السبت 28 سبتمبر 2024
37°C weather icon
logo-icon
تم نسخ الرابط بنجاح
الافتتاحية

بين خروتشوف وأحمد بن حنبل ... والنفاق للحاكم

Time
الأربعاء 31 مايو 2023
View
14
السياسة
آفةُ ضعف الدّول الرّأيُ الخطأ، الذي يستقيه الحاكم من غير أهل المعرفة، وليس من المُتجردين من النوازع الشخصية، الذين يسعَوْن إلى مصلحة الدولة، أما المنافقون الذين يُغلِّبون فائدتهم، فهم لا شكَّ سيكونون من يشقُّ الطريق إلى الانهيار؛ لأنهم يعملون وفق ما يطمحون إليه من منافع، حتى لو التزموا الصمت عندما تكون هناك أزمة ما؛ لأنهم لا يرَوْن إلا أنفسهم، ولا يُقيمون وزناً لثقة الحاكم بهم.
في هذا الشأن، ثمَّة قصة تُروى عن أنَّ الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف، وفي أول اجتماع للجنة المركزية بعد موت جوزيف ستالين، أسهب الزعيم الجديد باتهام سلفه بارتكابه الجرائم الفظيعة، وكيف كان الديكتاتور، الراحل المعروف بقسوته وجبروته وعدم قبوله الرأي الآخر وسرعة التخلص من خصومه أو مُخالفيه، يعامل المسؤولين والشعب.
بعد الانتهاء من إلقاء كلمته الاتهامية، وصلت إليه قصاصة ورق كُتب عليها: "أين كنت عندما كانت تحدث الجرائم التي زعمتها في أيام ستالين؟".
قرأ الرجل السؤال على مسامع أعضاء اللجنة المركزية، وطلب من السائل الوقوف، وبعدما مر وقت وساد الصمت، ولم يقف أحد، قال خروتشوف بسخريته المعهودة: "من يسأل عن مكاني وقت كانت تلك الأمور الفظيعة تحدث، أقول له إنني كنت أجلس في الكرسي الذي تجلس عليه حالياً، فكلنا سواء يا عزيزي"، بمعنى: لا تُطالبني بأمر تعجز أنت عن فعله.
ثمَّة الكثير من المسؤولين الذين لا يقوون على النطق بالحق لاعتقادهم أن هذا ما يريده الحاكم، ومن هذا المنطلق ينسب إلى أرسطو قوله: "من يهزم رغباته أشجع ممن يهزم أعداءه؛ لأنَّ أصعب انتصار هو الانتصار على الملذات"، فالأساس هو خير المجتمع؛ لأنه يؤدي إلى خير الفرد.
في هذا الشأن يُنقل عن الإمام أحمد بن حنبل أنه حين كان في السجن، جاء السجان إليه وقال له: "يا أبا عبد الله، الحديث الذي روي في الظلمة وأعوانهم صحيح؟"، قال الإمام أحمد: "نعم".
قال السَّجَّان: "فأنا من أعوان الظلمة؟"، قال الإمام أحمد: فأعوان الظلمة من يأخذ شعرك (الحلاق)، ويغسل ثوبك، ويصلح طعامك، ويبيع ويشتري منك، أما أنت فمن الظلمة أنفسهم".
لأن إعانة الظالم هي الظلم بعينه، فالمعين يكون ملكاً أكثر من الملك، ولذا كانت الشعوب قبل الثورة التقنية الكبيرة، وانتشار وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، والفضاءات المفتوحة، شبه مستسلمة لأقدارها، ومستعينة على قسوة حكامها، إما بالصمت، وإما بالقبول بكل شيء، لكن هناك بعض الاستثناءات، مثل الثورة الفرنسية، إذ حين استفحل الظلم، وجاع الناس كانت تلك الانتفاضة على الحكام، وكذلك ثورة العام 1917 في روسيا، لكن اليوم مع تلك التكنولوجيا لم تعد تنفع سراديب أجهزة المخابرات والأمن في إخفاء الناس، ولا التستر على فضيحة مال عام، وفساد.
أما في دول أخرى فقد كانت إرادة الحاكم وسعيه إلى إحقاق الحق بين الناس، وقوة عزيمته في وقف المُستشارين عند حدودهم، وعدم ترك أمور الدولة أو المؤسسة إلى قصار النظر، وعديمي الحكمة والفطنة، ووعيه بما يحتاجه شعبه، هي السبيل إلى نهضة بلاده، واقتصادها، وجعله من وسائل الإعلام معيناً له على كشف الفاسدين، وبذلك استتب الأمن؛ لأنَّ التناصح النقيَّ الخالي من الأهواء الشخصية يكون علناً، وبذلك تتغلبُ الدولُ على أزماتها.

أحمد الجارالله
آخر الأخبار