقريب الهويات * الشعر أصبح غريباً ولغزاً لدى الجماهير لصعوبته وانهيار اللغة مَن الغرباء الذين تحدثت عنهم في روايتك «النوم مع الغرباء»؟هم الأشخاص الذين يعيشون معنا ولا نفهم ولا نستطيع الوصول إلى جوهر إنسانيتهم، هم الذين يستطيعون وضع أقنعة متعددة للتخفى والكذب، هم غرباء المكان،غرباء الذات و السلوك.ماذا تقصد بالغربة؟غربة «باسم» و»نادر» في الولايات المتحدة، ثم في وطنهما مصر، الغرب فتح أبوابه لهما لكن باسم لم يكن مؤهلا للعيش وسط هذه الحضارة، اعتقد أنه يمكنه أن يسيطر على الغرب بقوة الجسد، الغريزة، الشهوة، الفكرة التقليدية عن الشرقي المصرى اللعوب.- هل كان كافيا ليغزو الغرب؟لا، ليس كافيًا، كان يمكنه أن يستغل ثقافته وعلمه، لكن لم تكن معرفته مكتملة فعاد بخيبة أمل، لأنه تفاعل مع المرأة بثقافة الرجل الشرقي، أمتعها ثم ضربها، وهذا ليس مقبولا في الغرب. ماذا عن نادر؟كان على النقيض، اذ يمثل الروح والمثالية قبل أن تفسدها الخبرات والتعامل اليومي مع «باسم «، هو باحث جامعي يحلم بالحصول على الدكتوراه من أميركا، لكن لم يكن مؤهلاً للإقامة هناك، اذ إن المدة قصيرة، لذا منعه توتره، خوفه، من التواصل مع المجتمع الأميركي.ما سمات «النَّوم مع الغُرباء»؟تطرح الرواية في شجاعة أسئلة مهمة عن الوجود الإنساني، الكرامة، الهوية، صراع الحضارات، وعن حياة حقيقية لشبابنا قبل يناير 2011، جيل مأزوم، أعني جيلي الذي عاصرت معه فترة حكم استمرت لثلاثين عاما، حضر حروبا عربية قتلت كل معنى للأمل، كما تصدر شعار «كفاية» المشهد السياسي.لماذا كتبت الرواية؟رسالة للغرب المتقدم والمتحكم في الشرق الذي يملك ولا يحكم، بسبب رغبة العالم في استغلاله والتحكم فيه، رواية فلسفية تطرح أسئلة عن الواقع المعاش، صادقة وأمينة في تصويرها للواقع، كتبتها بحساسية عشتها، شعرت بها، كثير من الأسئلة طرحتها مثل، من هو الإنسان، ما الرجولة، ما الشجاعة، ما الهوية، ما الوطنية، ما الإنسانية، ما الاستغلال والخداع، السؤال المهم، هل البراءة تنفصل تماماً عن الخبرة والنضج؟هل وجدت لأسئلتك إجابات؟الإجابات ليست قاطعة لهذه الأسئلة، لكن الرواية هي حوار بين الراوي والمتلقي، بعض الأمور انيرت لي بعد الانتهاء منها، النوم هنا ليس نوما جسديا، لكنه التعايش الحقيقي مع العالم و البشر، الرواية لا تعطي الإجابات على كل الأسئلة، لكنها تدفعنا للتفكير والتأمل لإيجاد الحلول.لماذا لم يستفد المصريون من الغرب؟بسبب سيطرة الوعي الجمعي الخرافي عن ما هو الغرب، فالغرب لدى بعض العرب هو الجنس، المال، السلطة، الاحتلال، المصريون لا يحبون الغرب لكنهم يريدون العيش بطريقته، الجماعة مقابل الفرد، في حين أن في الغرب الفرد مقابل الجماعة أو الأسرة، الغرب يحترم ويقدس الفردية والحرية، من قتل نفس في مجتمعهم كمن قتل الناس جميعاً.ما رأيك في هذا الاهتمام بالفرد؟للفرد أهمية كبرى في الغرب، الاهتمام بتعليمه، صحته، غذائه، هناك وعي من الأفراد بمن يحكمه ومن يحقق له الديمقراطية، هي شعوب لا تمل من الصراع والكفاح حتى تحقق ما تستطيع من حريتها واستقلالها، لكن عندنا البشر ليس لديه الشجاعة الكافية للوصول إلى الحلم، ربما طريقة التربية أو الطبيعة الجغرافية التي دائماً ما تصالح البشر على الواقع.جماليات اللغةهل اهتمام الكاتب بجماليات اللغة ومفرداتها يصيب القارئ بالملل؟تعد جماليات اللغة أداة من أسلوبية الكاتب، دونها لن يتحقق الإمتاع بالنسبة للقارئ، أحياناً أميل الى اللغة الشاعرية حتى لو كان سردا نثريا، والإيقاع مهم جدًا للنثر حتى يستطيع القارئ مواصلة القراءة.ماذا عن السريالية؟الرواية حالة من الحلم، الواقع، الهذيان، الإفاقة، الحب، الرغبة، التطهر، الدنس، الجنون، الحكمة، الفهم،التسوس، الحركة، السكون، لذلك كانت السريالية واضحة بها، يبدو تأثرى بسلفادور دالي.يبدو تأثرك الواضح بالشعر والسينما فيه؟بالفعل، الشعر كان له تأثير كبير في الرواية، كما تأثرت بالسينما، إنها رواية سينما، طلب مني أكثر من مخرج وسيناريست كتابة معالجة سينمائية لها.ماذا ينقص الرواية العربية لتلحق بالعالمية؟ينقصنا الرواية العربية من الأساس، بعض الروايات أشباه رواية لأنها لا تدخل في نوع الرواية أصلاً، لدينا نصوص وليست روايات، توجد أسماء كبيرة ومحترمة في الرواية العربية ما بعد نجيب محفوظ، لكن كثيرا من الروائيين لا يتحاور مع العالم، لا يتداخل مع نصوصه، ليس لنا حضور إعلامى و لا مهرجانات.هل تنقصها الحرية؟نعم، الحرية التي يمارسها الكاتب على المستوى العام أو الخاص غير موجودة، ما ينعكس على السرد الروائي والموضوعات التي يطرحها في نصوصه. هل للترجمة دور في ذلك؟بالتأكيد، لها دور في طرح الروايات العربية في الغرب، الترجمة ساهمت في الانتشار عالميًا، ترجمت لي ثلاث روايات إلى الإنجليزية مثل «النوم مع الغرباء» و»سانت تريزا» التي ترجمها شاب روزيتي و»خمارة المعبد» التي ترجمها جونسون رايت وهما من أهم مترجمي الأدب العربي بعد دينس جونسون ديفيز.هل تساهم الجوائز في عالمية الرواية العربية؟اعتقد أن كثرة الجوائز العالمية تساهم في ذلك، مثل، جائزة البوكر العربية التي تساعد في انتشار الأديب دولياً، لكن يجب أن يكون هناك كاتباً شعبيًا عربيًا، مثل هاروكي موراكامي، ونجيب محفوظ بعد نوبل كان مرشحاً لذلك،لابد من بذل مجهود من العرب ليصبح ظاهرة في الغرب، يجب نشر الأدب العربي و تشجيع طلاب الغرب على دراسته بمنحهم دعما ماديا ومنحا لدراسة اللغة العربية كما يفعل الغرب معنا لتعليمنا لغته.كيف ترى الشأن الثقافي في مصر؟رهن اللحظة السياسية الراهنة، لحظة غير مستقرة، الثقافة المصرية تمر بأزمة توحيد الهدف وتقريب الهويات، هي تعمل بآليات قديمة، لكن ربما تحاول ضخ أفكارا جديدة في المستقبل، الثقافة انفاق ومصادر الانفاق محدودة، يجب أن يدخل القطاع الخاص بقوة ليس بغرض الدعاية والتسييس، لكن بغرض التقدم و فرض نموذج حضاري ليبرالي. هل يلعب التعليم دورا في ذلك؟تحسين التعليم ومناهج الدراسة مهمة جدًا في فهم الثقافة، لكن هناك الصوت القديم المتحفظ والرجعي الذي يعمل دور الرقيب والمتدخل في تطور المجتمع والثقافة المصرية، أعتقد ان الشعب اختار أن يستمر في تغييره رغم القهر الاقتصادي الذي يعيشه.القصة القصيرةلماذا يتجه القارئ للرواية ولا يميل للقصة القصيرة والشعر؟الرواية عالم مكتمل، تتنوع في موضوعاتها وأسلوبيتها، أما الشعر والقصة فهي للصفوة، رغم ان المقامة والشعر كانا من الفنون التي سيطرت على الفن لفترات طويلة، الرواية انبثقت عن القصة القصيرة، من حكايات ألف ليلة وليلة ثم تطورت القصة لتحل محل الملحمة التي تحل محلها الآن الرواية.ماذا يميز القصة القصيرة؟القصة لها عشاقها لسهولة قراءتها، مناسبتها للجريدة اليومية.هل سيندثر الشعر؟الشعر أصبح غريبا لصعوبته، بسبب انهيار اللغة والثقافة، أصبح من الالغاز لدى الجماهير، خاصة ما يعرف بقصيدة النثر التي تأثرت بالسريالية خاصة.هل يشكل الأدب وعي الشعوب؟الأدب والموسيقى لهما دور في تشكيل وعي الشعوب، ما نمر به طبيعي بعد الفوضى، الحضارة لا تُبنى فقط بما هو مادي، لكن بالروح وبناء الذوق العام،ستمر هذه الفترة لكنها ستفرض ما هو مبتذل وقبيح، سيحل مكانها الجمال والخير، لكن يجب أن يتكاتف محبي الخير والجمال لفرضه.هل الأدب الرفيع يحتاج مجهودا في القراءة أكثر من الأدب الجماهيري؟روايتي صدرت في خمس طبعات، لكن دور النشر الكبيرة التي تتحكم في آليات السوق لها حساباتها التي لا أفهمها، أراهن على المستقبل، لا أفكر بمفهوم المؤامرة، ربما انه عدم وعي بعض الناشرين بقيمة العمل الجيد، فالناشر في الأول و الأخير تاجر كتب.بم تنصح القارئ والكاتب الجديد؟أنصح القارئ باختيار ما يقرؤه ويغذي وعيه وثقافته، وعلى الكاتب الجديد أن لا يفقد الشغف بالقراءة، البحث، التأمل، الكتابة المتصلة.ما جديدك؟ رواية «القطيفة الحمراء»، آمل أن تنشر هذا العام.

غلاف "النوم مع الغرباء"